عمّار الولائي ||
عن الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية طويلة:(... فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون فيقتله السفياني ومن تبعه،ثمّ يقتل الأصهب،ثمّ لا يكون له هِمَّةٌ إلّا الإقبال نحو العراق… الخ) الغَيبة للنعماني ص ٢٩٨
السؤال هنا هو: ما الذي يربط السفياني بالعراق؟ ولماذا وُصف روائيًّا بأنّه لا يكون له هَمٌّ إلّا التوجه نحو العراق والدخول إليه ؟
من الواضح أنّ الواقع العراقي يختلف كثيرًا عن الواقع السوري،ولذلك من الغريب أن نجد السفياني متعجِّلًا جدّاً لدخول العراق، فما علاقة هذا الرجل السوري بأوضاع العراق،وما هو شأنه بالداخل العراقي؟ مع أنّ التأريخ يخبرنا أنّه لم تكن هنالك حوادث تأريخية من هذا النوع.
ولكي نفهم القضية بعمق يجب أن نبحث عن مشغّلي السفياني ومَن لهم مصالح ستراتيجية في إنضاج مشروعه اللّعين.
إنَّ قراءة متأنّية لمرحلة ما قبل الدخول الأمريكي للعراق ومقارنتها بالوضع السوري الذي بدأ عام ٢٠١١ سيضع أيدينا على ملاحظات هامة جدًا ستعيننا على استشراف المستقبل، فقد بدأت الانتفاضة الشعبانية المباركة عام (١٩٩١)،حيث تمكن الشعب العراقي بمعونة قوى المعارضة من إسقاط العديد من المحافظات ولم يبقَ سوى رأس النظام،
لكن الشيطان الأكبر رأى أنّ دخول القوى الإسلامية الشيعية على الخط سيعني بالضرورة تسنّمهم لمقاليد الحكم وولادة جمهورية إسلامية ثانية على غرار إيران، ولذلك اتُّخذ قرار الإبقاء على صدام لعدم وجود البديل الجاهز؛لأنّ مشكلة أمريكا كانت تتلخّص في أنّ الشعب العراقي لن يقبل بالنموذج الأمريكي كبديل عن صدام (لعنه اللّه)وأنّ قبوله بالبديل الأمريكي يحتاج الى تجويع هذا الشعب حتى يصل الى مرحلة القبول بأي بديل مهما كان نوعه تحت قانون وسياسة(جوّع كلبك يتبعك) ولذلك عملت على محاصرة الشعب العراقي اقتصاديّاً محاصرة ظالمة لمدة (١٢) عاماً وكانت تعتقد بأنّها كافية لكي يقبل بالبديل،وبسبب الحصار الأمريكي على العراق في تسعينيات القرن الماضي توفي مليون ونصف مليون طفل عراقي نتيجة الجوع ونقص الدواء الحاد وافتقادهم إلى أبسط وسائل الحياة.
خلال الإثني عشر عاماً حدثت ثلاث تطورات هامة :
الأولى : تأسيس إقليم كردستان العراق
الثانية : قيام أمريكا بإضعاف النظام الصدامي وتقليم مخالبه شيئاً فشيئاً بحيث كانت تقصف العراق بصورة مستمرة بين حين وآخر خلال ١٢ عامًا مع فرض مناطق حظر الطيران.
الثالثة : تحول منطقة جنوب العراق الى منطقة منتفضة وقلقة وفقدان صدام السيطرة عليها في أوقات متعددة.
وأخيرًا جاءت اللحظة الحاسمة،حيث وصلت أمريكا الى قناعة بأنّ الشعب العراقي ما عاد يتحمَّل،وأنّه مستعدٌّ لتقبُّل البديل حتى لو كان شارون!! والبديل الذي كانت تعدُّه أمريكا كان عليه أن يحوِّل الشعب العراقي الى شعب لا يعادي أمريكا وغير مشاكس ومتقبِّل لفكرة إنهاء الصراع الإسلامي الصهيوني من خلال تمرير ناعم للدستور ونظام الحكم الجديد،مع ملاحظة أنّ النجف الأشرف ليست متحمِّسة للدخول في الشأن السياسي كما كانوا يعتقدون!
في العام ٢٠٠٣ حُلَّ الجيش العراقي من قبل الحاكم المدني (بول بريمر) وكان خطأ ستراتيجيا تقع فيه الولايات المتحدة حيث انهيار مؤسسة الجيش فتح الباب على مصراعيه لحقبة من الانفلات والتدخل الإقليمي والدولي في الشأن العراقي، وفي قبالة ذلك اكتشفت أمريكا واقعًا مغايرًا لكل تصوراتها، حيث أظهر الشيعة بقواهم وأحزابهم الإسلامية ومرجعيتهم ممانعة ومقاومة سياسية منقطعة النظير لأي نموذج أمريكي يتم فرضه على الشعب العراقي،وبعد أن وقع الفأس في الرأس أدركت أمريكا أنّها تورطت ورطة كبيرة وأنّ الشيعة تلقّفوا فرصتهم التأريخية لتأسيس نظام حكم يحفظ حقوقهم ويؤمن مستقلبهم السياسي فخسرت أمريكا معركة فرض الدستور ومعركة فرض رئاسة وزراء ومعارك أخرى كثيرة، وبالنتيجة ندمت أمريكا على أمرين :
الأول :حلّ الجيش العراقي وإنهاء النظام الصدامي البعثي بالكامل
الثاني: تمكين الشيعة من الوصول الى الحكم في العراق والسماح لمرجعيتهم من فرض نفسها في مقام السلطة الروحية على كل العراقيين بمختلف مذاهبهم
وهي بالنتيجة فشلت في تطويع الشعب العراقي المؤمن ليكون من المتقبلين لفكرة إنهاء الصراع الإسلامي مع الصهاينة، والخلاصة: أنّ الولايات المتحدة ستبقى دائما تعمل على تصحيح ما تعتبره أخطاءً في العراق.
تعالوا معنا الآن الى الشأن السوري،ولأنّ أمريكا تريد أن تستفيد من السيناريو العراقي بشرط تجاوز الأخطاء السابقة فقد عمدت الى ما يلي :
أولًا :العمل على تأسيس مارقة من جهة الترك (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا) للأكراد السوريين وجناحهم العسكري (قوات سوريا الديمقراطية)
ثانيًا: فرض حصار ظالم على الشعب السوري بدأ منذ ٢٠١١ واشتد في عهد المجرم ترمب حينما فرضت إدارته قانون عقوبات اقتصادية بحق الشعب السوري اسمته ((قانون قيصر)) وهو عبارة عن عقوبات اقتصادية استهدفت الدولة السورية وحلفائها والشركات والأفراد المرتبطين بها والذي أدى إلى شلّ مفاصل اقتصاد الدولة السوري باستهداف البنية المالية له (مصرف سوريا المركزي) والشبكات والمصارف المرتبطة به،فضلا عن وضع قيود على حركة التبادل الاقتصادي بين الحكومة السورية وحلفائها من المواد الغذائية والإنشائية والأموال والوقود وو… الخ
ثالثاً: تقليم مخالب بشار الأسد وقضم الأراضي وتحويل الجنوب الى منطقة صراع مسلح، وما يشغل بال أمريكا في سوريا عدة أمور
الأول: المحافظة على النظام السوري من دون تغيير وعدم حل الجيش،لكي لا تتكرر أخطاءها في العراق؛ولأنّ انهيار النظام السوري بالكامل سيعني بالضرورة انفلاتاً أمنياً والسماح بتواجد قوى معادية لإسرائيل بالقرب من حدودها
الثانية: وجود بديل من داخل النظام السوري يدين له الجيش بالولاء الكامل ويكون قادرًا على قمع كل انفلات أمني للمحافظة على الجيش ويكون مستعدًا لتنفيذ المطالب الغربية
الثالثة :أن يكون هذا البديل قادرًا على تصحيح الأخطاء الأمريكية في العراق فينفِّذ ما يُطلَب منه مِنَ القيام بانقلاب عسكري مدعوم من جانبه داخل العراق واجتياح الحدود وإسقاط آخر الحكومات الشيعية التي جيئت من رحم أحزاب ترفع شعار المقاومة لأمريكا وإسرائيل والولاء لإيران وولاية الفقيه ومن ثَمَّ إكمال مهمّته بالتوجه نحو النجف الأشرف والقضاء على عاصمة التشيع وقيادتهم الدينية العليا.
ولذلك فكلّما ازداد الشيعة في العراق قوة وكلما تعاظمت سلطة ونفوذ النجف الاشرف في مواجهة المخططات الأمريكية كلما أصبحنا أقرب للتهوّر الأمريكي وتنفيذ آخر المشاريع وهو مشروع السفياني،ومن ذلك يتبيّن أن مشغّلي السفياني مع أنّهم سيؤسسون مشروعه في سوريا إلّا أنّه لا هَمَّ لهم إلّا العراق وشيعة العراق والنجف الاشرف الذي سبب لهم صداعًا مزمنًا منذ ٢٠ سنة مضت،وفي رأينا أنّنا نقترب كثيرًا من آخر الحلول الأمريكية في العراق بعد فشل ورقة الاحتلال والطائفية والقاعدة وداعش وورقة الشارع والانقلاب السياسي الناعم والعسكري والحرب الشيعية الشيعية،وبذلك يمكن أن نجد مقاربات ما بين البلدين السوري والعراقي وكيفية تطبيق المخططات الامريكية بنفس السيناريو في البلدين ونصل الى الإجابة السياسية عن معنى قولهم (عليهم السلام): ليس له هِمَّةٌ إلّا التوجه نحو العراق
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha