متابعة ـ تبارك الراضي ||
في كل عام، مع قدوم الموسم الحار في العراق، والذي يبدأ في وقت أبكر بكثير من الصيف في السنوات الأخيرة، تصبح مشكلة تزويد الناس بالكهرباء والمياه أحد الشواغل الرئيسية للحكومة، وأيضًا مصدر قلق للمواطنين.
وفي الوقت نفسه، مع زيادة عدد السكان والمباني الحضرية الجديدة، ازداد حجم الاستهلاك وحاجة الحكومة إلى إمدادات الكهرباء.
ومع ذلك، في ظل عدم قدرة العراق على توفير جزء كبير من احتياجاته من الطاقة داخليًا لأسباب مختلفة، والاعتماد على الواردات من الدول المجاورة، وخاصةً إيران، فإن الضغوط المالية للولايات المتحدة تتدخل في هذه العملية.
وبسبب سيطرة واشنطن على شرايين العراق المالية والنقدية، أصبحت بغداد عالقةً في وسط متطلبات ضرورية للتفاعلات المالية مع إيران، والامتثال للعقوبات الأمريكية الأحادية على طهران.
وقد جددت هذه القضية في الأيام الأخيرة انتقادات من بعض التيارات في البرلمان والأحزاب الحاضرة في مجلس الوزراء العراقي، الذين طالبوا باستقلال العراق المالي عن السيطرة الأجنبية المباشرة مثل الدول الأخرى في العالم.
وفي هذا الصدد، انتقد هادي العامري، رئيس ائتلاف فتح في مجلس النواب العراقي، مؤخرًا اعتماد البلاد على الولايات المتحدة، وقال إنه من المعيب أن يسيطر موظف في الخزانة الأمريكية على العراق.
وفي إشارة إلى تدخلات أمريكا وعرقلة هذا البلد في سداد ديون الغاز العراقية لإيران، قال العامري إن الأمريكيين حذروا العراق من أنهم سيعاقبون إذا دفعوا ديونهم لطهران نقدًا.
وأوضح العامري الشهر الماضي عن أزمة الدولار في هذا البلد والتي نتجت عن التدخلات الأمريكية: لأن احتياطيات الدولار لدى البنك المركزي العراقي موجودة في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن العراق لا يتمتع باستقلال اقتصادي. ويعلم الجميع كيف يستخدم الأمريكيون الدولار كسلاح لتجويع الشعوب.
وفي السياق نفسه، اعتبر علي الفتلاوي، أحد قادة تحالف الفتح الآخرين، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي السبب الرئيسي لارتفاع سعر الدولار في الأسواق العراقية.
وجاء احتجاج هذه الشخصيات السياسية على سيطرة واشنطن على النظام المالي والنقدي العراقي، في حين نظمت مظاهرة في المنطقة الخضراء ببغداد أمام السفارة الأمريكية أواخر الأسبوع الماضي، طالب خلالها المتظاهرون بخفض التدخل السياسي الأمريكي من خلال سفير هذا البلد في العراق.
· آلية مراقبة أموال النفط العراقي في الاحتياطي الفيدرالي
بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، سعت القوة المحتلة إلى إقامة نظام سياسي في العراق بحيث يضمن هيكلياً نفوذها في مستقبل العراق.
وكان النظام الاقتصادي للعراق من أهم الإجراءات في هذا المجال، والذي تمّ من خلال دور بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في السيطرة على عائدات مبيعات النفط العراقي، وسعر صرف الدينار، وغير ذلك من الأمور التي مكنت الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على الاقتصاد العراقي.
وكان السبب الرئيسي لتأسيس هذا الهيكل الاقتصادي، هو تحديد آلية لدفع تعويضات للدول المتضررة من سياسات صدام، والتي كان يجب دفعها من عائدات النفط العراقي في البنك الفيدرالي الأمريكي.
ولهذا الغرض، وبناءً على قرار مجلس الأمن رقم 1483، تم إنشاء صندوق التنمية العراقي وفتح حساب في الاحتياطي الفيدرالي، لإيداع أموال مبيعات النفط لدى هذا البنك. وقد تم منح هذا الحساب حصانةً دوليةً، حتى لا تتم مصادرة أموال العراق الأجنبية نتيجةً لقرارات المحاكم الدولية التي قد تصدر في دعاوى قانونية ضد النظام السابق.
ومنذ ذلك الحين إلی اليوم، تودع عائدات النفط العراقي أولاً في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بعد خصم 5٪ منها كتعويض عن عدوان العراق على الكويت، والذي تمت تسويته بالكامل العام الماضي.
وبعد ذلك، يتم إرسال طلب من وزارة المالية العراقية إلى الاحتياطي الفيدرالي لتحديد أين سيتم إنفاق هذه الأموال، وتتم مراجعة هذا الطلب من قبل مجلس الاحتياطي الاتحادي، وفي حال الموافقة عليه تودع أموال النفط في حساب البنك المركزي العراقي، وتستغرق هذه العملية 20 يوماً.
يتم تحويل هذه الأموال بالطائرة من أمريكا إلى البنك المركزي العراقي في بغداد، ويقال إن كل طائرة تحمل نصف مليار دولار، وفي غضون ذلك يتم دفع تكلفة النقل والحماية والتأمين من الخزينة العراقية.
ورغم أنه عقب الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة عام 2010، انتهى احتلال العراق رسمياً في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، واستناداً إلى قرار مجلس الأمن لعام 1956 انتهى وجود صندوق تنمية العراق، ولكن في الممارسة العملية، تم الحفاظ على الرقابة المالية والإشراف من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على البنك المركزي العراقي.
الدورة النقدية في العراق هي كما يلي:
1. تذهب عائدات النفط إلى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
2. ترسل الى البنك المركزي العراقي
3. تباع الدولارات في مزادات العملات
4. شراء الدولارات من قبل التجار والبورصات والمؤسسات الحكومية العراقية
بينما تسبب هذا الهيكل المالي في مشاكل كبيرة للحكومات العراقية، ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين العراقيين، أن تقلبات سوق العملات وتزايد التضخم وتشكيل السوق السوداء للعملة، رغم الزيادة الكبيرة في مستوى المبيعات والعائدات النفطية لهذا البلد خلال العام الماضي، هي نتيجة للسيطرة الأمريكية على عائدات النفط العراقي، فإن وضع الأموال في البنك الاحتياطي الفيدرالي له مزايا عديدة لأمريكا، منها:
1- الأموال الضخمة في البنك الفيدرالي الأمريكي تزيد من قوته
2- من الممكن إقراض ذلك المال بفائدة بدلاً من دفع الفوائد للعراق
3- عند تحويلها إلى العراق يتم خصم الكثير من تكاليف تحويل الأموال، وبهذه الطريقة تستفيد الشركات التابعة له
4- عند تحويل الأموال بالطائرة، يجب على الحكومة العراقية تأمين هذه الأموال ضد الحوادث مثل السرقة والحريق وما إلى ذلك، وكل هذه التكلفة تتحملها الحكومة العراقية.
5- التحكم في بيع النفط بالدولار الأمريكي فقط يعني بشكل أساسي السيطرة الكاملة على الوضع الاقتصادي للعراق، وبالتالي الضغط السياسي على الحكومات العراقية.
على سبيل المثال، يتم دفع الأموال من البنك الفيدرالي فقط بناءً على طلب الحكومة - وزارة المالية العراقية، والذي يتم من خلال ذكر التفاصيل الدقيقة لمصادر دفع تلك الأموال. وهذا يعني أن هذا الاحتياطي الفيدرالي يتحكم في مصادر الصرف داخل العراق، وهذا ما شهدناه في قضية تقييد الحكومة العراقية لتزود بالكهرباء من إيران.
العراق لديه تبادلات تجارية مع إيران في مختلف المجالات. ويصل حجم التبادل التجاري للسلع إلى 9 مليارات دولار سنوياً، وبالتالي هناك اتجاه جديد للتحويلات المالية يمنع رجال الأعمال العراقيين من تحويل الأموال إلى إيران مقابل البضائع المشتراة.
من ناحية أخرى، فإن السيطرة على النظام المالي العراقي توفر للولايات المتحدة أداة ضغط للسيطرة على شراكات العراق الخارجية، من أجل منع هذا البلد من التحرك نحو تعاون مكثف مع منافسين مثل الصين، التي تعمل على تطوير نفوذها ووجودها في غرب آسيا والخليج الفارسي، وهذا الموضوع يمنع بغداد من الاستفادة من الفرص الاقتصادية، ولا سيما المشاركة في مشروع الحزام والطريق الصيني. وقد عزز هذا الوضع الآن المطالبة العامة بإنهاء الهيمنة المالية الأمريكية على عائدات النفط العراقي.
في الحقيقة، يرتبط أحد العوامل الرئيسية للاستقلال السيادي للحكومات باستقلال بنكها المركزي، ويجب أن يتمتع العراق، كبلد لعشرات الملايين من الأشخاص بخلفية تاريخية ومكانة إقليمية بارزة، باستقلال سيادي في هذا المجال.
مصدر : موقع الوقت
،،،،،،
https://telegram.me/buratha