د. علي حكمت شعيب *||
*أستاذ حامعي ـ الجامعة اللبنانية ـ بيروت
لا يحتاج المرء إلى كثير من التفكير ليعلم أن سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه قضية المهاجرين الساعين إلى حياة مقبولة في أوروبا قد حولت البحر المتوسط إلى مقبرة عظيمة. هذا التعبير قد أطلقه البابا عام ٢٠١٤م. في معرض تعليقه حينها على غرق زورق يحمل ٦٠٠ مهاجراً.
وقد أشار مؤتمر الجمعيات الحقوقية والمدنية المنعقد في تونس عام ٢٠٢٠م. إلى المسألة عينها محصياً عدد المهاجرين الغرقى حتى تاريخ انعقاده بعشرين ألف (٢٠٠٠٠) مهاجر وأدان اتفاق الحكومة الايطالية مع الميليشيات الليبية التي تحتجز المهاجرين نحو أوروبا المنطلقين من المياه الإقليمية الليبية وتحتجزهم وتعذبهم.
إننا أمام قضية إنسانية كبرى أنتجتها السياسات الغربية الأمريكية والأوروبية في المنطقة التي ما انفكت بحروبها الصلبة والناعمة تهدم اقتصادات الدول لتطويعها.
وقد بدأنا اليوم في لبنان نرى هذا الناتج بشكل بيّن بعد غرق زورق الأمس المنطلق من الشواطىء العكارية الممتلىء مهاجرين لبنانيين وسوريين قد عضتهم الفاقة وأذلهم الفقر وأجبرتهم الأزمات الاقتصادية التي يديرها الغرب في كل من لبنان وسوريا على الهجرة نحو أوروبا.
ومن المتوقع أن تزداد عمليات الهجرة المنطلقة من شواطئنا كلما ازداد توغل الأزمة الاقتصادية وفشلت سياسات معالجتها ولن تتمكن القوى الأمنية من ضبطها لأن بعض ضباطها اضطرتهم الأزمة نفسها للتفكير في الاستقالة والهجرة.
ألا يستدعي ذلك كله عقد مؤتمر للاتحاد الأوروبي يشارك فيه الأمريكي استجابة لدعوة الكثيرين لا سيما منهم بابا الفاتيكان وذلك لإعادة النظر في سياسات الغرب تجاه الدول الأخرى في إفريقيا وآسيا لا سيما منها نهج الإدارة بالأزمات من خلال الحرب الناعمة والاقتصادية والصلبة أو مزيج من ذلك كله.
إن أوروبا هي الخاسر الأكبر من تلك السياسات التي توافق أمريكا عليها وتنفذها بالتحالف معها وأصبحت اليوم موجات الهجرة تنطلق إليها براً من شمالها عبر أوكرانيا وبحراً من جنوبها على امتداد شواطئ البحر المتوسط الآسيوية والإفريقية.
إن الصدق في الحرص على حقوق الإنسان يستلزم أن نكف عن نهب موارد بلده وأن نحفظه في عيشته الكريمة فيه كي لا نضطره إلى هجرته فنحوّل البحار مقبرة للفقراء وطعاماً لأسماكها لتكون شعوبنا من الأغنياء.