د. جواد الهنداوي ||
سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل .
مابين الدول العظمى اليوم ( واقصد امريكا و روسيا والصين ) تبادل تصريحات غير ودّية ، و حرب ساخنة ( وليس باردة ) بالوكالة ، وتناقض في اولويات الدول العظمى على الصعيد السياسي و الاقتصادي الاستراتيجي . الاولويات وحسب التسلسل الزمني و الاهميّة و المتداولة في المشهد السياسي الدولي هي ؛ الملف النووي الايراني و حرب اوكرانيا و اسعار النفط و التطبيع مع اسرائيل او مصلحة اسرائيل .
مصلحة اسرائيل و التسريع في وتيرة التطبيع مع المملكةالعربيةالسعّودية ،كذلك الحد من الارتفاع في اسعار النفط و زيادة انتاجه هي اولويات أمريكا و هي ايضاً المرتكز الاساسي لسياستها الخارجية . تحقيق الاهداف المرّجوة من حرب اوكرانيا ، وصمود روسيا اقتصادياً و نقدياً هي اولويات روسيا . اضعاف امريكا اقتصادياً و سياسياً ، و استغلال الوضع الدولي الراهن للتوسع نقدياً و اقتصادياً ، و التأكيد على المرجعية الصينيّة لتايون هي أولويات الصين.
دول المنطقة الاقليمية ( ايران ،تركيا ) ، والعربية ، وخاصة النفطية ( المملكة العربية السعودية ، والعراق ) و الاخرى التي تواجه الاحتلال و الارهاب ، وفوضى الديمقراطية و حريات " التعبير " ( العراق ، سوريا ،لبنان ، اليمن ) ، تراقب وتتابع و تجتهد لاتخاذ مواقف و اغتنام فرصة اختلاف الاولويات و المصالح بين الدول العظمى ،من اجل تحقيق مكاسب واهداف ،صَعُبَ نيّلها ،قبل مرحلة الاختلاف في الاولويات التي نعيشها اليوم .
على سبيل المثال ، استطاعت المملكة العربية السعودية اليوم ،مالم تستطعْ تحقيقه بالامس ، الا وهو تنازل الرئيس بايدن عن عنادهِ في التواصل مع الامير محمد بن سلمان ، و استعداده ( اي الرئيس بايدن ) على زيارة المملكة و لقاء الامير في الرياض في نهاية الشهر الجاري . استطاعت المملكة من ادارة ملف علاقاتها مع امريكا ، في زمن الرئيس بايدن ، بنجاح ،مغتنمة ما جرى و يجري من احداث و أختلاف في اولويات الدول العظمى ، وخاصة بين روسيا و امريكا . تواصلت المملكة دبلوماسياً مع ايران ، ومن خلال وسطاء ، ومن خلال تصريحات ايجابية تجاه ايران فأزعجت في ذلك اسرائيل و أقلقتها ، و راحت اسرائيل تلوم بايدن و تنتقده لمواقفه المتزمتّه تجاه المملكة . أستقبلت المملكة ،قبل ثلاثة ايام ،وزير خارجية روسيا ، واستضافته في اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي أنعقد في الرياض ، وستستقبل في نهاية الشهر الجاري الرئيس بايدن . أقدمتْ المملكة ، ومن خلفها اوبك ، بالموافقة على زيادة في كمية انتاج النفط باكثر من ٦٥٠ الف برميل يوميّاً ، و بموافقة اعضاء الاوبك و روسيا ، اي أرضتْ المملكة امريكا و الغرب بقرار جماعي ( اوبك ) ، وليس سعودي و بحجّة مقبولة جدا ( الحفاظ على توازن سوق و اسعار النفط ) ، و دون ان تُغضِب روسيا ! .
تركيا ،هي الاخرى ، تستفيد من الظرف الدولي الراهن ، و توظَفه لتعزيز و توسيع مساحة احتلالها في شمال شرق سوريا و شمال العراق ، وتستعد لشن حملة عسكرية لمواجهة القوات الكردية ( قسد ) في شمال سوريا ، وتضغط على السويد وتنتقدها بسبب الدعم السياسي الذي تقدّمه السويد الى الجماعات السياسية لحزب العمال الكردستاني ،والذي تصنفّه وتعتبره انقرة منظمة ارهابيّة ، و تسعى لمقايضة موافقتها على انضمام السويد الى حلف الناتو بشرط ايقاف السويد مساعدتها السياسية لحزب العمال الكردستاني .
لم يعُدْ الملف النووي الايراني ، وعلى الاقل لمدة وجيزة ، صاحب الاولوية لا لامريكا و لا لاسرائيل ، لاهتمام امريكا بالحرب الدائرة في اوكرانيا و تداعياتها السياسيّة و الاقتصادية ، ولاهتمام اسرائيل بأستثمار سياسة التطبيع على الصعيد الاقتصادي و السياسي ، و ممارسة الاغتيالات ( ارهاب دولي ) ، و تجنيد و رعاية عملاء في المنطقة ، بعد انحسار دور المسّيرات الاسرائلية في الاستطلاع و الحصول على المعلومات بفعل قوة الردع التي تمتلكها المقاومة في لبنان وسوريا و العراق . وتسعى اسرائيل اساساً لعرقلة التواصل غير المباشر بين امريكا و ايران ، و اجهاض ايّة محاولة لعودة امريكا الى الاتفاق النووي .
ماذا عن العراق ؟
يستمر العراق في مواجهة تحديات السياسة الداخلية ، ولهذه التحديات اسبقيّة و اولويّة مقارنة بأستحقاقات السياسة الخارجية ،و لهذا الامر اسبابه و تداعياته : ملف الخدمات كالكهرباء و الصحة والتعليم هو على قدر اهمية ، او أهّم ، بالمدى المنظور ، من ملف مشكلة المياه مع تركيا و مع ايران ، و في كليهما ارادة دولية ،على مايبدو ، اكثر تأثيراً من الارادة الداخلية ، و بمقدورنا توظيف الظرف السياسي الدولي الراهن ، من اجل احراز تقدّم في هذا او في ذلك الملف .
وملف تشكيل الحكومة و اقرار الموازنة اهّم ،في نظر الاحزاب و السلطات ، من ملف متابعة ومطالبة الجهات والدول التي تورّطت في قتل العراقيين من خلال تسليحها و دعمها للجماعات الارهابية و المسلحة بتعويضات ودّية ؛ جهات ودول اعترفت بقبيح عملها سواء في سوريا او في العراق ، وفي كلا الملفيّن ارادة اقليمية و دولية وبمقدور الدولة توظيف الظرف الدولي الراهن ، والاقدام على حلحلة هذا او ذلك الملف ، وتحقيق ما يصبو اليه الشعب .
ملف فرض السيادة الوطنية على ثروات العراق ، وخاصة قطاع النفط ، وتطبيق الدستور وقرارات المحكمة الاتحادية ، وجعل عائدات العراق النفطية لكل العراقيين و بتوزيع عادل ومنصف ومطابق لاحكام الدستور . والعراق قادر اليوم ،اكثر من ايّ وقت مضى ، على توظيف الظرف الدولي الراهن ،من اجل النجاح في ملف فرض السيادة الوطنية على ثروات العراق و ايراداته ، و ان لا يكون عرضة لابتزاز بعض الدول الكبرى والتي تتحرك لخـدمة مصالح اسرائيل بالدرجة الاولى .
يتعرّض العراق ،اليوم ،اكثر من الامس ، الى هجمات عدائية و بوسائل ناعمة ، من اجل الهائه و أشغاله عن اغتنام الظرف الدولي الراهن ، والمُتميّز بالخلاف بين مصالح الدول الكبرى ، و منعه من تحقيق انجازات سياسيّة سواء على الصعيد الداخلي او على الصعيد الخارجي ، ومن بين ادوات القوة الناعمة هو " الديمقراطية " والتي تُمارس " بالشكل المقلوب " ،ايّ ضّدَ مصالح الشعب وعلى حساب مكانة وهيبة الدولة ، وكذلك " حرّية التعبير " ، والتي تُمارس احياناً و بقصد على شكل " ارادة تغيير " نحو الاسوأ ،حين تدعو للاشادة بعمل الباطل و الامر بالمنكر ونكران المعروف .
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha