السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٣/٨/١.
أعتقدُ كلاهما ( تنسيق وتنافس ) هما السائدان الآن بين البلديّن ،حيث تربطهما اهداف و اتفاقيات استراتيجية اقتصادية وسياسيّة و عسكرية ،تتجاوز حدود و جغرافية البلديّن .
تنسيق حين يكون الهدف ازاحة النفوذ الغربي ( الامريكي و الفرنسي ) ، وتنسيق وتعاون وتبادل اداور حين تروم ايران اهدافاً تختلف عن تلك التي تسعى اليها روسيا .
تنافس كذلك ولكنه رهن التخطيط و مؤجّلْ ، و أذا احتدمْ في المستقبل ، فسيكون تحت السيطرة ،طالما كلا البلدان يتبنيّان اهداف استراتيجية مشتركة وبعيدة المدي و مُعلّنة؛ روسيا تتبنى انقاذ افريقيا من الاستغلال والامبريالية الغربية ، و ايران تتبنى نُصرة المستضعفين و التحرّر من الشيطان الاكبر ، و حسبَ تصريحات الجمهورية الاسلامية في ايران .
لنأتي اولاً على روسيا و افريقيا حيث جمعتهما قمّة بطرسبورغ ،قبل ايام قلائل بدعوة وبتنظيم من قبل الاتحاد الروسي .ماذا حدثَ في القمّة و ماذا حدثَ تزامناً مع القمّة ؟
كرّرَ الرئيس بوتين تنديده لاستغلال امريكا و الغرب لثروات افريقيا ،ومنذ عقود ، تعهّد بتزويد الدول الافريقية بالحبوب وعلى شكل دفعات و مجاناً ،تعهّد الرئيس بوتين ايضاً بتعاون مع الدول الافريقية من اجل مكافحة الارهاب ومكافحة الفساد ونهب ثروات افريقيا .
حضرَ القمّة زعيم فاغنر ،او قائد التمّرد الفاشل والذي دام يوم واحد ! والتقطَ صوراً تذكاريّة مع بعض رؤساء الدول الافريقية ، وقائد فاغنر معروف في افريقيا اكثر مما هو معروف في روسيا ،لانها ساحة عملهِ ومنذ سنوات .
وما يجري الآن من تقارب روسي افريقي ، وتغييرات في هرم السلطة في بعض الدول الافريقية تعود الى جهود ومساعي قائد فاغنر الجنرال بريغوجين .
تزامناً مع قمّة بطرسبورغ ، أُطيحَ برئيس البلاد في نيجيريا ، والموالي لامريكا وللغرب ،وتولى زمام السلطة قائد الحرس الجمهوري ، القريب الى موسكو ، وعمّت البلاد تظاهرات عجّتْ بالاعلام الروسيّة .
وقررت نيجيريا ايقاف تصدير اليورانيوم لفرنسا و الغرب ، قرار لم تستسيغه فرنسا وهدّدت بتدخل عسكري ،اثار حفيظة وتضامن دول افريقية اخرى ( مالي و بوركينو فاسو وغينيا ) ، مع نيجيريا . ستطلب نيجيريا حتماً دعم عسكري روسي ،و لن تتردّدْ روسيا عن دعم نيجيريا عسكرياً . أو ليسَ الناتو و فرنسا يحاربون روسيا في أُوكرانيا ! مشهد آخر ،قابل للتطور نحو نزاع دولي بين الكبار مسرحه ، افريقيا وليس فقط اوربا .
قمّة بطرسبورغ ، حضور بريغوجين القّمة ، تعهدات الرئيس بوتين للدول الافريقية ، و الانقلاب في نيجيريا ، و قرار حكومة بوركينو فاسو في الامس ، و القاضي بإيقاف تصدير اليورانيوم الى الغرب ؛ احداث تزامنت و أجتمعتْ ليس بمحض الصدفة ، وجميعها تعزّز موقف الرئيس بوتين وتعزّز موقف روسيا وحلفاءها ،وفي مقدمتهم إيران .
قبل اسبوعيّن ، انهى الرئيس الايراني جولته الافريقية ، و التي شملت ثلاث دول ،كينيا ، اوغندا ،زمبابوي . وفسّرها بعض المحلّلين بمحاولة ايرانيّة لفك عزلتها الدولية و الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها ، بيدَ أنَّ الهدف ابعد من ذلك بكثير ويندرجُ في اطار تنسيق استراتيجي روسي -ايراني ،مُثمر و منّتج .
لاشك ،بأنَّ لايران اهداف اقتصادية ، وتروم ايران ايجاد اسواق لصناعاتها المدنية و العسكرية . و جولة الرئيس الايراني جاءت بوقت والدول الافريقية تنتفض ضّدَ الهيمنة الغربية ،وتبحث عن مسار دولي آخر للتعاون والتنمية ، وتضعُ الدول الافريقية اسرائيل في محور الدول الغربية ، ولاسرائيل ايضاً دور و مصالح في كثير من الدول الافريقية . هدف الحضور والدور الايراني في افريقيا ليس منافسة روسيا ، وانما بكل تأكيد منافسة الدور الاسرائيلي ،والعمل على تقليصه قدر الامكان ،و الاستفادة من ظرف النهوض الشعبي و الرسمي الافريقي ،المعادي للغرب ، و مِنْ الحضور الروسي و قوات فاغنر ،والتي تسعى الى تقليص الدور الغربي في القارة السمراء .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha