محمد الكعبي ||
القوة والنفوذ والتحكم وقيادة العالم شعور قومي روسي قوي وتتحرك من أجل استعادة المكانة الدولية السابقة واعادة امجاد الاتحاد السوفييتي لكن بثوب جديد؛ يدعم ذلك قوة عسكرية هائلة متقدمة، ووجود قيادة سياسية طموحة وتواقه لتحقيق هذا الهدف مع ما تملك من برنامج وأهداف ومهارات وجرأة، فضلا عن وجود حلفاء وأصدقاء لروسيا يدعمون حضورها في مواجهة النفوذ الأمريكي مثل الصين وايران وسورية وغيرها من الدول، كما أن عدداً ليس بقليل من الأنظمة الحليفة لأمريكا تضيق بالسياسات الاقصائية والتحكمية الأمريكية تجاههم وخصوصا تدخلها في كثير من الملفات السياسية والامنية والاقتصادية، حتى وصلت النوبة بالتحكم بصفقات السلاح وبيعها وتحديد مسارات تلك الصفقات، مما شجع تلك الدول إلى التوجه نحو روسيا لتلبية احتياجاتها، ومن جانب آخر سعي موسكو لزيادة حضورها في الخريطة السياسية في المنطقة لمواجهة إجراءات الحصار والمقاطعة الأوروبية الأمريكية نتيجة الحرب الروسية مع أوكرانيا، ولمحاولة إيجاد بدائل اقتصادية وتجارية، وفتح افاق جديدة برؤية مستحدثة من خلال تغيير اعدادات المنطقة وتبادل الادوار والمواقع.
ان التأثير الروسي وحضوره في المنطقة ما زال محدوداً لأسباب كثيرة بعضها متعلق بالنظام السياسي العالمي وآخر متعلق بنفس روسيا واقتصادها وحربها الاخيرة، مع صعوبة إحداث تغيير في سياسات الأنظمة الإقليمية المتحالفة مع أمريكا وبالذات الدول التي ترتبط بها بمصالح سياسية وامنية واقتصادية، كما أن موسكو تعاني من استنزاف كبير جراء حربها مع أوكرانيا وتداعياتها على اغلب المستويات، مما أضعف دورها في التدخل المباشر في المنطقة، لما تحتاجه من صرف ميزانيات كبيرة ومساحة واسعة للمناورة في قبال الفاعل الاميركي من أجل أحداث تغيير نوعي في خرائط النفوذ على المدى القريب، مع ملاحظة
ان اقتصاد روسيا يحتل المرتبة الحادية عشرة بين أكبر الاقتصادات في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 1.78 تريليون دولار، ومعدل النمو 4.8%، وهي تتبع رأسمالية السوق الحرة، حيث تُحدَّد أسعار السلع والخدمات بحرية، بناءً على الطلب والعرض للسلع والخدمات.
بينما امريكا تتصدر قائمة اعلى اقتصاديات العالم حيث بلغ 23 تريليون دولار والذي يعتبر اقتصادها هو الأكبر في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 23 تريليون دولار، ومعدل النمو 5.7%، علماً أن الرعاية الصحية والعقارات والتأمين والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والخدمات المهنية، أكبر مساهم في نمو الاقتصاد الأميركي.
ثم تأتي جمهورية الصين الشعبية وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 17.73 تريليون دولار، ومعدل النمو 8.1%. وتُعتبر الصين أكبر اقتصاد في العالم من حيث معيار تعادل القوة الشرائية (18.59% من إجمالي الناتج المحلي). وتتقدم الصين باستمرار من حيث التنمية الاقتصادية والإنتاج الضخم.
وبعدها اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة والهند وفرنسا وإيطاليا وكندا وكوريا الجنوبية ثم روسيا في المرتبة الحادية عشرة، مع ذلك فإن الروس يسعون إلى زيادة نفوذهم، لكن قدرتهم على ملئ الفراغ ستظل محدودة، مع الاخذ بالاعتبار ان قطار التغيير الروسي ليس مرغوبا به من دول ليست بقليلة وان لم تصرح بذلك علنا، فهناك التزامات وتعهدات ومخاوف وتهديدات حقيقية تواجهها الدول التي تحاول أن تنزل من قطار واشنطن لتركب قطار موسكو فان الثمن سيكون باهض واغلب تلك الانظمة لاتحبذ المجازفة بمستقبلها السياسي، إضافة إلى المصالح المشتركة بين تلك الدول واميركا والتي يصعب التخلي عنها في الوقت الحاضر، فضلا على أن موسكو لاتحمل مشروعا حضاريا بديلا يمكن أن يجذب الاخرين اليه، أو لنقل ان مشروعها غير واضح المعالم لحد الان، مع الاخذ بالاعتبار وجود احزاب وتيارات مناهضة للمشروع الاشتراكي في العالم وبالذات في منطقة الشرق الاوسط لما عانت منه في القرن الماضي، نعم قد تكون هناك تحركات من بعض الانظمة في المنطقة لكسب الود الروسي خوفا من المتغيرات المستقبلية، والحرص على عدم جعل موسكو عدو فيحاول البعض أن يناغمها بشكل من الاشكال، وان القيادة الروسية تدرك حجم المخاوف وتحترم رغبات البعض لذا تعمل بشكل هادئ لتحقيق حلمها الكبير لتصبح القوة والدولة الاوحدية في العالم، فالعالم لايمكن ان يبقى تحت هيمنة أمريكا، وهذا قد يجبر موسكو إلى تشكيل تحالفات واتفاقيات مع بعض الدول لمواجهة واشنطن، واعتقد انها وقتية من أجل تحقيق اهدافها الكبرى واذا تمكنت من تحقيقها ستعمل على تكرار تجربة القطب الواحد ولن ترضى بمشاركة الاخرين لإدارة العالم مهما كان الثمن ولو بعد حين.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha