د.جواد الهنداوي *||
*سفير سابق /ر.المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل
صاحبَ زيارة الرئيس بايدن الى المنطقة ( اسرائيل و المملكة العربية السعودية ) ، والتي ابتدأت بتاريخ ٢٠٢٢/٧/١٢ ، ثلاثة أحداث ، تستحق التحليل و الاستنتاج .
الحدث الاول هو خطاب السيد حسن نصرالله ، بتاريخ ٢٠٢٢/٧/١٤ , والثاني هو زيارة الرئيس بوتين لايران في الاسبوع القادم ، والحدث الثالث ، هو مشاركة العراق في لقاء جّدة ،في المملكة العربية السعودية ، تلبية للدعوة التي وُجّهت الى السيد الكاظمي ،من قبل الامير محمد بن سلمان ،ولي عهد المملكة .
اختار السيد حسن نصر الله توقيت و مضمون خطابه بعناية ، وجعل توقيت الخطاب متزامناً مع زيارة الرئيس بايدن الى اسرائيل ، وجعلَ ايضاً مضمون الخطاب رّداً على مساعي امريكا و اسرائيل بخصوص التطبيع و الهيمنة ، و استخراج واستثمار الغاز في اسرائيل وفي المنطقة .
مثّلَ خطاب السيد رّدْ محور المقاومة في المنطقة ، وليس فقط المقاومة في لبنان ،ارادَ السيد اسماع الرئيس بايدن ، وهو يزور المنطقة ، صوت المقاومة في المنطقة ، وصوت المقاومة في لبنان ازاء حقوق لبنان الدولة في ثرواته الطبيعية ،النفطية و الغازيّة .
تعّمدَ السيد ، كما اعتقد ، ان يكون حاسماً و واضحاً جداً ، في موقف المقاومة اللبنانية الرافض لاي ابتزاز او تجاوز على الحقوق الشرعية لدولة لبنان في ترسيم الحدود و في الحفر والتنقيب عن الغاز ، و قالها صراحة بثبات وعزم المقاومة في موقفها وبغض النظر عن ايّ موقف آخر تتبناه الدولة اللبنانية او ايّة حهة لبنانية اخرى .
المواضيع التي تناولها السيد في خطابه كانت جواباً على المواضيع التي جاء بها الرئيس بايدن الى حلفاءه و اصدقاءه في المنطقة : جاء الرئيس بايدن من اجل النفط و الطاقة ،ذكّره السيد بموقف المقاومة ازاء حقوق لبنان في الغاز و الطاقة ، واستعداد المقاومة حتى للذهاب الى خيار الحرب ، جاء الرئيس بايدن من اجل تعميق التطبيع مع اسرائيل و توسيع مساحته ليشمل دول اخرى ، وخاصة المملكة العربية السعودية ، ذكّره السيد حسن نصرالله بصوت مقاومة اسرائيل في المنطقة .
لم يوّجه السيد خطابه الى اسرائيل او الى الدول العربية المطبّعة ، بل كان الخطاب موجهاً الى امريكا وبشخص رئيسيها السيد بايدن ، بأعتبارهما قيادة المحور ،الراعي لمصالح اسرائيل في المنطقة .
الحدث الثاني هي الزيارة المقرّرة للرئيس بوتين الى ايران ، والتي تزامنت ،ليس بمحض القدر ، مع زيارة الرئيس الامريكي للمنطقة . مثلما حّطَ الرئيس بايدن في اسرائيل ( عاصمة المحور الغربي الصهيوني في المنطقة ) ،سيحّط الرئيس بوتين في ايران ( عاصمة محور المقاومة في المنطقة ) ، ولا نعلم ، ربما سيزور الرئيس بوتين دمشق بعد ايران ،مثلما زار بايدن السعودية بعد اسرائيل .
زيارة الرئيس بوتين هي ايضاً رسالة الى الادارة الامريكية و الى اسرائيل ، و الى دول المنطقة للتذكير بالدور وبالنفوذ الروسي في المنطق.
الزيارة المرتقبة للرئيس بوتين الى ايران حدثٌ لا يسّرُ اسرائيل كثيراً وسيزداد غضب اسرائيل اذا اكمل الرئيس بوتين جولتهِ في المنطقة بزيارة الى دمشق .
اعتقد بانّ الاثر السياسي لزيارة بوتين الى ايران اهم بكثير ،بنظر اسرائيل وبنظر امريكا ، من موضوع بيع ايران طائرات مسيّرة الى روسيا . موضوع بيع الطائرات الى روسيا لا يتطلب زيارة الرئيس الروسي الى ايران و مقابلته ،خلال الزيارة المرتقبة ،السيد الخامئني . البعد السياسي للزيارة هو تعزيز الاهداف الاستراتيجية للتحالف الروسي الايراني في المنطقة .
خطاب السيد حسن نصر الله و زيارة الرئيس بوتين الى ايران ،حدثان يتركان انطباع للمتتبع بوجود تنسيق بين اقطاب محور المقاومة في الرّدْ على الاهداف المرجّوة من زيارة بايدن للمنطقة .
الحدث الثالث هو مشاركة العراق ،ليس بشخص السيد رئيس الجمهورية ، كما يقتضي مستوى التمثيل الرئاسي للمشاركين في اجتماع الجَدّة ،و انما بشخص السيد رئيس الوزراء .
قد يكون اول مشاركة رسمية وعلنية للعراق في لقاء عربي و امريكي يتناول ،بصورة مباشرة وغير مباشرة مصالح اسرائيل ، وهذا الامر يعني كثيراً لاسرائيل ، حتى بغياب نوايا للعراق نحو اعتراف باسرائيل او اقامة علاقات مباشرة او غير مباشرة مع اسرائيل . الحضور يخفّف على اسرائيل وطأة القانون الذي سنّه مجلس النواب العراقي ، بتاريخ / ٢٦ /٢٠٢٢/٥ /والقاضي بتجريم التطبيع مع اسرائيل ، و ربما ستطبّل له آلة الاعلام الاسرائلية الحكومية ،وستعتبره ،بعد التضخيم و التآويل كانجاز سياسي .
تكاد تكون مشاركة العراق أمرٌ لا بدّ منه ، بحكم علاقات العراق الايجابية مع كل الدول التي ستحضّر قمة جّدة في المملكة العربية السعودية ، اي من الصعب سياسياً و دبلوماسياً ان يرفض العراق حضور اللقاء الامريكي الخليجي العربي ، وبغض النظر عن شخص رئيس الوزراء ، لاسيما و العراق اليوم يتولى الوساطة بين المملكة العربية السعودية و ايران ، وبين المملكة الاردنية الهاشمية و ايران .
ومشاركة العراق في قمّة جدّة لن تُلزم العراق بأيّة آليات اتصال و تواصل ومصالح مباشرة او غير مباشرة مع اسرائيل ، وتدرك امريكا جيداً حيرّتها بأمر العراق فهو قانونياً و شعبياً في حالة عداء مع اسرائيل ، و له علاقات واسعة وجيدة مع أيران ،التي تسوّقها امريكا عدواً في المنطقة ،بدلاً من اسرائيل . اي مشاركة السيد الكاظمي لن تغيّر من موقف و واقع العراق تجاه اسرائيل . و التصريح الاعلامي الذي صدر من مكتب السيد رئيس الوزراء حول مشاركة السيد رئيس الوزراء في قمّة جّدة واضح ، ودالٌ في عباراته على اسباب المشاركة وعلى التزام العراق بسياسة التوازن في علاقاته مع كافة دول الجوار ، وفي الأسباب الاقتصادية للمشاركة ، وكأنَّ البيان يرّدُ على ظنون وانتقادات المواقف المعارضة لهذه المشاركة .