السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٣/١٠٢٢ .
كان الاجدى ان يكون عنوان المؤتمر ،الذي انعقد يوم ٢٠٢٣/١٠/٢١، في القاهرة ، مطابقاً و متماشياً مع واقع الحال ،حيث ترتكب اسرائيل و داعميها جرائم ابادة وجرائم حرب وجرائم ضّدَ الانسانية ،بحق شعب مُحتلْ و محاصر منذ سنوات ، و ممنوع من الحصول على مقومات الحياة الاساسيَة كالماء والغذاء والدواء . كان ينبغي ان يكون عنوان المؤتمر " مؤتمر القاهرة الدولي ضّدَ جرائم الابادة بحق الشعب الفلسطيني " او " مؤتمر القاهرة الدولي لنصرة قضيّة فلسطين " . الغريب في الامر ، أنَّ قيادات عربية و جامعة عربية لا تزال تخاطب اسرائيل بلغة سلام و تطبيع و حّل الدولتيّن ،وهي ترّدُ عليهم بجرائم ابادة ،و اغتيالات ، واعتداءات ، وقضمْ اراضي ، وبخطط مستقبلية استراتيجية تستهدفُ ارضهم و ملكهم ،وتبّث الفتن و النزاعات بين شعوبهم . الغريب في الامر ، أنَّ العرب مطلعين ،بفضل القرآن و التوراة وكتب التاريخ ، على سلوك الصهاينة و افعالهم ، مع الانبياء ومع شعوب العالم ، ويشهدوا اليوم في غزّة جرائمه ،كما شهدوها في صبرا وشاتيلا ، ولكن مع ذلك ، يعقدون مؤتمراً عربياً و دولياً ،بعنوان السلام ،في وقت تحصدُ فيه طائرات اسرائيل ، ارواح الاطفال و النساء و المدنيين .
عنوان المؤتمر لا يُعّبرُ عن تضامن مع شعب غزّة ، و لا يُعّبرُ عن حياد ،بل صراحة يُعّبرُ عن مجاملة لامريكا وللغرب ،و حذر باستخدام مفردات تزعجُ اسرائيل !
لِمنْ رسالة المؤتمر ؟ لاسرائيل وهي كيان محتل وغاصب و مجرم وعنصري ،و يمارس القتل ،ويصف شعبٌ محاصر و مُحتلْ ، وعربيٌ " حيوانات " ! أمْ رسالة لامريكا وللدول الغربية ،والتي تستخف بالعقول حين تدعّي وتقول بحقوق الانسان وحرية التعبير والديمقراطية ، وتوزّع ،لمن يمضي في مشاريعها ، جوائز نوبل للسلام ! أمْ هي رسالة للشعوب العربية ،والتي ادركت الحقائق ؛ ومن بين الحقائق ، الفرق بين الخطاب و الفعل ، او على الاقل ،الفرق بين خطاب الادانة و الاستنكار وقول الحق و خطاب الحياد و مجاملة الظالم و أمريكا ! أمْ هي رسالة تضامن عربي اسلامي مع اهل غزّة قبل استشهادهم ،معناها " نحنُ هنا في القاهرة اليوم ندعمكم بالبحث عن سلام مع مَنْ يقتلكم بالقنابل الفسفوريّة الآن " !
صراحة عنوان المؤتمر لا يُعّبرُ عن تضامن مع شعب غزّة ، ولا يِعبّر حتى عن حياد ، وانما يُجامل و يراعي اسرائيل و امريكا ، و إلاّ ما علاقة للسلام و القنابل تسقط على رؤوس الابرياء ، ما علاقة للسلام وجهود اسرائيل و امريكا و الغرب مستمرة في تشغيل ماكنة القتل و الاجرام و الاستعداد للمزيد !
لماذا مؤتمر دولي للسلام وليس مؤتمر عربي للسلام ؟
وهل من ضرورة لمشاركة الامين العام للامم المتحدة والاتحاد الاوربي ، و الاتحاد الافريقي و ايطاليا ودول اوربية ؟
الجواب ، وبكل صراحة و آسف ، هو لتفادي الخروج ببيان مشترك يدين اسرائيل . أُريدَ للمؤتمر أن يكون دولياً وليس عربياً ،كي تكون مشاركة ايضاً في المؤتمر لاصدقاء و لحلفاء و لداعمي اسرائيل ، و هذه المشاركة تُبرر عدم ادانة اسرائيل ، وتُظهر للغرب اعتدال الرئيس السيسي في مواقفه .
اربعة مواقف بارزة في المؤتمر و ساهمت في مسارهِ .
اولاً . موقف العراق الواضح و الصريح ،والذي تمثل بخطاب السيد رئيس الوزراء ،محمد شياع السوداني . خطاب ندّدَ بما تقوم به اسرائيل ، واصفاً اعمالها بجرائم ابادة وجرائم حرب وجرائم ضّدْ الانسانية .
خطاب ندّدَ فيه تخاذل و تواطئ المجتمع الدولي و منظمة الامم المتحدة ،والتي بدت عاجزة عن تطبيق قراراتها تجاه اسرائيل .
خطاب أشادَ بتضحيات الشعب الفلسطيني ومنذ عام ١٩٤٨ ، واشارَ الى حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس..
خطاب عبّرَ فيه عن دعم العراق اللامحدود لقضية وحقوق الشعب الفلسطيني .
حضور السيد رئيس الوزراء القمة ، وليس غيره ، كان حرصاً منه على تبيان موقف العراق الثابت و غير المتزعزع ، و على ادانة صريحة و واضحة للكيان المحتل .
و اعتقد بأنَّ موقف وخطاب السيد رئيس الوزراء الحاسم ، والصارم ، كان مفاجأة لرئاسة القمة .
ثانياً . قاطعت بعض الدول العربية ،القمة لادراكها مسبقاً بأبعاده و اهدافه ، و بأنه لن يقدّم اي شئ لا للقضية الفلسطينية و لا لشعب غزّة . ما فائدة قمّة و حضورها يتردّد في ادانة جرائم اسرائيل ؟
ثالثاً .كلمة السيد الامين العام للجامعة العربية كانت ، للاسف الشديد ، خارج سياق الاحداث و جرائم اسرائيل ، حيث قال " المدن العربية تعيش في خوف وتحت تهديد الميليشيات المسلحة والجماعات الطائفية و العصابات الارهابية " . كلمة على اثرها غادر امير قطر القاعة وقبل القاء كلمته .
ماذا يقصد السيد الامين العام للجامعة العربية في كلمته هذه ؟ مَنْ هي المدن المقصودة التي تعيش في ظّلْ الخوف ؟ و ما المقصود بالميليشيات المسلحة و الجماعات الطائفية ؟ وهل مناسبة " ذبح غزّة " وقت ملائم لذكر هذا الكلام ؟
ولعلَ الامين العام وفي ذكرهِ للعصابات الارهابية ، يقصد داعش والنصّرة و احرار الشام الخ …
رابعاً . خير ما فعل امير قطر بتركه القاعة قبل القاء كلمته ،و اعتقد ، كانت مغادرته احتجاجاً على ما وردَ في كلمة السيد الامين العام للجامعة العربية .
وخير ما فعلَ السيد رئيس وزراء العراق بعدم مشاركته في الصورة الجماعية للمؤتمر ،حيث ،ومهما كانت اسباب عدم مشاركته ،فأنه لم يكْ مع الجماعة لا في الصوت و لا في الصورة .
https://telegram.me/buratha