التقارير

فاطمة الزهراء (ع) في المخيال الشعبي العراقيـ دعوة لحفظ الموروث

1834 2022-12-14

د.أمل الأسدي ||

 

في العراق الذي يعشق رسول الله وأهل بيته(صلوات الله عليهم) ويضم عددا من المراقد  المقدسة لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) فضلا عن الكثير من مراقد الأولياء والصالحين والعلماء، نجد للسيدة الزهراء (ع)حضورا كبيرا في المخيال الشعبي  العراقي، فهي حاضرة في الواقع اليومي الذي يعيشه الفرد بأحداثه وأفراحه وأحزانه، فذكرها دائم لايعرف السبات!! ومن تمظهرات هذا الحضور:

ـ ما يُطلَق عليه(عيش الزهراء) وهو خبز مخبوز بتنور الطين،يوضع عليه(الدهن الحر والسكر)ويوزع علی الجيران،كنوع من الشكر لله والاحتفاء بالسيدة فاطمة الزهراء وإظهار لمكانتها وفضلها في انجلاء كربٍ معين،وكان ذلك في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

ـ ما يُعرَف بتنور الزهراء،وهو تنور(الطين) الذي يُبنی في باحة المنزل أو فوق السطح،وحينما تمر الأسرة بضيق أو كرب،تقوم ربة المنزل بإشعال الشموع فيه،وتمد رأسها في فوهته وتنادي الزهراء!

وتقسم علی الله بحق فاطمة الزهراء أن يدفع عنهم الهم ويفك ضيقهم،وغالبا ما تتجنب الأسرة هدم التنور،ففي نظرهم أن هدم( تنور الزهرة) مجلبةً للشر،وعليه يجب بناء غيره مباشرة إذا ماتم تهديمه،وأما عن علاقة التنور بالسيدة الزهراء وربة المنزل العراقية،فهي تعود لما عُرفت به الزهراء من تعاملٍ أسريٍّ إسلامي راق،فكانت شديدة الارتباط بأسرتها ومنزلها،وكانت تطحن وتخبز بنفسها،لذا صار التنور رابطا لعطاء الأم ورمزا له ولتفاعلها من جهة،وصار رمزا يجلب البركة لارتباطه بالسيدة النبوية المباركة من جهة أخری.

ـ وفي العراق  أيضا نجد حضور السيدة الزهراء في المخيال الشعبي بما يسمی بـ(تنور الزهراء) وهو يختلف عن سابقه،فهو مجسمُ تنورٍ صغير مصنوع من الفخار، يغطی بقماش أخضر في بعض الأحيان،أو يُنقَش عليه اسم الزهراء ويُلوَّن،وهو حضور نابع من مكانة السيدة فاطمة الزهراء وإنعكاسها في الواقع الاجتماعي أي كراماتها التي تلمسها الناس،لذا صار كلُّ طالبِ حاجةٍ يصنع هذا التنور تيمنا بحلول البركة والتيسيير وتحقيق الأمنيات،أو ينذر أن يصنعه إذا ما قضی الله حاجته،كإعلان واحتفاءٍ بالفرج،فيعمد كلُّ من يراه إلی طلب حاجته أيضا،وقد يضع فيه ما تيسر له من مبلغ مالي رمزي،فيُجمَع المال ويُدفع الی الفقراء،أو يُطبَخ بقيمته الطعام ويُقدَّم الی الفقراء أيضا،وهذا كله مرتبط بالسيدة فاطمة وتعاملها مع أسرتها،إذ كانت تطحن وتعجن وتخبز بنفسها كما ذكرنا،ومرتبط بصورة سيدة نساء العالمين ومكانتها في العالم الإسلامي والإنساني.

ـ ومازلنا في العراق والبحث عن تمظهرات السيدة فاطمة في المخيال الشعبي،وهذه المرة مع طبق(شيلان الزهرة) وهي أكلة تتكون من(الماش والبرغل والرز)يتم طبخها لتكون حساءً كثيفا  نوعا ما،ثم يُرَّش بالسمن الحيواني الذائب(دهن الحر)،وبعدها يُزيّن الطبق بقليل من العسل الأسود(دبس التمر)ويؤكل،ويُعتقد أن اسم فاطمة سيجلب البركة  والوفرة في هذا الطعام ويعود بالخير علی آكله.

ـ وفي عراق المحبة المحمدية العلوية مازلنا،وهذه المرة الوقفة مع (عيش فاطمة)وهو حساء البقوليات المتنوعة،يوضع فوقه أحيانا(دبس التمر) وتجتمع الأسرة ليأكلوه ويطلبوا من الله أن يحفظ الأولاد ورب الأسرة،وبلهجة عراقية جميلة(ربي،بجاه الزهرة وأبُيها احفظ وليداتي"،وقد يُحضَّر هذا الحساء بكميات كبيرة ويتم توزيعه علی الجيران كنوع من الوفاء  بالنذر أو يُطبخ في ذكری استشهاد الإمام زين العابدين.

إن  التمظهرات الشعبية مهمة، فهي جزء  راسخ في ذاكرة الشعب  الجمعية، وتسهم في حفظ هوية الشعب، وتمده بالزخم العاطفي وتوثق علاقته بأهل البيت، وتعكس صورة انصهار الأرض وسكانها بمحبة محمد وآل محمد، فضلا عن أنها تلقائية غير موجهة، تنتقل عبر الأجيال من دون أدوات إعلامية أو ترويج، فهي  من ثمار المحبة الفطرية العصية علی التغيير  أو المواجهة أو التمييع، والتمظهرات الشعبية حال طبيعية حاضرة  لدی شعوب الأرض جميعا، فهي ليست عارضة أو طارئة أو مخصصة؛ لذا يعد حفظها  مهما؛ لأنها ترتبط بأنساق مضمرة، دينية عقدية، أو اجتماعية أو ثقافية أو تأريخية، ومن هنا أرجو أن تكون لنا مؤسسة تعنی بالموروث الشعبي العراقي المرتبط بالأنساق الدينية العقدية أو غيرها من الأنساق، ولاسيما ونحن نعيش حرب التغريب وحرب تفكيك الكتل البشرية المتراصة أو حرب تمييع الهويات، تلك الحروب التي ترعاها دول الاستكبار العالمي من أجل مصالحها الرأسمالية وأطماعها في الاستحواذ علی مقدرات الشعوب.

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك