السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات / بروكسل / ٢٠٢٣/٦/٢٣
أَربعُ موانع امام اسرائيل في طريق السلام : العقيدة الصهيونية ،التي تجد في السلام انكفاء و نهاية للكيان الاسرائيلي ، رفض اسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني ،والمتمثلة بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ،وحسب الشرعية الدولية ، رفض اسرائيل لحقوق العرب بالحفاظ على المسجد الاقصى و استرجاع الاراضي العربية المحتلة ( الجولان في سوريا ومزارع شبعا في لبنان ) ، نزعة اسرائيل العدوانية تجاه ايران و سوريا ، والمتمثلة بسياسة التحريض والتهديد و الاغتيالات و الاعتداءات .
فهل تستطيع اسرائيل عبور وتخطي هذه الموانع ؟
لا اعتقد .
أضفُ الى ذلك خسارتيّن استراتيجيتيّن لاسرائيل ، الخسارة الاولى هي انحسار نفوذ امريكا في المنطقة وفي العالم وقلّة اهتمام امريكا بنفط المنطقة و بدور اسرائيل في المنطقة ، والخسارة الثانية هي فقدان اسرائيل لقوة الرّدع و لتفوقها العسكري ولقدرتها على شّنْ حرب ، ولتخوفّها من شّنْ حرب خشيّة خسارتها . اسرائيل ،ومنذ الالفيّة الثالثة خسرت كافة الحروب التي شنتّها و خاضتها في جنوب لبنان وفي غزّة و فلسطين .
اسرائيل تواجه اليوم مقاومتين ؛ مقاومة عسكرية ميدانية تقودها ايران وحزب الله في لبنان و حماس و الجهاد الاسلامي وسوريا ، و مقاومة سياسيّة عربية متمسكة بحقوق الشعب الفلسطيني ،في اقامة الدولة الفلسطينية ، و رافضة للتطبيع وتقودها الدول الرافضة للتطبيع .
لم يعُدْ التصنيف الذي فرضتهُ اسرائيل على المشهد السياسي العربي " دول الممانعة و دول الاعتدال " ، وفي بداية الالفيّة الثالثة ، والذي يعّرف ُموقف الدول العربية ازاء القضية الفلسطينية و ازاء الكيان الاسرائيلي صالح الاستعمال في الوقت الحاضر . اصبحت الدول العربية مابين ممانعة لتصفية القضية الفلسطينيّة ودول ممانعة و رافضة للتطبيع ودول ممانعة و رافضة للتطبيع و مقاومة عسكرياً وفي مقدمتهم لبنان وسوريا والمقاومة الفلسطينيّة .
أصبحَ حال اسرائيل اكثرُ سوءاً بعد ما اعربت المملكة العربية السعودية ، وعلناً موقفها الرافض للتطبيع دون قبول اسرائيل لمبادرة السلام العربية ، والتي عرضتها المملكة في قمة بيروت عام ٢٠٠٢ ، وحظيت ( واقصد المبادرة ) بموافقة الدول العربية و الجامعة العربية ) ، وقوبلت بالرفض من قبل اسرائيل . لم تقعْ المملكة في فخْ التطبيع الابراهيمي فنأت بنفسها عن ايَّ علاقة دبلوماسيّة و رسمية مع اسرائيل ، وقد كتبنا في مقال سابق بعنوان ( اسرائيل المحاصرة على ماذا تندم …) ونُشر في صحيفة حوار نيوز ،بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٢، وفي مواقع اخرى ) بأنَّ المملكة لم تنسْ رفض اسرائيل لمبادرة السلام
السعودية عام ١٩٨١، ومبادرة السلام العربية ، والتي طرحتها السعودية ،في قمّة بيروت عام ٢٠٠٢ . عوّلت اسرائيل كثيراً على وهمْ أزلية قدرة امريكا في المنطقة ، و ازلّية قوة ردعها ، و ازليّة ما سُميَّ في المنتصف الثاني من القرن الماضي " حالة الوضع الراهن ،والحفاظ على الوضع الراهن "، وضعٌ تميّز بضعف العرب دولاً وجيوشاً وتحكما امريكا و اسرائيل في كل معادلات المنطقة .
كانت اسرائيل تنتظر قطار التطبيع لينقل اليها المملكة العربية السعودية ، والمملكة ،وهذا ما توقعناه ، لم تقعْ في الفخ ،فهي اكبر من أن تتناظر مع كيان محتل وتتنازل له ، كيان مستبدْ و رافض لكل حلول ومبادرات السلام .
كيف تطبّع المملكة مع كيان رفض حلولها ، والتي طُرحتْ بأسمها و بأسم العرب !
كانت اسرائيل تخطط لحلف ناتو جديد في المنطقة ،قوامه هي وبعض الدول الخليجية والعربية ، وهدفه ايران . اي كانت تخطّطُ لمعارك وحروب مستدامة في المنطقة ولتصفية القضيّة الفلسطينيّة .
فاجئت المملكة المنطقة والعالم بمسار يناقضُ ما ارادته اسرائيل ، ومن خلفها امريكا ، مسار لّمْ شمل المنطقة ،بعربها وبعجمها ، مسار السلام والتعاون و خلق شرق اوسط جديد .
فقدت اسرائيل اذاً أمل هيمنتها ، و سقطت اركان ديمومتها و وجودها ، و تبحث الآن عن مخرج لها .
تفكّرْ اسرائيل اليوم بسيناريو يُعيد طرح مبادرة السلام العربية ،مرّة اخرى ،على الطاولة ، و هذا ماكان موضوع ،على مايبدوا ، حديث بين وزرير خارجية امريكا و ولي عهد المملكة العربية السعودية خلال الزيارة التي قام بها الوزير الى المملكة في الاسبوع الثاني من شهر حزيران الجاري ،حيث صرّحت المملكة رسمياً بأنْ لا تطبيع دون اقامة الدولة الفلسطينيّة . لمْ يعُدْ حلاً لاسرائيل سياسة " المعارك بين الحروب " ولم تعدْ قادرة على حرب ، ما لها غير الاذعان للقلق والهوس بالمصير ،مُنتظرة فرجاً ربما من الصين . وهل لاسرائيل الاستعداد للتنازل ؟ . تتنازل قليلاً اليوم افضل لها من ان تتنازل كثيراً غداً ( هكذا بدأ نخُبها و قادتها يفكرون ) . تمضي عجلة الزمن وتدور ليس لصالحها ، وانما لصالح قوى محور المقاومة و محور السلام والتمنية و الازدهار .
جاء دور اسرائيل لتعيش في زمن ،تخسرُ به يوماً بعد يوم ، كما كان حال العرب في المنتصف الثاني من القرن الماضي ، حيث يخسرُ العرب وتتمدّد اسرائيل وتنتفخ .
الفرق هو انّ العرب تحملّوا الخسارة لسعة جغرافيتهم و بثرواتهم وبصمودهم ، اسرائيل ليس لها مقومات التعايش مع زمن يكبدهّا ، يوم بعد يوم خسائر استراتيجية ، وتتآكل قواها من الداخل ومن الخارج .
اشتراط المملكة العربية السعودية قبول اسرائيل تنفيذ بنود مبادرة السلام العربية لعام ٢٠٠٢ ،كخطوة اولى للتطبيع ، موقف يُمثّل عَودّة الى السياسة العربية تجاه اسرائيل في سنوات قبل عقديّن من الزمن ؛ حيث النص على حق لبنان بأستعادة اراضية المحتلة و الاشادة بالمقاومة اللبنانية ، والنص على سيادة سوريّة على هضبة الجولان وحق سوريّة أسترجاع اراضيه المحتلة ، وكذلك اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha