ناجي أمهز ||
حقيقة لا أجلس على مائدة الطعام مع الإدارة الأمريكية لأعرف ماذا يقدم لهم من الطعام، ولست طاهيا اعمل في مطبخ النخبة الحاكمة عالميا، لكنني أستطيع أن أعرف أطباق الطعام التي يقدمونها من رائحتها، بل أيضا أستطيع أن أميز جودتها والتوابل المضافة إليها.
عندما قام ترامب بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في أيار 2017، كان حديث العالم حينها هو كيف استطاع ترامب الحصول على 460 مليار دولار، وهذا الحديث لم يقتصر فقط على شعوب العالم الثالث، بل حتى الغرب نفسه سار في هذا الاتجاه، حينها قلت في نفسي لقد دخلت الكرة الأرضية في البرمجة التامة، فقد نجح النظام العميق ببرمجة غالبية العقول.
وعند اول اتصال معي من قبل احد الفضائيات حول زيارة ترامب الى السعودية، طرحت نظرية مخالفة لما كان سائدا على وسائل الاعلام وهو ان السعودية دفعت هذا المبلغ لأن ترامب قام بعملية ابتزاز كبرى تحت عنوان حماية السعودية، والا الإدارة الامريكية هي بالاساس تسيطر على اضعاف هذا المبلغ بمئات المرات من الاموال السعودية في البنوك الامريكية والسويسرية، المشكل ليست بالمبلغ المالي بل كيف استطاع ترامب الحصول عليه "ونقدا".
وتحدثت في المقابلة ان ترامب ربما هدد السعودية بانه لن يحميها بحال لم تدفع له مقابل حمايتها، وهذا الكلام الذي ردده ترامب كثيرا وفي حملته الانتخابية، يؤكد انه لا يوجد معاهدة دفاع مشترك بين السعودية وامريكا، كما يوجد بين امريكا واليابان وامريكا واسرائيل، وما تبقى يدفع مقابل حمايته، ومن لا يدفع لا تحميه امريكا.
(وحقيقة هذا الكلام ليس هو وليدة لحظتها بل منذ سنوات طويلة وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي كنت في احد الصالونات السياسية وتحدث احد النخبة عن قدرة ومكانة وتأثير الرئيس كميل شمعون على امريكا والغرب، حيث قال على الرغم من عدم وجود اتفاقية دفاع مشترك بين لبنان وامريكا، الا ان الرئيس شمعون استطاع ان يخلق الاليات السياسية، ويقنع الرئيس الامريكي ايزنهاور بإرسال المارينز الى لبنان بسابقة لم تحدث في امريكا، فامريكا لا تخرج ابدا عن قواعد المعاهدات التي توقعها مهما كان الثمن)))
وبالفعل بدا ترامب يصعد ضد ايران وفي 8 حزيران 2018 اعلن الخروج رسميا من الاتفاق النووي، وبالرغم من فهمي العميق للسياسة الامريكية، الا انه لم اكن اتوقع ان تصل حماقة ترامب الى هذه النقطة وخاصة ان ايران قادرة باي لحظة ان تقلب الطاولة على سياسة ترامب الخرقاء،
وكتبت وقتها في 29 – 6- 2018 مقالا حمل عنوانا: هل تقصف ايران عربان الصهيونية قبل أن يتم قصفها امريكيا، ومع انه لم يذكر عن اي قصف ايراني لمنشأت النفط السعودية، وبالرغم من مرور اكثر من خمس سنوات على المقال، الا انه بالامس، وبحسب التقارير الواردة فان السعودية مهتمة بوعد امريكي بالمساندة في حال وقوع هجوم كالذي وقع على حقولها النفطية في سبتمبر ايلول 2019والذي يعتقد ان ايران تقف وراءه والتصريح "هنا نقلا عن i24news" وهذا يؤكد بالرغم من عدم معرفتي بالعسكر الا ان القراءة السياسية كانت دقيقة للغاية.
وقد حاولت اكثر من مرة ان الفت نظر الساسة اللبنانيين والعرب، ان الامريكيين بطريقة او بأخرى او ربما بالصدفة خلقوا معادلة جديد في الصراع السياسي وهي التي كشفها ترامب عام 2017 بان امريكا غير مهتمة الا بمن توقع معاهدة دفاع معهم، وهذا الامر يعني انه سيخلق نوعا من التسابق على ارضاء الامريكي من اجحل توقيع هذه الاتفاقية ومها القبول بكافة شروط التطبيع مع الاسرائيلي.
وفي 20 اب 2022 نشرت مقال اكرر لفت نظر الجميع بان بيت القصيد في السياسة العالمية هو: "الذي آخر الانسحاب الأمريكي من المنطقة، ليس الأمريكيين ولا حتى الصهاينة، بل هو ما تم التكتم عليه غربيا وعربيا، عندما زار ترامب المنطقة عام 2017 لإبلاغ بعض الحكام العرب عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وان أمريكا لم تعد قادرة على استخدام القوة، كما فعلت في حرب الخليج عام 1991 بعد الغزو العراقي للكويت، وقال لهم ترامب بصراحة، قد تكونوا حلفاء (السعودية مصر الأردن ودول الخليج الصغيرة) لكن لسنا ملزمين بالدفاع عنكم، فنحن لدينا معاهدات دفاع فقط مع (إسرائيل – اليابان – وحلف الناتو) وأكرر نحن غي ملزمين اتجاهكم بأي شيء، يجب أن تعلموا أننا لم نفعل ذلك لشاه إيران في 1978-1979، ولا للرئيس المصري حسني مبارك في 2011، نحن نعدكم بأمر واحد فقط ان لا نقوم بالانخراط بأي عمل سري ضدكم، ولكن بحال انتفضت شعوبكم ضدكم، ستكونون وحيدين ولن نقوم بأي عمل لإنقاذكم، وصارحهم ترامب بان وضعهم (دول الخليج) أقل أمنا، وحتى مصر بحال انهارت معاهدة السلام مع إسرائيل أيضا ستدخل بفوضى، وتصبح عاجزة عن تأمين احتياجاتها الامنية والعسكرية."
وايضا في 10 اب 2023 اي بعد عام، عدت وذكرت بهذه النقطة تحديدا عندما كتبت مقالا "حقائق يجب ان يعرفها الموارنة والشيعة قبل أن تتعطل لغة الكلام" وكنت احاول ان اذكر الموارنة ان الامريكيين لا يتعاطون مع الناس على قاعدة تحالف وتقارب بل على قاعدة الاتفاقات المكتوبة.
"لا تنسون مقولة كيسنجر لبنان خطأ تاريخي وزيادة في الجغرافيا، ولا تنسون كلام ترامب عندما قال لسنا معنيين إلا بحماية دولتين بموجب الدستور الأمريكي هما إسرائيل واليابان."
لن اطيل كثيرا فالقصد انني منذ سنوات كنت أعرف بماذا تبتز فيه امريكا حلفاءها العرب، وكنت أعرف بان التوقيع على التطبيع هو مسألة وقت فقط، لذلك هناك من يعتقد بان التطبيع مع اسرائيل مقابل توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع امريكا هي فرصة عظيمة جدا بل هو مستعد ان يوافق على كافة الشروط الامريكية مقابل هذه المعاهدة.
بالختام اريد ان اذكر بشيء واحد فقط للتاريخ وربما جميعكم تذكرون تصريحي الشهير عام 2018 ان ترامب سيحاكم بسبب مقتل خاشقجي اليوم ترامب يحاكم، وغدا حتما قد يتم وضع حدا له بذبحة قلبية بسبب انهياره ماليا، الذي اريد ان اقوله ان خطيئة ترامب هي واحدة فقط انه دخل بصراع مباشر مع الشيعة، واليوم لا يمكن لاحد الدخول بصراع مباشر مع الشيعة، ليس لان الشيعة يملكون السلاح بل لانهم ضرورة تستطيع فهم الخارطة العالمية، وهذا ما يسعى بايدن والحزب الديمقراطي تجنبه، مع ان اللوبي الصهيوني يضع جهده من اجل حصول هذا التصادم.
والسلام...
https://telegram.me/buratha