محمد شريف أبو ميسم ||
كشفت الأزمة الأخيرة مع الجارة تركيا، بشأن رفض استئناف تصدير النفط العراقي من اقليم كردستان وكركوك عبر الخط العراقي التركي الى مرفأ جيهان عن ملامح الستراتيجية التركية في التعامل مع العراق، عبر وضع شروط غير منطقية من قبيل الزام العراق بدفع رسوم نقل النفط خلال فترة توقف ضخ النفط منذ 25 آذار الماضي، مع ان التوقف لم يكن بقرار عراقي وانما بقرار محكمة دولية مستقلة هي محكمة غرفة التجارة الدولية في باريس. فضلا عن المطالبة بسحب الدعوى المتعلقة بقرار المحكمة الخاص بالتعويضات لصالح العراق من الفترة 2018 الى 2022 وهي الفترة التي قام الاقليم بتصدير النفط دون موافقة الحكومة المركزية، تمهيدا لإلغاء مبلغ الغرامة التي أقرتها المحكمة والبالغة 1.471 مليار دولار فضلا عن زيادة كلفة التصدير عن ما كانت عليه عبر مرفأ جيهان، مستغلة حاجة العراق للأموال بهدف تغطية العجز في الموازنة، ومسببة خسارة مالية للعراق قدرها مليار دولار شهريا جراء توقف ضخ النفط.
والمنطلق الفوقي للموقف التركي هذا، قائم وعلى ما يبدو على ستراتيجية غائرة منذ سنين في النية التي مسكت بملف المياه عبر مشروع الكاب المكون من نحو 21 سدا على الروافد التي تصب في نهري دجلة والفرات، يتقدمهم سد اليسو العملاق على نهر دجلة، وهذا الملف هو الأخطر ، اذ يراد به اخضاع قرار المفاوض العراقي دائما لمساومات هذا الملف تحت أي ظرف.
وهنا تتجلى أهمية المهارة التفاوضية في عدم التعاطي مع مفردات هذا الملف بمعزل عن الملفات الأخرى التي تربط بالمصالح المشتركة بين البلدين ومن أهمها ملفي التبادل التجاري الذي تجاوز نحو 20 مليار دولار سنويا لصالح تركيا ، وملف الطاقة الذي تريد تركيا توظيفه لضمان حصولها على النفط والغاز العراقي بأسعار مخفضة بما يجعلها بمأمن من أي تقلبات سعرية في أسواق الطاقة، مقابل حصول العراق على حصة من المياه، وبما يضمن عدم قدرة العراق على النهوض بالقطاع الزراعي لتحقيق أمن غذائي وبالتالي عدم القدرة على النهوض بقطاع الصناعات الغذائية والتحويلية لضمان استمرار صعود حجم التبادل التجاري لصالح الجانب التركي .
وعلى هذا، ليس أمام العراق سوى الاعلان عن برنامج أو ستراتيجية وطنية لاستخدامات المياه ، تتبناها الحكومة لخمسين عاما مقبلة على أقل تقدير، بشأن استثمار المياه الارتوازية للأغراض الزراعية والصناعية، وبناء المزيد من السدود للاحتفاظ بمياه الأمطار، والمباشرة بوضع تصاميم مشروع تحلية مياه البحر في البصرة والتحرك على الجانب السوري بشأن اعادة احياء انبوب النفط "كركوك بانياس" واعادة احياء مشروع "صنع في العراق" مع اطلاق مبادرة زراعية صناعية جديدة مدعومة بقانون حماية المنتج المحلي، حينها سنستمع الى لغة مختلفة مسالمة في جميع القضايا العالقة بين البلدين.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha