التقارير

الصين تدعو الى "الاستقلال الاستراتيجي" لدول الشرق الاوسط: معنى وابعاد الدعوة


السفير الدكتور جواد الهنداوي ||

 

            رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات

            و تعزيز القدرات / بروكسل /  ٢٠٢٣/٤/٧ .

     

    غالباً ما يتضمن الخطاب او التصريح الدبلوماسي الرسمي  رسائل مباشرة ، و اخرى غير مباشرة ،وهذه قد تكون بصيغة أشارات او مصطلحات او مفاهيم ، واضحة و كاشفة لنوايا و ارادات . بطبيعة الحال الرسائل المباشرة هي التي تتعلق بالحدث ،موضوع الخطاب ،اما غير المباشرة ،والتي ترد بصيغة مصطلحات او مفاهيم فهي تتعلق ببيئة الحدث الجغرافية و السياسية الخ …

  وللاشارة فقط ،دون الدخول في التفاصيل ،رغم كونها ،ممتعة وليس ممُلّة ، نقول بأن الخطاب او التصريح الدبلوماسي يختلف عن الخطاب او التصريح السياسي ،فالاول رسمي و اوسع و ادّق و مسؤول .

  غاية المقدمة البسيطة هو تبرير اختياري الموضوع ، ( الاستقلال الاستراتيجي لدول الشرق الاوسط ) ، الذي دعتْ له الصين والذي وردَ في تصريح وزير خارجية الصين و هو يستقبل وزير خارجية ايران و وزير خارجية المملكة العربية السعودية ، و وردَ في البيان الرسمي لوزارة الخارجية الصينية . قال الوزير في تصريحه يوم ٢٠٢٣/٤/٦ ، " أنّ الصين تدعم دول الشرق الاوسط في الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي و التخلص من التدخل الخارجي و الابقاء على مستقبل المنطقة بأيديها " .

  علينا صراحة التوقف عند التصريح وتأمّل مضمونه ، فهو تصريح رسمي لدولة عظمى ،و بمناسبة لقاء و اجتماع قوتيّن اقليميتيّن في منطقة الشرق الاوسط ، وما يزيد اهتمامنا اكثر هو انّ الصين تتُرجم هذا التصريح بخطوات و باجراءات ميدانية ،ملموسة النتائج ،تتمثل باستمرار توسطاتها و اتصالاتها في دول المنطقة .

  التصريح يدّلُ على ان هدف الدور المتنامي للصين في المنطقة ليس فقط ذو طبيعة أقتصادية ، وانما ايضاً سياسيّة و بامتياز ، لأن كلام الصينيين الآن و المقرون بفعل على الارض هو حول الاستقلال الاستراتيجي لدول المنطقة ، و تخلصها من التدخل الخارجي ، و الابقاء على مستقبل المنطقة بأيديها . وهذا يعني ، بلغة اخرى ، التخلص من التدخل الامريكي في المنطقة ، وهنا يلتقي الدور الصيني في المنطقة مع الدور الروسي ، والذي اعلنته الحكومة الروسية ، بتبنيها سياسة خارجية قوامها محاربة النفوذ الامريكي و الهيمنة الامريكية في العالم ، و الهادفة الى تعدّد القطبيّة .

   بكل تأكيد ،هنالك تنسيق في الجهود و تطابق في الاهداف بين الصين و روسيا في سياستهما الخارجية ، وتوجهاتهما الاستراتيجية ، وخاصة تجاه سياسة الولايات المتحدة الامريكية ، و لم يعْد هذا التنسيق والتطابق سّراً ،بل وتتعمّد الدولتان بالكشف عنه يوم بعد يوم ، وكأنهما يمارسان ضغوط نفسيّة ليس فقط على الادارة الامريكية ، وانما ايضاً على الرأي العام الامريكي وعلى شريحة النخب و السياسيين الامريكيين .

  مواقف الدولتان ( الصين و روسيا ) و تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى تجاه الدور الامريكي في العالم وفي المنطقة تترجّمْ ( واقصد المواقف والتصريحات ) الى جُرعات تقويّة و شجاعة  يتناولها قادة دول المنطقة من اجل النهوض و الافلات من املاءات الادارة الامريكية و الدول الغربية ، و الالتفات الى الاستقلال الاستراتيجي لدولهم ، والتخلص من التدخل الخارجي ، ومسكهم لمصير منطقتهم .

  دعوة الصين دول الشرق الاوسط للتحرر و الى الاستقلال الاستراتيجي قد تكون دعوة مناسبة ايضاً الى دول الاتحاد الاوربي ، والتي اصبحت في ورطة الحرب الروسية الامريكية ، والتي تدور رحاها في اوكرانيا ، والتي ( و اقصد دول الاتحاد الاوربي ) تعاني هي ايضاً من سياسة الاملاءات الامريكية و مصادرة امريكا للارادة الاوربيّة .

  و لربما ادركَ قادة الدول الاوربية قدرة الصين و خيبة اتكالهم على امريكا ،الامر الذي يفسّر زيارة الرئيس الفرنسي و مسؤولي المفوضية الاوربية ،الآن ،الى الصين ،ومطالبتهم علناً بالتدخل من اجل اقناع روسيا بالعودة الى التفاوض بشأن الحرب في اوكرانيا . وهذا ما يعني ادراك الاوربيين و قناعتهم بفشل الخيار العسكري ضّدَ روسيا ،خاصة و ان المطالبة الاوربية للصين بالتدخل من اجل التفاوض مع روسيا تأتي بعد انهيار دفاعات اوكرانيا في مدينة ياخموت الاستراتيجية وسقوطها بيد قوات فاغنر الروسيّة .

 

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك