د.جواد الهنداوي *||
*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل
" لو " كانَ للدولة لساناً لنطقت ، و أعربتْ عن خيبتها ، ونعتْ هيبتها ، و أدانتْ حجم الاستخفاف في مقوماتها ( شعبها ، سيادتها و مكانتها ) ، بسبب حكومة تعمل بكامل الصلاحيات وهي مستقيلة ، وقضاء، و مدعّي عام يراقب ، ولا يحّرك ساكناً ،بيدَ من مهامه ، حماية المصلحة العامة ، وتحريك دعوى قضائية ضّدَ ماهو مخالف للدستور وللقانون .
المادة ٦٤ الفقرة ثانياً من الدستور تنّصُ صراحةً" عند حّل مجلس النواب ، يُعدْ مجلس الوزراء مستقيلاً ، و يواصل تصريف الامور اليوميّة " .
النّص واضح وصريح " حكومة مستقيلة ومهامها تصريف او تمشيّة الاعمال اليوميّة " ، و قرار المحكمة الاتحادية الصادر بتاريخ ٢٠٢٢/٥/١٥ ، ليس الاّ توضيح ما هو واضح ، وتعريف ما معنى " الاعمال اليوميّة " . و لا أظّنُ احداً درسَ القانون او مارس القضاء او عملَ في ادارات و مؤوسسات الدولة يجهل معنى " تصريف اعمال يوميّة من قبل حكومة مستقيلة ".
حكومة مستقيلة يعني مُجرّدة من صلاحية اتخاذ القرار السياسي او الاقتصادي او الاداري ، وما عليها سوى اتخاذ اجراءات ضرورية و مناسبة من اجل تنفيذ القرارات التي اتخذتها قبل تاريخ الاستقالة !
أذاً ، قرار المحكمة رقم ١٢١ في ٢٠٢٢/٥/١٥ ، صحيح ومتطابق جداً مع نص المادة ٦٤ ثانياً من الدستور ، ولا يمكن النقاش في سندهِ و تأسيسه .
ولكن ماهو قابل للنقاش و للتساؤل هو لماذا تأخّر القضاء ،ممُثلا بالمدعي العام ،عن المبادرة بالطلب الى المحكمة الاتحادية بالتدخل لايقاف استمرار الحكومة في التصرف بصلاحيات مطلقة ، إمّا تدخل المحكمة تفسيراً للمادة ٦٤ ثانياً من الدستور ، و أمّا يتداول المعنيون بالقضاء مع السيد رئيس مجلس الوزراء ،وبدون اجراءات قضائية ، لأعلامه و الطلب اليه بعدم التمادي باتخاذ قرارات و التقيّد بتصريف الاعمال والاجراءات الموجبة واللازمة بموجب القرارات السابقة و المتخذة من قبل مجلس الوزراء قبل تاريخ اعتبار الحكومة مستقلة .
لا نظّنُ ان الحكومة على غير دراية بمحدودية صلاحيتها بعد حّل مجلس النواب ، ولا نستبعد حرصها على الاستمرار في ادارة السياسة العامة بما يضمن مواجهة التحديات و المتغيرات الدولية على الصعيد الاقتصادي و السياسي ، ولكن ، لا ينبغي ان يكون حرصها على حساب مسؤوليتها تجاه الدستور و القضاء ، وعلى حساب مكانة وهيبة الدولة !
لم تكْ الحكومة ولم يك القضاء على غير دراية بأعتراضات كُتل سياسيّة وتصريحات نواّب على استمرار الحكومة بممارسة كامل صلاحياتها . كما أنَّ مطالبة النائب السيد محمد شياع السوداني ،بتاريخ ٢٠٢٢/٤/١٥ رئاسة الجمهورية بالتدخل ، لدى المحكمة الاتحادية لتفسر المادة ٦٤ ثانياً من الدستور ،من اجل تعريف حدود صلاحية حكومة تصريف الاعمال ، جاء موفقاً ولو بتأخّر طويل .
ما هو موقف الحكومة المستقيلة ، وكيف سيكون موقف الحكومة القادمة بخصوص قرارات تعيبين و نقل و اخرى ذات بعد اقتصادي و دولي ، أُتخذتْ ، وهي الآن بحكم المُلغاة بموجب قرار المحكمة الاتحادية المرقم ١٢١ في ٢٠٢٢/٥/١٥ .
هل سيُكَلفْ القضاء ، مرّة اخرى ،بأيجاد مخرجاً ،لمعالجة الاثار التي ترتّبت على قرار المحكمة الاتحادية ؟
هل ستستمر الدولة في هذه الحلقة ؛ تجاوزات ( لا يمكن تجاهلها ) ، على الدستور ، و دعوة متأخرّة جداً،للقضاء للتدخل ، وقرار القضاء بالغاء الاثار المترتبة لقرارات الحكومة المستقيلة ،ثّمَ العودة الى القضاء مرّة اخرى لايجاد حل ومخرج لمعالجة الاثار المترتبة !
يرى البعض قرار المحكمة الاتحادية تسيساً للقضاء ، ولكنه في الحقيقة هو تصحيحاً لمسار تنفيذي مخالف للدستور . و موضوع عمل واختصاص المحكمة الاتحادية ليس عقود الزواج او عقود البيع والشراء ، و انما المسار السياسي للدولة ، وممارسات كل من السلطات التشريعية و التنفيذية في الدولة الاتحادية
الانظمة الدستورية المختلفة ،تتفق على مفهوم الحكومة المستقيلة ومفهوم تصريف الاعمال ، وما هو متعارف عليه هو محدودّية صلاحياتها ، و انتهاء ثقة مجلس النواب بها .
هذا التراكم من الاخطاء و التجاوزات يقود تدريجياً الى اندثار وضياع مكانة وهيبة الدولة في الداخل وفي الخارج ، ويقود ايضاً الى عدم ثقة الرعيّة بدولتهم ، وهكذا تحتضر تدريجياً الدولة .