السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٣/٥/١٣ .
الاحد القادم ،والموافق ٢٠٢٣/٥/١٤ ،سيكون موعد الانتخابات البرلمانية و الرئاسية لتركيا . تحظى هذه الانتخابات بأهميّة استثنائية ،ليس بسبب عديد الناخبين ،والذي يتجاوز خمسة وستون مليون ناخب ،خمسة ملايين منهم سيّصوتون لاول مرّة ،ولا لاحتدام المنافسة بين الاحزاب المتحالفة وغير المتحالفة ،و إنمّا بسبب الظروف الداخلية التي تعيشها تركيا ، والظروف الاقليمية و الدولية ، التي بينها وبين تركيا تأثير متبادل و كبير . الانتخابات ستكون حاسمة لصراعيّن : صراع عقائدي على المستوى الداخلي بين الاستمرار في النهج الاوردغاني الاسلامي او التحّول نحو الاتاتوركي العلماني ،والمتمثل بالمعارضة . وصراع آخر على المستوى الخارجي بين الغرب ،الذي يأمل نهاية لعهد اوردغان ، وروسيا والصين و ايران ،الذين يأملون استمرار اوردوغان في السلطة .
الرئيس اوردغان قطع شوطاً طويلاً في مسار تمرّده على نهج الاملاءات الامريكية و الغربية ، بل و اصبح مصدر ازعاج لهما ، و هبط مقياس الثقة بين اوردوغان و الغرب الى درجة الصفر . وهو ( واقصد الرئيس اوردغان ) أمعنَ في درجة استدارته نحو روسيا و ايران . ويرى الامريكان و الغربيون بأنَّ سلوك وسياسة اوردوغان تجاههما شجّعت دول في المنطقة على اعادة اعتبار لسياستها الخارجية و علاقاتها الدولية على ضوء معيار مصالحها الوطنية وليس على ضوء معيار " رضا امريكا " .
لذا ،نلاحظ اليوم ، انحياز الاعلام الغربي المرئي و المسموع و الصحف ،وعلى اعلى المستويات ، الى جبهة المعارضة . كافة الصحف البريطانية و الامريكية و الفرنسية ،وبدون استثناء ،وظّفت اقلامها و آرائها لتشجيع الناخب التركي للتصويت الى المعارضة وليس لحلف حزب العدالة والتمنية ، ولا للرئيس اوردغان . مَنْ يطّلعْ على الصحف الغربية و الامريكية الصادرة في الامس و اليوم و يتابع فضائية فرنس 24 ,( ع سبيل المثال ) يتصّور و كأن الانتخابات اوربية وليس تركيّة .
اعتقدُ بأنَّ هذه الحملة الامريكية الغربية المناهضة للرئيس اوردغان ستصّبُ في صالحهِ ،ستوّدي الى عكس النتائج المرجوّة ، وستحفّز المشاعر الوطنية للناخبين الترك ، و ستوّلد شعور لديهم بأنَّ الرئيس اوردغان هو الخيار الوطني ، و الآخرون هم الخيار الامريكي و الغربي .
شراسة الحملة الدعائية الغربية لصالح منافسي الرئيس اوردغان في الانتخابات تدّلُ على أنَّ الغرب لم يعُدْ يهمّه ما سيخسره عند فوز الرئيس اوردغان ، اي انه ( الغرب ) خسرَ تقريباً كل شئ مع الرئيس اوردغان ،قبل الانتخابات .
فوز الرئيس اوردغان ، و هو ما سيحصل ، سيكون فوزاً للمحور الاسيوي الثلاثي ( روسيا ،الصين ، ايران ) ، وسيمضي الرئيس اوردغان بخطوات اسرع في تعزيز علاقاته مع الدول المذكورة و مع حلفاء الدول المذكورة .
استخلصَ الرئيس اوردغان ، ومن تجربة حكم طويلة ، بأنَّ علاقاته مع الامريكان هي علاقة مشاكل ، وعلاقاته مع روسيا ومع الصين هي علاقة حلول . و استخلص ايضاً بأنَّ الامريكيين وضعوا العصي في عجلات الاقتصاد التركي ،متمثلة ،بالدرجة الاولى ، بالدولار وتأثيره على قوة العملة الوطنية .
لا اشكُ ابداً بفوز الرئيس اوردغان ، بل و اعتقد باطمئنان
الروس و الايرانيين على ذلك . ويكفي القول ، ودون الدخول في التفاصيل ،بأنَّ فوز او خسارة اوردغان لا يعني فوز او خسارة كرسي رئاسة ، وانما الامر ابعد بكثير من ذلك : الامر يعني فوز او خسارة عقيدة الحقبة الاوردغانية ( حركة اخوان المسلمين ، حزب العدالة والتمنية ، الحركة الاسلامية ) ، و الامر يعني ايضاً فوز او خسارة الاستقلال الوطني و التحرّر من التبعية الامريكية .
ليس بوسِعْ اوردغان و اتباعه و مؤيديه التضيحة بهذه الاهداف الاستراتيجية .
فوز اوردغان سيساهم في تقليص النفوذ الامريكي و الغربي في المنطقة ، وهذا ما يفسّر توظيف اعلامهم ضّدَ الرئيس اوردغان ، وفوزه سيكون في صالح أمن و استقرار المنطقة ،وخاصة في الاسراع في حّل الازمة في سوريا .
العدوان الاسرائيلي الشرس على الفلسطينيين ، والمستمر منذ ثلاثة ايام ، وعدد الشهداء و الجرحى ، والتأييد الامريكي المطلق لاسرائيل ،هو ظرفٌ تزامن مع الانتخابات التركية ،وسيجعل الناخب التركي اكثر أشمئزازاً من امريكا و ابعد بكثير من المرشّح الذي تدعمه امريكا .
اعتقد بأنَّ عصر اوردغان القادم سيكون عصر تصفير المشاكل في المنطقة ، عصر التعاون بين تركيا و دول المنطقة وخاصة سوريّة و العراق و ايران و المملكة العربية السعودية ، وهذا ما تخشاه و تخافه امريكا ، وستعاني اسرائيل تداعياته . وهذا ايضاً ما يفسّرُ قلق امريكا و الغرب من فوز للرئيس اوردغان .
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha