السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٣/٤/٢٦ .
في العلاقة بين السياسة الخارجية و السياسة الداخلية لدولةٍ ما ،نقول دائماً بأنَّ الاولى هي مرآةٌ للثانية ، اي السياسة الخارجية تعكسُ الوضع الداخلي للدولة وتتأثر به اكثر مما تؤثّر به ( و اقصد بالوضع الداخلي ) .
حالة العراق قد تكون استثناء لهذه القاعدة المتعارف عليها ، فبالرغم من التحديّات التي عاشها ،ويعاني من بعضها في الوقت الحاضر ( الارهاب ،الفساد ، تردّي بعض الخدمات ، قلّة الاستثمار ، ضعف الانتاجية ) ، فأن مؤشر علاقاته العربية و الاقليمية والدولية في أفضل حال . بلْ و إنْ حُسنْ علاقات العراق و وضوح سياسته الخارجية و ثباتها على مبادئ ومسار مستقيم دون انعطافات او استدارات عوامل ساهمت في تحسين وضع الداخل السياسي ،بدأت الدول ،وخاصة العربية و الاقليمية ،تتعامل مع العراق الدولة وليس مع عراق الحزب او الطائفة او القومية او عراق الشخوص . و أصبحت الدول تُقيّم العراق وتراه ،ليس بعدسة مشهده الداخلي ،و انما بمنظار سياسته الخارجية و علاقاته الدولية .
برهّنَ العراق للعالم على ديمقراطية نظامه السياسي ، و خاصة في مجال حقوق الانسان و حريّة الرأي و الصحافة مقارنة مع دول اخرى ، وهذا ما نلمسهُ من لدّنَ سياسيين و دبلوماسيين و اكاديميين في محافل اوربية و دولية ،مهتمين في شؤون الشرق الاوسط و ملفاته .
برهّنَ العراق بأنه يحتكمُ ، في تبني مواقفه و قراراته السياسيّة و علاقاته الدولية ليس الى الافعال و ردود الافعال ، و انما الى حُزمة مبادئ ومعايير . فما هي ؟
يحتكمُ العراق ، في رسم وتنفيذ سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية ، الى الدستور ،و خاصة المادة الثامنة منه ، و التي تفرضُ منع استخدام ارض و سماء العراق منطلقاً للاعتداء على الدول المجاورة او الدول الاخرى ، و تنصُ ايضاً على مبدأ حُسنْ الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى . التزمَ العراق ، ومن خلال السلطة التنفيذية ( الحكومة و وزارة الخارجية ) ، والمسؤولة حصراً عن تنفيذ السياسة الخارجية ، بهذه المبادئ الدستورية الثلاث : ان لايكون العراق بارضه و سماءه مُعادياً ، وكذلك بحُسن الجوار ، وحُسنْ الجوار أكثر نفعاً وقُرباً من مبدأ احترام الجوار ، وايضاً بعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى . وتشهدُ الوقائع و الاحداث السياسية و الامنية العربية وغير العربية ، والتي نواكبها ، على غياب لاي تدخل من جانب العراق ، و اذا وجِدَ دور للعراق فهو لاصلاح ذات البين ،وبطلب الاطراف المتخاصمة .
هذا التميّز وهذا الانجاز في عقلانيّة السياسة الخارجية ، والذي اثرى علاقاتنا الدولية ، قد يكون غائباً عن اهتمام الداخل العراقي ،لانه ليس سلعة او خدمة مباشرة ، ولكنه ،محط اهتمام وإشادة و إعجاب جميع الدول و العارفين بالسياسة و بالدبلوماسيّة ، الامر الذي عزّزَ مكانة العراق .
لم تقتصر نتائج سياسة العراق الخارجية و علاقاته الدولية من تمكينه على تحديات الداخل ،ذات الطابع الحزبي و الطائفي و القومي ، وانما شملت ( و اقصد النتائج ) على تخفيف التوتر في المنطقة و الدفع بدولها العربية و الاقليمية نحو التفاهم و التوافق .
تجّردت سياسة العراق الخارجية و معايير علاقاته مع الدول مِنْ التوجهّات او الشعارات القومية او الدينية او الطائفية ، ولبُستْ ( واقصد السياسة الخارجية ) رداءاً وطنياً ، غير ملّوث ببقع الماضي ، و واسعاً لاحتضان الجميع من الاشقاء و الاصدقاء . لم يعاتبْ العراق تلك الدول التي عبثت بأمنهِ ، انه اسدلَ فوق الامس ستراً و حجابا ، ولمْ يخاطب تركيا (و التي تتواجد قواتها في مناطق في شمال العراق وفي اقليم كردستان ) بلغة التهديد و السلاح ، وانما بلغة العقل والحوار والدبلوماسية والتهدئة . (أُشير بهذا الخصوص الى حديث السيد وزير الخارجية الدكتور فؤاد حسين في قناة العهد العراقية ليوم ٢٠٢٣/٤/٢٤، ولبرنامج " نصف دائرة " ) حين وصف التواجد التركي بتدخل ، وتجّنبَ وصفه بأحتلال ، مُدركاً عمق العلاقات السياسية و الاقتصادية بين البلديّن ، و أنَّ الحوار والتفاوض و استتاب الامن في المنطقة عوامل كفيلة بجعل تركيا حريصة على احترام سيادة العراق ووحدة اراضيه .
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha