فهد الجبوري ||
مقالة مهمة لصحيفة الغاردين البريطانية عن الجفاف وندرة المياه وتأثيرات ذلك على الحياة والزراعة والاستقرار في العراق
تصدرت المقالة هذه العناوين البارزة :
الارض الخضراء تتحول الى صحراء قاحلة
ندرة المياه تضرب الهلال الخصيب في العراق
نظام الري القديم المعتمد منذ ٨ آلاف سنة غير فعال وقد فاقم من الآثار السيئة للجفاف ، مع هلاك المحاصيل ونفوق الماشية
سلطت صحيفة الغاردين البريطانية الضوء على الآثار الخطيرة الناجمة عن قلة المياه والجفاف في بلاد الرافدين عبر مقالة ميدانية استقصائية للكاتبة سيمونا فولتاين نشرتها الأربعاء ٧ أيلول .
ولأهمية المقالة ، قمنا بترجمتها لعلها تدق جرس الإنذار لدى المسؤولين والسياسيين العراقيين المنشغلين منذ اكثر من عشرة اشهر في أزمة تشكيل الحكومة ، وذلك بهدف إيلاء الاهتمام المطلوب لهذه القضية المهمة والخطيرة ووضع الخطط والبرامج التي تقلل من آثار الجفاف وندرة المياه والاحتباس الحراري على الزراعة والبيئة والصحة والأمن والاستقرار في البلاد .
" في قلب منطقة تعرف بالهلال الخصيب ، قام عبدالهادي مزهر بحفر بئر في حقل عائلته ، وقد حفر هذا المزارع العراقي ١٦ مترا في عمق الارض الصلبة ، ولكن بالرغم من ذلك لم تظهر من ذلك البئر ولا قطرة واحدة . فصل الصيف في العراق يكون جافا ، لكن عائلة مزهر يعيشون في هذه المنطقة لأربعة أجيال ، وتقوم بزراعة القمح والخضروات ، وتربي الأبقار ، والسنة الحالية بالنسبة لهم استثنائية "
يقول مزهر ( ٣٥ عاما ) " الارض الخضراء قد تحولت الى صحراء قاحلة : وأنا لا اتذكر انني رأيت مثل هذا في حياتي "
مستويات المياه في نهري دجلة والفرات العظيمين ، التي انبثقت على ضفافهما القديمة حضارات بلاد ما بين النهرين منذ ٨ آلاف سنة ، قد تضاءلت الى النصف . ويلقي المسؤولون الحكوميون باللائمة على دول المنبع ، تركيا وإيران اللتان تقيمان مشاريع وسدود ، وهي مشكلة قائمة منذ فترة طويلة ، الى جانب سوء ادارة المياه ، والنقص المستمر في كميات هطول الأمطار .
العراق هو خامس دولة في العالم الأكثر عرضة لازمة المناخ ، وهو ايضا بلد غني بالنفط حيث يحصل على واردات شهرية تصل الى ١٠ مليارات دولار وسط الارتفاع في أسعار الطاقة ، ولكن الفساد وباء في هذا البلد ، والحكومات التي تعاقبت على الحكم قد فشلت في الاستعداد لما كان يحذر منه الخبراء .
يقول نادر الانصاري وهو مهندس ري عراقي وبروفسور في جامعة لوليا السويدية " الأشخاص على سدة الحكم والإدارة لاينظرون الى مستقبل البلاد ، والأفراد الذين وضعوا في وزارة الموارد المائية ليس عندهم الخبرة " ويتوقع الانصاري أن هطول الأمطار في العراق سوف يتناقص بنسبة ١٥ الى ٢٠٪ في هذا القرن مما يقلل من كميات المياه في نهري دجلة والفرات بحوالي ٣٠٪ ، مع تداعيات خطيرة على مستوى كمية المياه الجوفية . والنتائج كانت بالفعل مدمرة للمزارعين الذين يعتمدون على مياه الأنهار ، وقد فشلت محاصيل مزهر بالكامل هذه السنة ، لتصبح عائلته المكونة من ١٣ فردا بلا دخل ، وقد بدأ هذا المزارع ببيع أبقاره الهزيلة مقابل جزء بسيط من ثمنها المعتاد مما أدى الى تآكل قاعدة أصول المزرعة . ويقول مزهر أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الحكومة العراقية التي يجب ان توفر البنى التحتية ، مضيفا الى ذلك القول " لا يوجد تخطيط، ولا يوجد دعم للمزارعين ".
وقد أمتنعت السلطات العراقية من التعليق على الأسئلة التي طرحناها في هذا الخصوص .
وقد واجه القطاع الزراعي في العراق عقودا من الإهمال والتآكل نتيجة للصراعات ، ونقص الاستثمار ، والاحتباس الحراري العالمي ، مع تقلص هوامش المزارعين بسبب ارتفاع تكلفة الزراعة والإنتاج ، وبسبب الاستيراد الرخيص للمواد الغذائية من الخارج .
وعوضا عن القيام بتحديث القطاع الزراعي ، أعلنت الحكومة العراقية انها سوف تقلص من مساحة الأراضي المزروعة هذا العام الى النصف وذلك بسبب الجفاف ، وهذا يشكل ضربة قاسية لقطاع يعمل فيه ١٨٪ من سكان البلاد .
وتقع مزرعة مزهر على بعد بضعة كيلومترات الى الغرب من مدينة بابل القديمة التي ازدهرت إمبراطوريتها في الألفية الثانية قبل الميلاد بفضل مشاريع توسعة شبكات الري التي قام بها الملك حمورابي ، وما زال العراق يعتمد على نفس طريقة الري السطحي .
ويقول الخبير الانصاري " ومع هذا التكتيك الحالي الذي كان يستخدم منذ ٨ آلاف سنة ، فإن الهدر في كميات المياه عالي جدا "
مياه الري في العراق تجري من خلال قنوات مفتوحة في الهواء الطلق ، مما يسبب في معدلات عالية من التبخر في فصل الصيف ، حينما تتجاوز درجات الحرارة ٥٠ مئوية ، وكميات كبيرة من المياه تتبدد حتى تصل الى الحقول ، حيث يستخدم المزارعون تقنيات السقي التي تهدر المياه ، بدلا من الري بالتنقيط أو بالرش الأكثر دقة .
وقد لجأت السلطات الى ترشيد استخدام المياه ، وقناة الري التي يستفيد منها مزهر ، وهي فرع من احد روافد الفرات ، يتم اطلاق المياه عبرها مرة واحدة كل ثلاثة اسابيع ، وبحلول الوقت الذي تصل فيه المياه الى المزرعة ، تكون كميات قليلة ، وبالكاد تكفي لتلبية الاحتياجات المنزلية ، ناهيك عن ري الحقول .
وجراء ذلك ، فقد ذبلت المحاصيل ، ومنها العشب الذي يستخدم غذاءا للحيوانات ، وقد بان الهزال على الأبقار حتى أن البعض منها لايتمكن من الوقوف ، وأن عجلها البكر يستجدي الحليب الذي لاتستطيع إنتاجه . ويقول مزهر " هذه هي الضحية الأولى ، ولكني أتوقع المزيد من الضحايا عند نهاية موسم الصيف "
وبسبب عدم قدرته على توفير العلف ، قام مزهر ببيع احد عشر من قطيع الماشية البالغ عددها ١٧ بمبلغ زهيد لا يتجاوز عشرين دولارا لكل واحدة ، فيما أن ثمنها المعتاد يتراوح بين ٨٠٠ الى ١٠٠٠ دولار .
ويقول مزهر " أن نقص المياه قد صعد من حدة التوترات القديمة على طول قنوات الري بين الحقول ، مع اتهامات بتحويل كميات من المياه اكثر من الحصة المقررة ، ولا يوجد إشراف ومراقبة من قبل الحكومة لفرض عقوبات على أولئك الذين يفرطون في استخدام المياه ، حيث تقع مزرعتهم أسفل النهر .
وقد اصبح عشرات الآلاف من الناس مهجرين في مناطق جنوب العراق بسبب شحة المياه ، وذهب الكثير منهم الى المدن المزدحمة ، التي أثار نقص الخدمات والوظائف فيها موجة من الأضطرابات .
ومع ذلك ، وحتى الآن ما زال مزهر يرفض التخلي عن مزرعته ، لانها كما يقول " هي أرض الأجداد " .