د .جواد الهنداوي ||
سفير سابق / رئيس المركز العربي
الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات
بروكسل . في ٢٠٢٢/٩/١٣ .
ليست سوى بضعة ايام تفصلنا عن الحدثّين ، و ساحتهما العراق ،حيث تتوافد الملايين الى كربلاء ، ومن كل بقاع العالم ، لأحياء اربعينيّة ابا الشهداء الامام الحسين بن علي ،سبط الرسول صلى الله عليه وسلّمْ . وفي ذات الوقت تحتدمُ الخلافات وتتفاقم قساوة التصريحات المتبادلة بين التيار الصدري و الاطار التنسيقي ، ويتهيأ الطرفان ( التيار و الاطار ) لمنازلة جديدة لاحياء ، ليس اربعينيّة الامام الحسين ع ، وانما اربعينيّة الوطن العراق . كلا الطرفيّن ينتظران مرور اربعينّة الامام لبدء المنازلة وحسم الموقف ؛ الاطار يعّول على امل العودة الى الحوار والدستور وما صدرّ من القضاء من قرارات ، ويعلن من الآن تمسّكه في مرشّحه لرئاسة الوزراء ،السيد محمد شياع السوداني ، و التيار الصدري يعّول على الشارع وجمهورهِ ، ويعلن تمسّكه بمطالبته بحل البرلمان ، ويهيأ لتظاهرات اخرى بعد اربعينيّة الامام .
أزاء أزمة المكّون الشيعي ( الاطار و التيار ) ، والتي هي أزمة للشعب و للدولة ، ماهو دور المكوّنات الاخرى ( المكون السني و المكون الكردي ) ، شركاء الوطن ؟
لم تخفْ الاوساط والمكونات السياسيّة تخوفها من تدحرج الوضع السياسي نحو مشهد عنف و اقتتال ، و اعربا المكونان عن رفضهما لحل البرلمان ، و تمسكهما بما يفرضه الدستور لحل الازمة ، و أملهما في آليات الحوار و التفاهم لحل الازمة . جاء موقفهما هذا رّداً على تغريدة السيد مقتدى الصدر ، والذي دعاهما الى مساندت مطالبته بحل البرلمان .
نعتقد بضرورة تكثيف جهود الاخوة السنّة و الكرد تجاه طرفي الازمة ، و ان يكون دورهما ميدانيا يتمثّل بتكرار اللقاءات مع طرفي الازمة ، للوصول الى مقترح وسط يرضي الطرفيّن ، و ان تكون بوصلة الحل هي مصلحة الشعب و مصلحة الدولة .
انّ حّل الازمة داخلياً ، ودون الاعتماد على الامم المتحدة او على دولة اخرى ، له دلالات سياسيّة و اعتبارية مهمة للعراق و للنظام السياسي و لسمعة الطبقة السياسيّة ؛ سيدّلُ اولاً على نضجْ سياسي وقدرة في احتواء و ادارة الازمة ، ويدّلُ ثانياً على دور ايجابي لشركاء الوطن ، وسيعزّز وطنيّة الشراكة ، ويبدّد " نفعيّتها " .
نجاح دور المكوّن السني و الكردي في حّلْ الازمة سيرفد المسيرة السياسيّة بتجربة مهمّة على طريق تعزيز الثقة بين شركاء الوطن.
على قيادات المكوّن السني و المكوّن الكردي ان يجعلوا من ازمة شريكهم فرصة لهم في تحقيق نجاح ، ويبرهنا للشعب و للعالم على انّ ابناء العراق قادرين على ادارة ازماتهم وحّل مشاكلهم .
الايام المعدودة ،والتي تفصلنا عن تاريخ نهاية الزيارة الاربعينيّة ، هو الوقت المتبقي لاصحاب الشأن في بدء جهود الوساطة تجاه السيد مقتدى الصدر وتجاه قادة الاطار ، باستطاعتهما ( واقصد المكوّن السني والمكون الكردي ) ان يحولا دون الوصول الى حالة التظاهرات والاشتباكات ،اي الى حالة الاستعانة بالشارع !
لا أحد سينتفع من حالة تحريض الشارع و الاعتماد عليه ، ولن يأتِ الحّل من الشارع ، و لا من ايران او من امريكا او من دولة اخرى .
لا نظّنُ بعدم معرفة السيد مقتدى الصدر بتداعيات استمرار الازمة على الشعب وعلى الدولة ، وهو الذي يُغّرد ، من اجل مصلحة الشعب و الدولة .
أنَّ الاصلاح والقضاء على الفساد وتحقيق التنمية و الاستقلال و السيادة هي اهداف استراتيجية ، ولا يمكن تحقيقها بليلة وضحاها ،انها اهداف تتطلب ارادة ، و محاولات و وقت ، وتفاهمات و تعزيز ثقة بين الشركاء السياسيين وبينهم وبين الشعب .
التهديد والعنف وتعطيل الدولة و الموازنة ليست ادوات تصنع الحّل ، وانما تروّج للكراهية وتقود الى الخراب والتدهور .
لا أظّنُ بعدم ادراك النخبة السياسية و القادة السياسيين للوضع السياسي و الاقتصادي الصعب ،الذي يعيشه و يواجهه العالم ، والذي له انعكاسات على الوضع الامني و السياسي و المعاشي في العراق ، المرحلة ليست زمن العناد و التحدي و العنف ضد الدولة ، وانما زمن العقل والتروي والعمل لحماية الدولة ،من اجل اصلاحها . كيف نصلح دولة ونحن نساهم في تعطيل عمل مؤوسساتها وفي ترويع شعبها ، وجعله اسيراً بين هذا و ذاك .
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha