السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات
تهدّمتْ الاركان الثلاث التي بُنيَّ عليها هيكل اسرائيل :
امريكا ، والردع ، و الزمن و تشتت العرب .
بين امريكا و اسرائيل تشابهٌ ،بل تطابق ، في ظروف النشأة و التكوين ، وفي البقاء ، وفي سكرات الموت .
صيرورة كليهما على قتل و تهجير شعوب ، وبقائهما بفضل ايقاظ الفتن و اشعال الحروب ، و هزيمتهما بالصمود وبالصبر و بالسلام .
مثلما اليوم امريكا مُحاصرة بين الصين و روسيا و ايران ، وتفقد نفوذها ، كذلك هو حال اسرائيل ،نجدها اليوم مُحاصرة بين محور المقاومة ، والذي تقودهُ ايران ، ومحور السلام ولّمْ الشمل العربي و الاقليمي ، والذي فعّلته المملكة العربية ، و تقوده السعوديّة و العراق و مصر.
مثلما تفقدُ امريكا رويداً رويداً اسباب هيمنتها على العالم ، تفقدُ اسرائيل ،هي الاخرى ،اسباب وطموح هيمنتها على المنطقة . تفكّرُ اسرائيل اليوم ،ليس بهيمنتها ، ولا بأمنها ، وانما بخطر وجودها .
لمْ تتوقعْ اسرائيل هذا الحال ولن تدري ما المصير ، لن يكْ الزمن الآتي في صالحها ،انقلبَ الحال حين انتفخت و تمددتْ اسرائيل في الزمن الماضي ، منتفعة من تشتتْ العرب وفرقتهم وتقاتلهم . تندمْ اسرائيل اليوم على رفضها مبادرات السلام السعودية عام ١٩٨١، ومبادرة السلام العربية ، والتي طرحتها السعودية ،في قمّة بيروت عام ٢٠٠٢ . عوّلت اسرائيل كثيراً على وهمْ أزلية قدرة امريكا في المنطقة ، و ازلّية قوة ردعها ، و ازليّة ما سُميَّ في المنتصف الثاني من القرن الماضي " حالة الوضع الراهن ،والحفاظ على الوضع الراهن "، وضعٌ تميّز بضعف العرب دولاً وجيوشاً وتحكما امريكا و اسرائيل في كل معادلات المنطقة .
كانت اسرائيل تنتظر قطار التطبيع لينقل اليها المملكة العربية السعودية ، والمملكة ،وهذا ما توقعناه ، لم تقعْ في الفخ ،فهي اكبر من أن تتناظر مع كيان محتل وتتنازل له ، كيان مستبدْ و رافض لكل حلول ومبادرات السلام .
كيف تطبّع المملكة مع كيان رفض حلولها ، والتي طُرحتْ بأسمها و بأسم العرب !
كانت اسرائيل تخطط لحلف ناتو جديد في المنطقة ،قوامه هي وبعض الدول الخليجية والعربية ، وهدفه ايران . اي كانت تخطّطُ لمعارك وحروب مستدامة في المنطقة ولتصفية القضيّة الفلسطينيّة .
فاجئت المملكة المنطقة والعالم بمسار يناقضُ ما ارادته اسرائيل ، ومن خلفها امريكا ، مسار لّمْ شمل المنطقة ،بعربها وبعجمها ، مسار السلام والتعاون و خلق شرق اوسط جديد .
فقدت اسرائيل اذاً أمل هيمنتها ، و سقطت اركان ديمومتها و وجودها ، و تبحث الآن عن مخرج لها .
تفكّرْ اسرائيل اليوم بسيناريو يُعيد طرح مبادرة السلام العربية ،مرّة اخرى ،على الطاولة ، و ربما بوساطة صينيّة لتتعلق بها . لمْ يعُدْ حلاً لها سياسة " المعارك بين الحروب " ولم تعدْ قادرة على حرب ، ما لها غير الاذعان للقلق والهوس بالمصير ،مُنتظرة فرجاً من الصين ، وعلى استعداد للتنازل . تتنازل قليلاً اليوم افضل لها من ان تتنازل كثيراً غداً ( هكذا بدأ نخُبها و قادتها يفكرون ) . تمضي عجلة الزمن وتدور ليس لصالحها ، وانما لصالح قوى محور المقاومة و محور السلام والتمنية و الازدهار .
جاء دور اسرائيل لتعيش في زمن ،تخسرُ به يوماً بعد يوم ، كما كان حال العرب في المنتصف الثاني من القرن الماضي ، حيث يخسرُ العرب وتتمدّد اسرائيل وتنتفخ .
الفرق هو انّ العرب تحملّوا الخسارة لسعة جغرافيتهم و بثرواتهم وبصمودهم ، اسرائيل ليس لها مقومات التعايش مع زمن يكبدهّا ، يوم بعد يوم خسائر استراتيجية ، وتتآكل قواها من الداخل ومن الخارج .
ـــــــ
https://telegram.me/buratha