د.محمد العبادي ||
ورد في كتب اللغة معنى كلمة (تجسس)؛بمعنى الفحص والبحث عن شيء فقد ورد: ( وجَس الخبروتجسسه :بحث عنه وفحص)(1)، وذكر ابن فارس في مقاييسه أن الجاسوس سمي بذلك(لأنّه يَتخبَّرُ مايُريده بخفاء ولطف)(2).فالجاسوس هو الذي يبحث عن الأخبار بخفاء .
وبعيداً عن التعاريف الإصطلاحية لأهل الفن والصناعة؛فإنّ الإرث الثقافي للمسلمين فيه مايغني في توضيح معنى التجسس؛حيث نجد القرآن الكريم يحدثنا عن ممارسة العمل التجسسي في قصة موسى عليه السلام ( وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لايشعرون)(3) حيث عملت أخت موسى عليه السلام على تقصي أخباره من دون أن يشعروا بها .
ثم نشاهدها لاتكتفي بتقصي أخباره؛بل تؤدي وظيفة أخرى في توجيههم نحو الهدف أو العائلة التي تتكفل برضاعه وتربيته (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون)(4).
وفي قصة يوسف عليه السلام نلاحظ أن النبي يعقوب يوجه أبناءه نحو يوسف وأخيه (يابني إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه )(5) إنّ النبي يعقوب عليه السلام يبعث أولاده لمعرفة حقيقة العلاقة بين فقدان يوسف ثم من بعده إبنه الآخر،ومتابعة آثارهما وأخبارهما.
وفي قصة أصحاب الكهف نلاحظ بعد ذلك اللبث الطويل يبعثون أحدهم ويوصونه بالتخفي والحذر الشديد (وليتلطف ولايشعرنّ بكم أحدا)(6).
وفي زمن الرسول الأكرم حصلت أكثر من حادثة مارس فيها المسلمون أو غيرهم الإستطلاع ،ونقل الأخبار ،أو تضليل العدو والإيقاع به .
قبل أيام أعلن رئيس وزراء كيان الإحتلال الصهيوني فقدان الجاسوسة إليزبيث تسوركوف في العراق وحمل فيها حكومة العراق عن مسؤولية أمنها وسلامتها ، وأشار إلى مسؤولية كتائب حزب الله في موضوع إختفائها .
إنّ القانون العراقي يمنع أي شكل من أشكال التعاون السياسي والإقتصادي والثقافي والفني والعسكري والأمني والعلمي وتحت أي عنوان أو نشاط كان ؛فيما جاءت هذه الجاسوسة بخطوات مكتومة ،وبهوية مزيفة إلى العراق، وتتحرك في بعض الأوساط السياسية والشعبية.
في عالم الجاسوسية إستخدموا مختلف الأساليب للتمويه عن حقيقة أعمالهم التجسسية ؛فقد إستخدموا الإعلام كغطاء للتحرك ، واستخدموا البحث العلمي كوسيلة للتنقل والوصول إلى المطلوب ، واستخدموا الشركات التجارية للإطلاع على تفاصيل النشاط التجاري واستخدموا المؤتمرات لتجنيد بعض النخب والشخصيات العلمية والسياسية والإجتماعية وغير ذلك .
لا أعرف من هي الجهة التي قامت بتزكيتها ومنحها سمت الدخول مع العلم أن جواز سفرها يشير إلى كثرة أسفارها في مثلث الأزمة في المنطقة (سورية ،تركيا ، العراق وشمال العراق)؟!
وربما كان لديها جوازات سفر أخرى تستعملها عند سفرها لإسرائيل وغيرها من دول العالم .
لا أدري من هي الجهة التي إحتضنتها ووفرت لها الغطاء في التحرك لأخذ المعلومات عن جهة رسمية تابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة (الحشد الشعبي والجهات السياسية الموالية لإيران)؟!
لقد أخفت هويتها الحقيقية في أنها كانت ضمن جهاز الإستخبارات في الجيش الإسرائيلي ،وتعيش في مستوطنة (الداد ) قرب بيت لحم .
أخفت هويتها في أنّها إلتقت قادة المعارضة السورية، وشاركت مع ثوار الناتو ضد الجيش العربي السوري،وجاءت للعراق أثناء التظاهرات في سنة 2019م.
أخفت هويتها في أنها إنتقلت من جهاز الإستخبارات العسكرية في الجيش إلى الموساد الإسرائيلي ،لأنها تتمتع بمواصفات العمل فيه مثل أمتلاكها مهارات إجتماعية ، وإمتلاكها لحافظة قوية مكنتها من إتقان أربع لغات (الإنجليزية والروسية والعبرية والعربية )، ولديها قدرة على التشخيص والتحليل والإستنتاج .
إنّ كثرة تنقلها وأسفارها الكثيرة وتحركاتها تشير إلى وجود شبكات إرتباط وتأمين، ونقاط تواصل لتمرير المعلومات حول الجهات الفاعلة والمؤثرة الرسمية والشعبية في أكثر من بلد .
إن إسرائيل كانت قد تكتمت على موضوع إختفائها ،وتواصلت مع شبكة عملائها في العراق حول مصيرها ،وبعد أن أجرت الأجهزة الأمنية تقييماً للمعلومات المتوفرة لديها أعلنت عن إختفائها .
على الإسرائيليين أن يعلموا أن تحركاتهم وأنشطتهم التجسسية باتت هي الأخرى تحت الرصد،وان أوكارها ستتلقى ضربات موجعة في المستقبل القريب.إنّها ردت الفعل التي أيقظت الوعي عند المسلمين،وقابلوا الكيد بالكيد والمكر بالمكر (اللهم من كادنا لنا فكده ، ومن مكر بنا فامكر به).
1ـ لسان العرب ،ابن منظور الافريقي،ج6ص38،مادة جَسَسَ.
2ـ معجم مقاييس اللغة ، ابن فارس الرازي،ج1ص414،مادة جَسَّ .
3ـ سورة القصص، الآية 11.
4ـ سورة القصص،الآية 12 .
5ـ سورة يوسف،الآية 87 .
6ـ سورة الكهف،الآية 19.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha