متابعة وترجمة ـ فهد الجبوري ||
مقالة مهمة للكاتب جوزيف مسعد ، وهو بروفيسور السياسات العربية المعاصرة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا الأمريكية . لديه عدة كتب ومقالات حول القضيةالفلسطينية والصهيونية ، وقد ترجمت مؤلفاته الى العديد من اللغات .
فيما يلي ترجمة للفقرات المهمة التي وردت في مقالة الكاتب جوزيف مسعد والتي نشرها يوم ١٣ مايس ٢٠٢2 في موقع ميدل ايست آي تحت هذا العنوان البارز :
· لماذا قادة إسرائيل وحلفائها في حالة من الهلع والذعر من المستقبل ؟
الهلع حول بقاء مستعمرة الاستيطان اليهودية الأوربية " إسرائيل " يضرب في قلوب قوى الاستعمار الجديد الأوربية ، وكذلك عند مستعمرات المستوطنين البيض .
إن الزيادة في تطور ورقي المقاومة الفلسطينية واللبنانية المسلحة وغير المسلحة ، ونمو حركة التضامن في البلدان الغربية ، وإجماع مجموعات حقوق الإنسان الغربية على الطبيعة العنصرية لإسرائيل ، والوصول الواسع لوسائل الاعلام البديلة التي تفضح الجرائم الاسرائيلية ، كلها مهمة في إحداث هذا الذعر .
ولغرض مواجهة مثل تلك التهديدات لبقاء إسرائيل ، فقد أعلنت بريطانيا ، المهندس الرئيسي لمستعمرة الاستيطان اليهودية منذ الحرب العالمية الأولى ، أعلنت هذا الاسبوع من خلال حديث الملكة الافتتاحي للبرلمان انها سوف تمنع المجالس المحلية ، وباقي المؤسسات العامة من المشاركة في حملات المقاطعة والتعرية لإسرائيل .
وفي ألمانيا ، الدولة الأوربية الأكثر عداءا للفلسطينيين ( وهناك العديد من المتنافسين على هذا اللقب ) ، قامت المؤسسة الإعلامية الحكومية المملوكة للدولة " دوتشيه فيله " مؤخرا بطرد ما لايقل عن سبعة من كوادرها العرب بسبب مزاعم توجيهمم النقد لإسرائيل ، بينما قامت فرنسا بحظر المسيرات التي تنتقد الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية .
إن هذا الذعر الذي تشعر به تلك القوى الأوربية - والاتحاد الأوربي نفسه - بالإضافة الى الولايات المتحدة قد نجم عنه اندفاع نحو تجريم نقد إسرائيل كجزء من انتهاك كبير وأساسي لحرية التعبير في تلك البلدان المفترض انها " ديمقراطية ليبرالية "
رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ، ايهود باراك ( وهو ابن للمستعمرين الليتوانيين ) قد أعرب مؤخرا عن قلقه من أن إسرائيل ، التي تأسست في عام ١٩٤٨ ، قد لا يصل عمرها الى الثمانين . أما رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو ( ابن المستعمرين البولنديين ) فقد عبر عن خوفه قبل خمسة سنوات أن إسرائيل قد لا تصل الى المئة سنة .
وقد أستشهد كلاهما ( باراك ونتانياهو ) بزوال الدولة الاسرائيلية القديمة في فلسطين ، والتي لم تتجاوز الثمانين عاما ، كأساس لتخوفاتهم .
وتبقى إسرائيل هي القوة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط . وقد تمكنت بنجاح من تشكيل نظام فلسطيني متعاون معها في عام ١٩٩٣ لمساعدتها في سحق الفلسطينيين الذين يقاومون المستعمرين ، واستطاعت من اخضاع معظم جيرانها من خلال إبرام اتفاقات " سلام " معهم . وقد حصلت ايضا على اعتراف الولايات المتحدة باحتلالها غير المشروع وضم القدس ومرتفعات الجولان . إذن لماذا كل هذا الذعر من بقاءها المستقبلي ؟.
هل أن ذلك بسبب المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، مع الزيادة الحاصلة في ترسانتهم من الأسلحة ، والتطور العسكري ، هل يكون ذلك هو التهديد لبقاء إسرائيل ؟
ومع ذلك ، إن هذا ليس هو ما يريدنا باراك ونتانياهو الاعتقاد به بخصوص عدم إمكانية بقاء إسرائيل لمدة ٦ سنوات قادمة ، أو ٢٦ سنة اخرى.
باراك أعرب عن مخاوفه من " أن لعنة العقد الثامن سوف تسقط على إسرائيل الحالية " . إن تسمية إسرائيل الحديثة بنفس الاسم القديم المتجانس هو أحد الأسباب لرسم التشابه بين مصير الدولة القديمة والمستعمرة الاستيطانية الحالية .
ومع أن النقاش حول ماذا سوف يطلق على الدولة قد حصل قبل قرار الأمم المتحدة في نوفمبر ١٩٤٧ القاضي بتقسيم فلسطين ، الا أنه لم يتخذ أي قرار بالرغم من تقديم عدة مقترحات ، منها يهودا ، صهيون ، يشرون وعابر . وقد قبل اسم " دولة إسرائيل " في نيسان ١٩٤٨ وتم اعتماده رسميا في ١٢ مايس من نفس السنة من قبل لجنة ضمت ديفيد ريميز ( وهو يهودي من بيلاروسيا ذهب الى فلسطين في عام ١٩١٣ عندما كان عمره ٢٧ سنة .
إن إطلاق إسم " دولة إسرائيل "أو في العبرية "مدينت يسراييل " وهو الاسم الذي أطلق على يعقوب في الكتاب المقدس بعد أن تصارع مع الملك المرسل من الرب " ، يشير الى الشعب اليهودي ، وهم يعدون أحفاد يعقوب ، كان اختيارا مقصودا .
لاحظ ان لا باراك ولا نتانياهو يعتقدان أن ما قامت به إسرائيل الحديثة منذ عام ١٩٤٨ هو الذي سيقضي عليها في المستقبل القريب ، ولا أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية هي التي تعرضه للخطر ، ولكن بالأحرى هو التشابه الخيالي الذي يرسمانه مع التاريخ القديم الذي قد يحدد مصير المستعمرة الاستيطانية .
ولكن إذا كان التاريخ هو الدليل ، فإن مستقبل إسرائيل في السنوات الستة القادمة أو السنوات الستة والعشرين القادمة سوف لن يختلف بالتأكيد عن ماضيها . إسرائيل سوف تستمر في استيطان أرض الفلسطينين ، وقتلهم ، وطردهم ، واضطهادهم بسبب شجاعتهم في الدفاع عن أراضيهم وأرواحهم ضد السرقة الاستعمارية .
وإن إسرائيل سوف تستمر في قمع كل أشكال المقاومة الفلسطينية . أنها سوف تستمر في تبرير كل جرائمها الاستعمارية من خلال استحضار الهولوكوست كتبرير ، وسوف تستمر في وصم وتشهير كل أولئك الذين ينتقدون السلب والنهب ومعاداة السامية .
إسرائيل سوف تستمر في تكثيف الرعاية الإمبريالية الأمريكية لها ، وإيجاد تحالفات إمبريالية إقليمية ، للتعدي على جيرانها ، ومنهم لبنان وسوريا ، وإبعاد ايران ، وسوف تستمر في بالادعاء بأن عدوانها الضاري ليس اكثر " من حق الدفاع عن النفس " .
لكن المقاومة الفلسطينية واللبنانية مصممتان على الاستمرار في الجهود لكبح العدوان الاستعماري الاسرائيلي ، وأنهما من المرجح جدا أن يصبحا أكثر قوة وأحسن تجهيزا وتسلحيا مما هو عليه اليوم .
وإذا كان كل هذا سوف يقرر مصير مستقبل إسرائيل ، وأن هناك سببا جيدا للاعتقاد بأن ذلك ممكن وسوف يحصل ، فأن الأمر لن يتطلب نوعا من الجرائم الحديثة والجديدة لإنهاء هذه الصفحة الاستعمارية المرعبة في تاريخ الفلسطينيين والعرب الآخرين .
بل أن نهايته سوف تأتي من الاصرار والاستمرار على نفس الممارسات الاستعمارية التي وضعتها إسرائيل منذ عام ١٩٤٨ والتي دعت اليها الأيديولوجيا الصهيونية منذ أواخر القرن التاسع عشر - ومن المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تصلبت عبر العقود . وبكل تأكيد ، فإن زوال إسرائيل لن يكون ذا صلة ببعض التكرار التاريخي ، أو يكون بسبب اختيار اسمها ، أو أي هراء آخر من هذا القبيل .
إن الخوف من التعرية العالمية المستمرة للجرائم الاسرائيلية قد أحدث رعبا حقيقيا عند القيادة الاسرائيلية .
وقد قاد هذا الاسبوع الى اغتيال ( أو لنقل إعدام حتى نكون اكثر دقة ) الصحافية الفلسطينية المشهورة شيرين أبو عاقلة ( والتي تشرفت باللقاء معها مرة واحدة في منزل ادوارد سعيد في عام ٢٠٠٢) ، عندما كانت تغطي الغارات الإجرامية على مخيم اللاجئين في جنين .
لقد كانت استجابة القوى الاستعمارية الأوربية والولايات المتحدة ، كما هو دائما ، مثل عملية تدوير العربات ، على غرار بوير . الولايات المتحدة أعربت عن "حزنها " ؛ الاتحاد الأوربي لم يبدو انه على وجه الخصوص " حزينا " . كلاهما أظهرا تحفظا حازم بإلقاء اي لوم على الاسرائيلين القتلة .
أن تكون أبو عاقلة مواطنة أمريكية هو مصدر القلق اكثر عند الأمريكيين ومثل ذلك كمثل قلقهم ازاء الرجل الفلسطيني الأمريكي الطاعن في السن والذي مات بعد ضربه من قبل الجنود الاسرائيلين في كانون الثاني الماضي .
القضية ليست ببساطة حول نفاق ردود افعال امريكا والاتحاد الأوروبي ازاء الوضع في أوكرانيا مقابل ردود أفعالهم ازاء الجرائم الاستعمارية في فلسطين ، ولكن حول التزامهم المستمر في المحافظة على المستعمرة اليهودية الاستيطانية في المستقبل المنظور .
إن من يعرض هذا المستقبل للخطر هو المقاومة الفلسطينية واللبنانية والتضامن الدولي مع قضية فلسطين . وعندما نأخذ هذه الأخطار الحقيقية والمتصورة بنظر الاعتبار ، تبقى الجهود الاسرائيلية والغربية أولوية من أجل حماية مستقبل الكيان الاستيطاني الاسرائيلي .
وفي الذكرى الأربعة والسبعين للنكبة ، فإن النبوءات حول زوال إسرائيل المستقبلي ليس مبالغ بها كثيرا ، على الرغم من عدم جدوى الالتزام الأمريكي والأوروبي في منع مثل هذه الاحتمالية.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha