السفير الدكتور جواد الهنداوي
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات
و تعزيز القدرات.بروكسل . ٢٠٢٣/٨/١٦.
لا يزال العراق ، والحمد لله ، في مسار ديمقراطي ،ومنذ تبنيه الدستور الاتحادي العراقي لعام ٢٠٠٥ . لمْ نبّلور بعد " تجربة ديمقراطية " . لماذا ؟
أفتقرَ مسارنا الديمقراطي الى فكر سياسي و الى نُضجْ سياسي ، وكان و لا يزال دون رؤية و دون بوصلة ، وعليكم أنْ تتخيلوا مسار رُبّان باخرة تجوب عباب البحر وهم دون بوصلة ، و يعاني بعض هولاء الُربّان أو اغلبهم ( و اقصد سياسي المرحلة ) ، مِنْ نقص كبير في النضجْ السياسي . و مَنْ لا يمتلكُ نضجاً سياسياً لا يستطيع أنْ ينتج فكراً سياسياً . عدّة اسباب هي خلف غياب النضج السياسي و الفكر السياسي: من بينها مرحلة الاستبداد و الديكتاتورية و الحروب والعزلة الدولية ،التي مّرَ بها العراق و لاكثر من اربعة عقود ؛ من بين الاسباب ايضاً فترة الاحتلال و الارهاب و ما بينهما الديمقراطية ، و التي شُّوهتْ بسببهما ! فأصبح المشهد السياسي ألمتمقرطْ يّعجُ " بسياسي الصدفة " و " بسياسي النفع الخاص " وهمُ طوارئ على العمل السياسي . كذلك أصبحَ المشهد السياسي يعّجُ ايضاً بأحزاب و حركات سياسية فاقت عدد المشاريع الصناعية والزراعية العامة و الخاصة في العراق . و لا ننسى ايضاً دور اسرائيل او /و امريكا ومصلحتهما أنْ يكون المشهد السياسي في العراق عليلاً و عفناً ، بميكروبات الفساد و مُهدّداً بقنابل موقوته ، خيار تفجيرها بأيديهم ، وفجّروا احداها على حكومة السيد عادل عبد المهدي .
سيستمر مسارنا الديمقراطي دون بوصلة ،الى أنْ يهدي الله اخواننا الكرد في القناعة في حسم مصيرهم ، هل هم ماضون والى الابد مع العراق الاتحادي أمْ هم معه في رحلة سفر ! وينتظرون الفرصة و الظروف المواتيّه ؟
هل هّمْ جادون للعمل للعراق و للاقليم ام هم يعملون في العراق من أجل الاقليم ؟ تساؤلات مشروعة و يفرضها الواقع ، ومن دون سوء نيّة او نزعة عنصرية ،لا سامح الله . و هدف التساؤلات هو العمل من اجل بوصلة لمسار العراق السياسي الديمقراطي ،العمل من اجل عراق اتحادي و موحّد ويتمتع بسيادة داخلية مُطلقة !
و لا أُريدُ الاطالة في شرح مفهوم السيادة الداخلية المطلقة ،وهل للعراق الاتحادي سيادة داخلية مُطلقة ؟
من نتائج مسارنا الديمقراطي ،و المفتقر الى الفكر السياسي و النضج السياسي والبوصلة ، هو ما نشهده اليوم بعد تداول سلمي للسلطة!
مذكرات القاء قبض و حجز اموال و مخاطبة الانتربول الدولي ضّدَ شخصيات ، كانت في الامس ،في اعلى هرم السلطة . لسنا في وارد التعليق او التعقيب على قرارات النزاهة و القضاء ، او النقاش في اتهام او ارتكاب الجُرم او براءة تلك الشخصيات المشمولة بالقرارات ، ولكننا نتوقفْ على حالة و أصبحت ظاهرة ؛ الا وهي : التداول السلمي للسلطة في العراق يعقبه و يليه ، على الاغلب ، فساد وسرقة او اتهامات بفساد وسرقة وأثراء غير مشروع ! أحيانا يُعلنْ عنه رسمياً ، ويطلعُ عليه الداني و القاصي ،مثلما الحال اليوم ، وقد لا يُعلن ويتّمُ التستّر عليه وتتمْ التسوية و التراضي !
بالتأكيد ،لا لومْ و لا عتاب على الجهات الحكومية المعنية ،بل مشكورة لجهودها ولاحترامها للراي العام ولالتزامها بمبدأ الشفافية ،وحرصها على اطلاع المواطن ،ولكننا ندعو الى البحث عن الاسباب التي تسمح للمسؤولين بالعبث بالمال العام ( سرقة ،رشاوى ،اثراء غير مشروع الخ …) هل هناك خلل في القوانين التنفيذية ، خلل في ابرام عقود التعامل ؟ هل هناك دعم و تسهيلات من قبل الاحزاب السياسية او الجهات التي جاءت بالشخصيات المُتهمة ؟
هل هي مسؤولية الشعب ،والذي قلّة منه ،اعتادَ على ثقافة الرشوة و الاغراء ، ام مسؤولية بعض اجهزة الدولة ،التي هي الاخرى اعتادت على الاثراء غير المشروع ، و الابتزاز و السرقة و استغلال المال العام ؟
لا يليق بالعراق دولةً وشعباً ، و لا يليق لديمقراطيتنا أن تتُهمْ قيادة الحكومة السابقة بالفساد ، ولكن ليس في اليد حيلة ،علينا معالجة و محاسبة الاخطاء و الجرائم المالية ، وما هو افضل من العلاج هي الوقاية .
ومن بين اجراءات الوقاية هو تطبيق مبدأ " بيروقراطية في الادارة و ديمقراطية في السياسة " ، ومفاده ان يلتزم المسؤول بتطبيق القانون والقرارات و الاجراءات ،دون اجتهاد و دون تنظير و دون تأخير ، وأنْ يعمل المسؤول ،في وزارته او دائرته ،وفق منطق الادارة وليس وفق منطق السياسة ، و أن يكون ولاءه لمجلس الوزراء وليس لقيادته الحزبية .
شاعَ في العراق الآن ،للاسف الشديد ، بيروقراطية وانضباط صارم في اغلب الاحزاب والحركات السياسية ، و اصبحت ادارات الدولة مُسيّسة ، اي خلاف المعقول والمقبول و المنطقي و المعمول في كل دول العالم الديمقراطية و الدكتاتورية .
وفق المبدأ المذكور " بيروقراطية الادارة و ديمقراطية السياسة " ،نجحت الدول الاوربية الديمقراطية ،في بناء دولها ، وتسمى هذه الدول بدول مؤسسات ، ونادراً ما تجد حالة فساد وسرقة و رشوة ، و إنْ وُجدتْ ،كقضيّة الرئيس الفرنسي الاسبق ساركوزي ، فليس على حساب المال العام الفرنسي ،و انما على حساب اموال الشعب الليبي .
https://telegram.me/buratha