فهد الجبوري ||
من المعروف تاريخيا أن ما يسمى حاليا بالأمريكيتين الشمالية والجنوبية كانتا الموطن الأصلي للشعوب الأولى ( الهنود الحمر ) قبل أن تبدأ موجات الهجرة من القارة الأوربية الى العالم الجديد . وقد مارس المستعمرون الجدد عمليات إبادة ممنهجة ضد السكان الأصليين راح ضحيتها الملايين ، قتلوا او ماتوا بطرق مختلفة منها بالقتل المباشر ، او بواسطة الفيروسات التي نقلها معهم هؤلاء الوافدون من بلدانهم الى المناطق الجديدة والتي لم تكن أجسام الشعوب الأولى تعرفها وليس عندها مناعة طبيعية لمقاومتها .
ومن المؤكد أن ما يسمى بالحضارة الأمريكية قد قامت على جماجم الشعوب الأصلية ، والذين تعرضوا الى الإبادة ومصادرة أملاكهم واراضيهم ليستولي عليها المهاجرون الجدد القادمون من مختلف البلدان الأوربية .
وفي سياق هذه القضية التاريخية وقصصها المؤلمة والمحزنة ، بدأت تظهر نتائج التحقيقات بشأن الجرائم التي ارتكبت ضد أطفال المدارس من سكان الشعوب الأصلية . وآخرها تحقيق للحكومة الأمريكية توصل الى وجود ما لايقل عن ٥٣ موقع للدفن في المدارس الداخلية الفيدرالية للسكان الأصليين ، وإن المسؤولين يتوقعون العثور على المزيد منها .
وطبقا لتقرير جديد صدر الأربعاء ١١ مايس فإن الموجودات الأولية للتحقيق ، الذي فحص سجلات ومحفوظات تحت السيطرة الفدرالية ، قد أظهرت أن المئات من الأطفال قد ماتوا في المدارس الداخلية ، ولكن المسؤولين يقولون أن العدد من المحتمل أن يقفز الى الآلاف أو عشرات الآلاف مع استمرار التحقيق .
إن التقرير الذي يتألف من ١٠٦ صفحة هو المجلد الأول من مبادرة المدارس الداخلية الفدرالية الخاصة بالسكان الأصليين ، والتي أمرت بها وزيرة الداخلية ديب هالاند في حزيران عام ٢٠٢١ بعد أن سمعت الأخبار بأن الهيئة التابعة للشعوب الأولى قد أكدت وجود ٢١٥ مقبرة للأطفال في مدرسة كاملوبس الهندية في مقاطعة بريتش كولومبيا الكندية .
وكانت الولايات المتحدة قد قامت عمدا بإجبار عوائل الشعوب الأولى بإرسال أطفالهم الى المدرسة كجزء من نظام التذويب والاستيعاب الذي وصل كل مكان في البلاد ، طبقا للتقرير .
وقد وجد التقرير أن نظام المدارس الداخلية كان " واسعا " يحتوي على ٤٠٨ " مدرسة داخلية فدرالية للهنود " على امتداد ٣٧ ولاية ومنطقة ، ومنها ٢١ مدرسة في آلاسكا ، و٧ مدارس في هاواي .
وقد ذكر التقرير أن هذا النظام كان جزءا من سياسية اوسع واشمل للاستيلاء على أراضي السكان الأصليين وذلك للسماح بتوسعة الولايات المتحدة . وتعترف الحكومة في هذا التقرير بسياسة التذويب التي أزهقت الأرواح ، وتسببت بمشاكل صحية عقلية وجسدية ، ومصادرة الأراضي والثروة ، وتفتيت العلاقات القبلية والأسرية ، وضياع لغات السكان الأصليين ، وكذلك محو الطقوس الدينية والثقافية .
وتعود تلك السياسة الى العام ١٨١٩ ، عندما شرع الكونغرس ما يسمى بقانون التمويل الحضاري وذلك لمساعدة المنظمات الدينية ماليا والتي كانت تدير المدارس بهدف تذويب أطفال السكان الأصليين وسلخهم عن عوائلهم وثقافتهم ومعتقداتهم .
وبعد ذلك ، قامت الحكومة الاتحادية بإجبار أو إغواء أجيال من الاطفال الهنود الأمريكيين ، وأطفال مناطق آلاسكا وهاواي للحضور في المدارس الداخلية ، وفوضت وزارة الداخلية بحجب الحصص عن الذين كانوا يرفضون.
وجاء في التقرير أن العوائل كانت تخفي أطفالها ، ولكن المسؤولين كانوا يرسلون الشرطة للقبض عليهم . وأكثر من ١٥٠ معاهدة ، والتي غالبا ما توقع تحت الإكراه ، تضمنت متطلبات بأن تقوم العوائل بإرسال أطفالها الى المدارس .
وأكد التقرير " أنه منذ الايام الأولى ، كان هدف المسؤولين الأمريكين هو قطع الروابط الثقافية والاقتصادية للسكان الأصليين عن أراضيهم . "
وقال " إن تذويب أطفال السكان الأصليين من خلال نظام المدارس الداخلية كانت عملية متعمدة ومقصودة وجزءا من الهدف الأوسع في سلب السكان الأصليين أراضيهم وممتلكاتهم لتوسيع الولايات المتحدة "
وقد وجد التحقيق " أن النزع القسري لأطفال السكان الأصليين من عوائلهم ومجتمعاتهم كان صادما وعنيفا " .
ويقول التحقيق " لقد كانوا يرسلون الى مؤسسات تدار بطريقة عسكرية فظة وقاسية مع تاكيد قوي على التعليم المهني القاسي .
وبينما لم يذكر التقرير تفاصيل عن الكيفية التي مات بها الأطفال ، الا إنه يصف الظروف التي أدت الى الوفاة . ومنها " الانتهاكات الجسدية والاعتداءات الجنسية ، والأمراض ، سوء التغذية ، والأماكن المكتظة المزدحمة ، ونقص الرعاية الصحية في المدارس الداخلية " .
ــــــــ
https://telegram.me/buratha