د.جواد الهنداوي ||
قد يتساءل القارئ عن ملائمة عنوان المقال للحدث، والذي يمكن التعبيرعنه بعبارة أبسط وهي “عودة سوريّة الى الجامعة العربية”. ولكن الدقة والانصاف يتطلبان وصف الاحداث التاريخية وفقاً لمُسبباتها و تداعياتها.
لم تغادر سوريّة الجامعة العربية، والتي ساهمت في تأسيسها، برغبتها وبإرادتها، وكذلك عودتها. قرار استبعاد سوريّة والغاؤه، تمّا بإرادة الجامعة العربية، وأنسبْ تسميّة للحدث هو الغاء الجامعة العربية قرار استبعاد سوريّة، وهو اصّح من “عودة سوريّة الى الجامعة العربية”.
في كل الاحوال، لا يسعنا الاّ الترحيب بقرار، طال انتظاره وبدتْ للمتابع، وقبل اتخاذه، آثاره.
الغاء الجامعة العربية لقرارها لم يكْ دون كُلفة لسورّية وللجامعة أو للعرب؛ كّلفَ سوريّة التضحيات والصمود وكلّفَ العرب خطأ وخطيئة قرار استبعاد سوريّة من الجامعة، وكلفهّم ايضاً فشل ضياع ثلاثة عشر عاما من زمن شعوب الامّة العربية وشعوب المنطقة. الغاء قرار استبعاد سوريّة حّلٌ خرجَ من رحمْ الصمود السوري وتضحيات سوريّة وحلفائها.
دعوة سوريّة الى العودة الى الجامعة العربية سيعزّز، بكل تأكيد مواقفها الاقليمية، وخاصة مع الجارة تركيا، وسيلتقي وزير خارجية سوريّة نظراءه ( روسيا، ايران، تركيا ) اليوم، ٢٠٢٣/٥/١٠، وهو في موقف سياسي أكثر قوّة، لاسيما مع نظيره التركي، والذي يلتقيه لاول مرّة.
اللقاء السوري التركي يدّلُ على ان سوريّة حصلت على ضمانات كافية، وبكفالة الجانب الروسي والايراني، بإنسحاب الجيش التركي من الاراضي السورية، والذي كان الشرط المُعطّل للقاء. وحسب الانباء المتداولة، سيتم المصادقة على اتفاقيات ميدانية، وكذلك انشاء غرفة تنسيق مشتركة بين الجيش السوري والتركي في الشمال السوري. هذا التنسيق الميداني بين الجيشيّن سيقود حتماً الى تعاون كبير مشترك هدفه مكافحة الارهاب وتعزيز سيادة الدولة ووحدة الاراضي لكلا البلديّن.
في اليوم التالي لقرار الجامعة العربية بدعوة سوريّة للعودة، بدأت البعثة الديبلوماسية للمملكة العربية السعودية عملها في سوريّة. سرعة اجراءات المملكة بإعادة العلاقات مع سوريّة مؤشر على رغبة المملكة بحضور الرئيس بشار الاسد القمّة، وهذا ما اكدناه في مقال سابق بعنوان” سوريّة في صدارة المشهد السياسي العربي و الاقليمي” في ٢٠٢٣/٥/١،.
قرار الجامعة بدعوة سوريّة للعودة دليل فشل امريكا في الاستمرار بجعل سوريّة خارج الجامعة العربية، ودليل ايضاً على انحسار النفوذ الامريكي في المنطقة، وهذا ما أكدته مجلة بلومبرغ في مقال نشرته بتاريخ ٢٠٢٣/٥/٨.
سنشهد تضامنا عربيا مع سوريّة في مطالبتها برحيل القوات الامريكية من شمال سوريّة و إستعادة سوريا لمنابع النفط، والتي هي تحت سيطرة ” قسد ” والقوات الامريكية.
ما يقلق الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ليس فقط عودة سوريّة للجامعة العربية، والاتفاق الايراني السعودي، وإنمّا ايضاً، وهو الأهم، بقاء المستشارين الايرانين في سورية والتعاون العسكري الايراني السوري، وان هذا الوجود الايراني لم يعُدْ مصدر قلق لا للمملكة ولا لغيرها.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha