أحمد رضا المؤمن ||
إشتهر العلامة الخطيب المجاهد السيد جابر أغائي الغريفي "قدس سره" بشخصيته الواعية والشجاعة التي سبقت عصره ومُحيطه بعشرات السنين ، فكان مما إشتهر به رحمه الله أنه كثيراً ما كان يتنبأ بما سيكون عليه أحوال الأمة بعد سنوات فيتحقق بسبب بصيرته النافذة ووعيه التأريخي والسياسي العميق .
وطبعاً فإن رجلاً بمثل مُميزاته وطبيعته الشخصية التي تتعامل مع جوهر الأمور وليس قشورها فإنه لم يكُن يُبالي أو يلتفت ببعض العادات والتقاليد والأعراف السائدة في مدينته النجف الأشرف أو غيرها ما دامت لا تتعارض مع ثوابت الدين الحنيف ومذهب أهل البيت "عليهم السلام" ومن ذلك ما قام به عام 1947م من شراء سيارة صالون إنجليزية الصنع نوع فوكسهول موديل 1936م وبذلك أصبح أول رجل دين مُعمم يتشري سيارة ويقودها بنفسه في شوارع النجف (القليلة والمحدودة آنذاك) في سابقة سُجّلت له تأريخياً كخطوة جريئة لم يسبقه فيها أي رجل دين مُعمم ، إذ أن المُعمّمون حينها حتى إذا ركبوا السيارة للسفر أو التنقل فإنهم ليس فيهم من يقودها لأن في ذلك مخالفة صارخة للأعراف السائدة آنذاك .
ولأن السيد جابر أغائي كان خطيباً مشهوراً جداً ولأنهُ المُعمّم الوحيد الذي يقود سيارة في النجف حينها (ورُبما في كل العراق) ولأن شوارع وأحياء النجف كانت محدودة فإن عمامة السيد جابر حينها أصبحت حديث الشارع النجفي بين مُنبهر بشجاعة وقوة شخصية هذا المُعمّم الغير مُبالٍ بالأعراف التي لا أساس لها وبين مُستهجن ومُستنكر حاول بشتى الطرق إستخدام هذا الموضوع للنيل منه ، حتى وَصَل الحال ببعض الحاسدين والمنافقين بحياكة الإشاعات والأقاويل الكاذبة الباطلة لتحقيق غايات مُعيّنة بواسطة هذه الحالة ومن ذلك ما رَواه هو نفسهُ رَحِمَهُ الله في أحد مُحاضراته من أن بعض هؤلاء مرضى العقول والقلوب والنفوس قد بث إشاعات حول إستخدام السيد جابر سيارته لنقل النساء المتبرجات ! ، وذلك بعد أن قام بإيصال بعض الفتيات الطالبات ضيوف بناته وزميلاتهن في الجامعات من بغداد ، وحيث أن النجف آنذاك في ستينيات وسبعينيات القرن الميلادي الماضي لم تكُن فيها سيارات الأجرة التكسي كما هي عليه في يومنا هذا من الكثرة والوفرة فإنهُ إضطر لإيصالهن بسيارته حفاظاً عليهن كونهن ضيوف عند أهل بيته وليس من المروءة ولا من الشهامة ولا حتى من آداب الضيافة أن يتركهن في حيرة من أمرهُن وهو خلاف الدين والأخلاق الإسلامية مهما كانت الأعراف .
وطبعاً فإن السيد جابر أغائي كان من الشّجاعة أنهُ ليس فقط لم يُبالي بكل هذه الضوضاء والإعتراضات على قيادته للسيارة بل أنهُ كان عندما يصطحب زوجته العلوية كريمة العابد الزاهد السيد صاحب السيد جاسم المؤمن فإنهُ كان يُجلسها في المقعد الأمامي بجانبه واثقاً من نفسه بأنهُ لم يفعل إلا الصحيح .
وأكثر من ذلك ما ينقله أهالي النجف كيف أن السيد جابر أغائي كان يَتَعَمّد إيقاف سيارته أمام أو قرب مسجد الخضراء الملاصق لمرقد الإمام أمير المؤمنين "ع" وهذا المسجد كان يضُج بطلبة وعُلماء الحوزة العلمية الشريفة ويتواجد فيه المرجع السيد الخوئي "قدس سره" وقت الصلاة فكانت رؤيتهم لهُ وهو يقود سيارته بنفسه أمر يجعلهُم يخوضون في لغط يسعى البعض إستغلاله للنيل من السيد جابر ولكن السيد كان يقول لبعضهم : أوقفت لكُم السيارة هنا لتنقلوا للسيد الخوئي أننا رأينا السيد جابر أغائي يقود السيارة كما نرى (الميل في المكحلة) ، وهو بذلك يتحداهم بجرأة وذكاء أن يستحصلوا موقف شرعي منه يُحرم أو يمنع ما يقوم به من قيادة السيارة بنفسه لأنهُ من الأمور المباحة ولم تُحرمه سوى الأعراف المتخلفة آنذاك .
وهو فوق كل هذا وذاك كان سائقاً ماهراً حتى ينقل المرحوم والدي أن السيد جابر أغائي تعرض ذات يوم في طريق عودته من بغداد إلى النجف الأشرف في منطقة قرب مُحافظة بابل إلى مُضايقة وإستهزاء من بعض الشباب المستهترين السُكارى بسيارتهم بعد أن لفت نظرهم بأن من يقود السيارة بقربهم هو رجل دين مُعمّم ، وعندما بالغوا في مُضايقتهم لسيارة السيّد فوجئوا بحركة مُفاجئة منه أمام سيارتهم جعلتهُم يفقدون السيطرة للحظات كادت أن تودي بهم إلى كارثة فكان درساً بليغاً لهُم لن ينسوه بحيث إستمرت قيادتهم بقية الطريق بإستقامة وحذر من الإقتراب من سيارة السيد أغائي بعد أن أيقنوا أنه سيّد (مُعمّم) من نوع آخر لا يُمكن الإستهزاء به أو الإستخفاف بعمامته الشريفة .
وتدور عجلة الزمان فنُشاهد في زماننا هذا رجال دين يقودون أحدَث السيارات أو يَستأجرون سائقاً لهُم فلا يتعرض لهُم أحد لأن العُرف الذي كان يَمنع رجُل الدين المُعمّم من قيادة السيارة قد أصبح بسَبَب جُرأة السيد جابر في خبر كان ..
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha