نعيم الهاشمي الخفاجي ||
الثقافة نتاج طبيعي للبيئة، لذلك كل ماكانت المجتمعات تؤمن بثقافة التعايش السلمي واحترام الرأي والرأي الاخر، ينعكس ذلك بشكل إيجابي على تفكير الناس، وينتج تفكير جيد بين أوساط المجتمع، وكلما كانت الثقافة بدوية مبنية على لغة الغزو والسلب والنهب يكون التفكير بعقلية الذباحين وشرابي دماء البشر، لذلك الثقافة والوعي يقودان المجتمعات، إما إلى طريق العيش بسعادة ورفاهية وإما إلى طريق الصراعات الداخلية والاضطهاد وقمع المواطنين تحت شعارات بائسة وساذجة.
بلا شك الدين المتبع في اي مجتمع يكون للدين تأثير على ثقافة وتفكير المجتمع، علاقة الدين بالسياسة ليست محصورة على دين معين، حكمت الديانات السماوية والوضعية مجتمعات الجنس البشري عبر تاريخ البشرية خلال حياتها على كوكب الأرض.
شعوب أوروبا غالبيتهم يتبعون الديانة المسيحية، شعب بولندا بشكل خاص شعب متدين، لكن هذا التدين لم يجعل شعب بولندا شعب متوحش، شعب الصين يتبع ديانات عديدة رغم أن من يحكم الدولة الحزب الشيوعي الذي لايؤمن بالاديان، لكن حكومة الصين الشيوعية تعترف رسميًّا بخمسة أديان، البوذية، والطاوية، والكاثوليكية، والبروتستانتية، والإسلام.
تشكل البوذية الغالبية الساحقة من الشعب الصيني لكن هذا لايعني منع وتهميش الديانات الاخرى، لقد نجح الحزب الشيوعي الصيني نجاح باهر عندما سمح إلى أتباع الديانات في التعبد بمعتقداتهم، بل ودعم القطاع الخاص انتج صين قوة صناعية هائلة، في أوائل القرن الحالي الحادي والعشرين، زاد الاعتراف الكونفوشيوسية والدين الشعبي الصيني بوصفه جزءًا من إرث الصين الثقافي.
لا ضير من وجود علاقة في ثقافة الشعوب العربية ما بين الإسلام والسياسة، مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات مسلمة ولايمكن لأي قوة بالعالم تستطيع تغير معتقدات العرب بترك الدين الاسلامي، والذي يحارب الدين يكون مصيره الفشل والخذلان.
مشكلة الدول العربية ليست في وجود أحزاب أو جماعات اسلامية، بالعراق حكمنا نظام ملكي عميل صنيعة الاستعمار، وحكمنا عملاء الاستعمار البعثيين يدعون أنهم علمانيين وهم كانوا يمارسون الطائفية الدينية والقومية ضد الشيعة والاكراد بابشع صورها، من حكم دول الخليج أنظمة بدوية وليس شيوخ دين، لكن أنظمة الخليج البدوية تعتنق المذهب الوهابي المتشدد، لذلك دول الخليح وبالذات السعودية جعلت الوهابية أشبه بحزب سياسي اسوة بحزب البعث الفاشي بالسيطرة على الشعب السعودي والعمل على على إقناع المجتمع السعودي والخليجي بعدم الخروج على ولي الأمر وإن زنى وسرق وظلم وقتل وسلب مالك وادمى ظهرك، من ألبس السياسة بالدين بدول الخليج وبدولة البعث الساقط هم أنظمة الخليج ونظام البعث الممثل بالمقبورين احمد حسن البكر وصدام جرذ العوجة الهالك، عندما يتم اضطهاد الناس على مذهبهم أو على قوميتهم، أكيد تبرز أحزاب دينية وقومية للدفاع عن أبناء المذهب أو القومية المستهدفة.
الدول العربية صنع حدودها الاستعمار، دمج مكونات وقوميات ومذاهب غير متجانسة مع بعض بدون تشريع دساتير حاكمة لتبقى دولنا فاشلة تعاني من صراعات داخلية تسهل للقوى الاستعمارية التحكم بشعوبنا من خلال عملاء وأدوات الاستعمار.
بالتأكيد رفع الشعارات الدينية والقومية تكون جاذبة لغالبية الجماهير، لذلك غالبية من الناس تذهب مع الأحزاب الدينية والقومية، البعثيين الأراذل استعملوا الدين والقومية لكسب ولاء الكثير من الناس، البعثيين كانوا يرفعون شعارات القومية العربية، لكن تصرفاتهم تكشف أنهم طائفيون أراذل،النتيجة شعارات البعثيين ثبت زيفها ووصلوا إلى طرق مسدود، بحياتي عاصرت جيل من البعثيين المتحمسين للبعث في عام ١٩٧٣ لكن بعد قمع انتفاضة صفر ومنع مراسيم عاشوراء وضرب الحزب الشيوعي العراقي، وعندما انتصرت الثورة الاسلامية، نظام البعث كشف عن طائفية بشكل واضح، لذلك اعرف جيران وأصدقاء بل وأقارب كانوا بعثيين يؤمنون بالبعث تركوا البعث بشكل تدريجي.
من فشل في تنمية البلدان العربية هي الأنظمة الحاكمة المعينة من مشغليهم دول الاستعمار، ولم يكن اي دخل للشعوب والى الأحزاب الدينية اي ذنب في افشال مشاريع التنمية، لايمكن تحميل الاسلاميين مسؤولية فشل مشاريع التنمية وترك الأنظمة القمعية العميلة التي تخدم مشاريع الاستعمار.
من وهب حركة الإخوان المسلمين هي السعودية، واستخدمتهم لخدمة مصالح الاستعمار لضرب مشروع جمال عبدالناصر لتوحيد الدول العربية، من خلال فروع حركة الإخوان المسلمين تم نشر الوهابية بكل أصقاع العالم، في أحداث الربيع حاول تنظيم الإخوان المسلمين إسقاط أنظمة عربية بدعم ووساطة من أردوغان لدى أصحاب القرار في بعض الدول العظمى الغربية، لذلك وقفت دول الخليج ضد الإخوان وجعلتهم تنظيم محظور، ذلك بسبب سعي قيادات حركات الإخوان ان يكونون حكام لتنفيذ مشاريع الاستعمار بدل الأنظمة البدوية التي حكمت مائة عام لذلك من مصلحة الغرب استبدال هؤلاء الخونة بعملاء جدد للضحك على الشعوب العربية لمدة مائة عام جديدة، حتى يتم سرقة ماتبقى من ثروات وخيرات الشعوب العربية، تنظيمات العصابات الإرهابية القاعدة وداعش أجهزة الإعلام العالمية لم يسموهم بداعش بل يسموهم في تنظيم «الدولة الإسلامية » دول الخليج الوهابي أيضا يسموهم في تنظيم الدولة.
الدول الاستعمارية استعملت الأنظمة الخليجية وأنظمة الرجعية العربية واستعملت فروع حركات الإخوان لتدمير الكثير من الشعوب العربية مثل السودان وتونس وليبيا والجزائر وسوريا وكادوا يدمرون مصر لولا يقظة الجنرال السيسي.
تبقى الوهابية المنبع الرئيسي لتفريخ كل جماعات متشددة، تظهر للساحة مثل «القاعدة» و«داعش» طالبان وبوكو حرام …..الخ من عصابات الذبح والقتل والسبي.
المشكلة دول الخليج يدرسون الفكر الوهابي ويهيئون أرضية نشوء الفكر المتطرف وتراهم يصرخون ويقولون سبب المشاكل الإسلاميين، قرأت قصة ذكرها كاتب كويتي يقول ينقل عن صديق له في جلسة في مضيف شيخ عشيرة، يطلقون تسمية الديوانية بالخليج على المضيف، ونحن كذلك بالعراق أيضا نسمي المضيف بالوسط والجنوب أيضا بالديوانية، ينقل «احتجاج طفل مراهق على والده بسبب طريقة شربه للماء»، يقول فقد همّ رجل بتناول بعض الماء وهو خارج من المنزل، فنهره ابنه، وقال له، عليك أن تجلس لتناول الماء، وعندما سأله الأب، من علمك ذلك؟ قال له المدرس علمنا في المدرسة، ثم أضاف الابن إلى ابيه، فلا يجوز «شرعاً» أن تتناول الماء وأنت واقف، بفضل تخصيص الدولة السعودية خمس عائدات البترول لنشر الوهابية، تمددت الوهابية بكل الدول العربية والإسلامية من خلال توهيب حركة الإخوان المسلمين، ومن خلال استقطاب آلاف الأشخاص من كل الدول العربية والإسلامية بالجامعات الدينية الوهابية السعودية، وعند إكمال الدراسة، يعود الطالب إلى بلده مدعوم ماليا يقوم بفتح مسجد لنشر الفكر الوهابي، ومع أموال لدفع رواتب وهبات، لدينا شخص شيعي درس بالسعودية أصبح وهابي، وفتحوا له مسجد في مدينة قريبة علينا، كان يعطي بفترة الثمانينات مبلغ خمسة دنانير عراقية لمن يصلي خلفه، كان مجموعة شباب يصلون خلفه لكسب المال، ويعودون لبيوتهم يعيدون صلاتهم، هذا بمنطقة شيعية ووزع اموال، فكيف اذا كان المسجد في منطقة سنية اكيد يتبنون كل أفكار أمام المسجد الوهابية، لذلك أصبحت ثقافة أجيال العرب والمسلمين الناشئة من فئات الشباب ثقافة وهابية بدوية، وأصبح فهم طبقات الشباب إلى الإسلام وفق المعتقد الوهابي السلفي الرجعي.
الثقافة الوهابية تعتمد في استمرارها بالبقاء على اختلاق الأكاذيب وتصديقها، واستعمال العامل المادي في نشر الوهابية، والتستر خلف كذبة السلف الصالح، واتخاذ الدين سلاح فعال للابادة الجماعية، لذلك أصبحت الثقافة العربية والاسلامية السنية بغالبيتها المطلقة وهابية، وهي ثقافة إستبدادية، انعكست على فئات كثيرة بالمجتمع تبدء من رب العائلة، والمدرسة والشارع والمقهى والمسجد، والإعلام، بل باتت ضمن أدوات السلطة الحاكمة إستغلت ومازالت طبيعة العقل العربي الساذج والجاهل وروضته لمصالح وهابية بدوية رجعية بظاهرها إطاعة ولي الأمر الحاكم لكن لايتحرجون الخروج على ولي الأمر من بوابة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الختام بفضل نشر السعودية ودول الخليج للوهابية أصبح العقل العربي عقل مبرمج ومحدود القابلية للتحليل والتمحيص لأنه مؤدلج حسبما ماتريده الأنظمة السياسية الوهابية الرجعية.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
16/8/2023
https://telegram.me/buratha