فهد الجبوري ||
في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمة سياسية حادة تنذر بعواقب وخيمة على الاستقرار والأمن والسلم المجتمعي ، وعلى الحياة اليومية للمواطنين ، يواجه العراق أزمة أخرى من نوع آخر وهي أزمة المناخ وما يترتب عليها من جفاف وتصحر للأراضي الصالحة للزراعة ، وتهديد بزوال قرى بأكملها ، وتهجير قسري للسكان . ومنذ فترة ليست بالقليلة قامت العديد من المنظمات الدولية ، وبعض المؤسسات الحكومية العراقية ، والمختصين بالمناخ بدق جرس الإنذار والتحذير من التأثيرات الكارثية التي ستترتب على هذه الأزمة .
وكانت وزارة الزراعة العراقية قد حذرت في بيان لها في الثامن من مايس الماضي أن ٩٠٪ من الأراضي الزراعية في العراق قد تصحرت أو أنها تواجه خطر التصحر في المستقبل القريب ، نتيجة لتغير المناخ وشحة المياه ، والنزاع مع تركيا وإيران حول حصص العراق المائية .
وفي عام ٢٠٢٠ ، حذرت الوزارة من ان معدل التصحر في العراق قد ارتفع الى ٥٣٪ . وهذا يشكل خطرا كبيرا ليس فقط على البيئة ، وإنما على الأمن الغذائي ، والذي يشهد تهديدا بسبب الهبوط الكبير في انتاج المحاصيل الحقلية مثل الحنطة والشعير والرز .
وقالت الوزارة ايضا أن العراق يحتل المركز الخامس في العالم من ناحية التأثيرات القاسية لتغير المناخ .
صحيح أن تغير المناخ هو ظاهرة عالمية ، ولها اسبابها المعروفة ، لكنها أصبحت من القضايا المهمة ذات البعد الاستراتيجي ، والتي تحظى باهتمام خاص من قبل الحكومات ، والمنظمات العالمية ، ومنظمات حماية البيئة ، ومراكز الدراسات والبحوث ، ووسائل الاعلام المختلفة ، وذلك لأنها تنذر بعواقب وخيمة ونتائج كارثية على الطبيعة ، والإنسان ، وعلى مستقبل البشرية عموما .
في العراق ، وهو البلد الذي يعاني من مشاكل متعددة ، اصبحت ظاهرة التغير المناخي واقعا ملموسا عند المواطنين ، من خلال ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق ، وندرة هطول الأمطار ، وزيادة وتيرة العواصف الترابية ، ولم تعد قضية بسيطة ، بل هي قضية مصيرية تحتاج الى معالجة سريعة من جانب الدولة ، والبرلمان ، وعلى الجهات المعنية أن تبادر الى وضع خطط مرحلية واخرى بعيدة المدى لمواجهة هذه الظاهرة المخيفة والمقلقة ، ولم تعد البيانات وحدها كافية ، والتصريحات التي تصدر من هنا وهناك ، بل لابد من مشروع وطني متكامل تساهم فيه الوزرات والمؤسسات والمنظمات ذات العلاقة ، يرافقه حملة توعية للرأي العام ، ومبادرات حكومية وشعبية لترشيد استخدام المياه ، والمحافظة على المساحات الخضراء ، والتشجيع على زراعة المزيد من الشتلات الزراعية والأشجار المعمرة ، وتقييد عملية البناء العشوائي التي تتجاوز على الارض الزراعية ، ومنظمات البيئة بامكانها أن تساهم وتبادر في القيام بحملات تشجير المساحات المتروكة في المدن ، وتشجير جوانب الطرق الخارجية التي تربط بين محافظات ومدن العراق .
وهذا يحتاج ايضا الى خطة عمل دبلوماسية تقوم بها وزارة الخارجية مع دول الجوار التي تقوم ببناء السدود على منابع نهري دجلة والفرات ، وتثبيت حصة العراق من المياه وفق المعاهدات الدولية ، ولدى العراق أوراق قوية يمكن أن يلعبها اذا توفرت لدينا حكومة وطنية قوية ومنها الجانب الاقتصادي حيث أن معظم تلك الدول لها تبادلات تجارية ضخمة مع العراق ، وميزان التبادل التجاري يميل لصالحها ، وهذا حق طبيعي للعراق حيث أن موضوع أمن واستقرار مواطنيه هو ضرورة قصوى كما هي أولوية عند تلك الدول وكل المجتمعات في العالم .