التقارير

مليارات ومافيات الموانئ العراقية.. لماذا يُفتح الملف الآن وكم خسر العراق من تهريب النفط والبضائع ومن وراءه؟


في الأسابيع الأخيرة، تحوّل ملفّ الموانئ والتهريب إلى واحد من أكثر الملفات حضورًا في الخطاب الرسمي والإعلامي في العراق؛ ضبطيات متكرّرة تعلنها هيئة المنافذ الحدودية برئاسة عمر الوائلي، تحقيقات حكومية عن تهريب النفط والوقود، وضغوط أمريكية تتهم شبكات عراقية بالمساعدة على تسويق النفط الإيراني الملتفّ على العقوبات، في مقابل أرقام رسمية تتحدّث عن "قفزة تاريخية" في إيرادات المنافذ. خلف هذه الصور المتتابعة يقف سؤال أعمق: كم كان يُفترض أن تورد الموانئ والمنافذ لخزينة الدولة؟ من يسيطر فعليًا على خطوط التهريب؟ ولماذا فُتح الملف الآن بهذا الاتّساع بعد أن ظلّ لسنوات ملفًا "معلومًا مسكوتًا عنه"؟

الموانئ العراقية.. بوابة التجارة ونافذة التهريب في آن واحد

تشكل موانئ البصرة (أم قصر الشمالي والجنوبي، خور الزبير، وغيرها) نقطة الارتكاز الأولى للتجارة الخارجية العراقية؛ معظم الاستيراد، وجزء حيوي من التصدير، يمرّ من هذه الأرصفة، إلى جانب مطارات ومعابر برية يبلغ مجموعها، بحسب تقارير حديثة، نحو 24 منفذًا بين بحري وبري وجوي.

لكنّ هذه البوابة الاقتصادية تحوّلت تدريجيًا إلى واحدة من أكبر ثقوب النزيف المالي. تقارير إعلامية وبرلمانية سابقة قدّرت أنّ العراق يخسر ما يصل إلى 90٪ من إيرادات المنافذ بسبب الفساد، إذ لا يدخل الخزينة أكثر من نحو 1 مليار دولار سنويًا، في حين كان يمكن أن تصل الإيرادات إلى نحو 12 مليار دولار أو أكثر لو أُغلقت منافذ التهرّب والسيطرة الحزبية.

اليوم تتحدّث هيئة المنافذ والجهات المعنية عن "قفزات" في الإيرادات بعد تشديد الإجراءات؛ بيانات رسمية أشارت إلى تحقيق أكثر من 2.2 تريليون دينار عراقي (نحو 1.7 مليار دولار) في عام 2025 من الرسوم الكمركية، مع توقّعات بالوصول إلى ما بين 2.4 و 2.7 تريليون دينار حتى نهاية العام. ومع ذلك، فإنّ المقارنة مع التقديرات السابقة لحجم الفاقد تكشف أنّ ما يُستعاد اليوم ما يزال جزءًا من صورة أكبر، وأنّ ما ضاع عبر سنوات من التهريب والفساد يتجاوز بكثير ما يدخل حاليًا إلى الخزينة.

تهريب النفط والوقود.. من العقوبات على إيران إلى أرصفة البصرة

الطبقة الأخطر في ملف الموانئ ترتبط بتهريب النفط وزيت الوقود، وبالتحديد تشابك هذا الملف مع العقوبات المفروضة على إيران. تقرير لوكالة "رويترز" في نهاية عام 2024 كشف عن شبكة لتهريب زيت الوقود الثقيل تعمل انطلاقًا من العراق، وتستخدم وقودًا مدعومًا مخصّصًا لمعامل إسفلت وشركات صناعية، ثم تُحوّل مئات آلاف الأطنان منه شهريًا إلى التهريب، بما يولّد إيرادات لا تقل عن 1 مليار دولار سنويًا لصالح إيران وحلفائها، عبر أساليب مثل خلط الوقود العراقي والإيراني وتزوير الوثائق وتصدير الشحنات إلى آسيا.

في آذار 2025، اضطرّ وزير النفط العراقي إلى الإعلان بأنّ ناقلات نفط احتجزتها البحرية الأمريكية في الخليج كانت تحمل وثائق مزوّرة تشير إلى أنّ النفط "عراقي"، في حين تُرجّح واشنطن أنّه نفط إيراني جرى تغليفه بأوراق عراقية للتحايل على العقوبات. هذا النمط من العمليات لا يمكن فصله عن بيئة الموانئ والمنافذ؛ فالموانئ هي نقطة عبور الشحنات الرسمية، وأي تزوير للمنشأ أو خلط للنفط يحتاج واجهات قانونية، ومستندات، وترتيبات تمرّ في النهاية من خلال منظومة الموانئ العراقية، سواء في البصرة أو في مرافق خزن ونقل أخرى.

تحليلات أمنية غربية وعراقية تحدّثت كذلك عن تورّط فصائل مسلّحة ومكاتب اقتصادية مرتبطة بها في السيطرة على أجزاء من هذه الشبكات، سواء عبر شركات واجهة في قطاع النفط والخدمات، أو عبر نفوذ مباشر في الموانئ وخطوط نقل الوقود، ما يجعل ملف التهريب جزءًا من اقتصاد سياسي أوسع يرتبط بتمويل قوى مسلّحة وبموقع إيران في مواجهة سياسة "الضغط الأقصى" الأمريكية.

التهريب غير النفطي.. بضائع معفاة، أدوية، وحديد يمرّ خارج دفاتر الدولة

إلى جانب النفط والوقود، تكشف الضبطيات المتكرّرة في ميناء أم قصر وغيره عن شبكة تهريب متنوّعة للبضائع؛ من الحديد ومواد البناء، إلى الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى بضائع تدخل تحت عنوان "إعفاءات" وتخرج في السوق بأسعار تفضيلية لأنّها لم تدفع الرسوم والضرائب المستحقّة.

هيئة المنافذ والجهات الرقابية أعلنت في مناسبات متعدّدة عن إحباط محاولات تهريب عشرات الشاحنات المحمّلة بالحديد والمواد الإنشائية، وضبط حاويات تضم مواد كيميائية حسّاسة أو أدوية مخالفة للضوابط أو منتهية الصلاحية، وكانت تُمرّر عبر تلاعب في الأوراق أو استغلال ثغرات في فحص الحاويات.

دراسات عن الفساد في المنافذ تشير إلى أنّ "السعر الجاري" لتمرير حاوية واحدة يمكن أن يصل إلى 300,000 دولار في بعض الحالات، وأنّ مئات الحاويات تمرّ شهريًا عبر قنوات موازية، بما يعني أنّ جزءًا كبيرًا من التجارة الخارجية لا يخضع في الواقع للمنظومة الرسمية كاملة، بل يتحرك في منطقة رمادية بين القانون والتهريب، تتداخل فيها مصالح تجار كبار وشبكات سياسية وأمنية.

كم كان يجب أن تورد الموانئ فعلًا؟ الفجوة بين الأرقام الرسمية والتقديرات البرلمانية

المقارنة بين ما يُعلن اليوم من إيرادات وما كان يمكن أن تحققه المنافذ تكشف حجم الفجوة. هيئة المنافذ والجهات الرسمية تتحدث في 2025 عن إيرادات كمركية تتجاوز 2.2 تريليون دينار عراقي (نحو 1.7 مليار دولار)، مع توقعات بالوصول إلى ما بين 2.4 و 2.7 تريليون دينار بنهاية العام، وتصف هذه الأرقام بأنّها "تاريخية" مقارنة بالسنوات السابقة.

في المقابل، صرّح أعضاء في لجنة المالية النيابية في سنوات سابقة بأنّ العراق "لا يحصل سوى على أقل من 1 مليار دولار من إيرادات المنافذ، في حين تذهب ما لا يقل عن 11 مليار دولار إلى جيوب الفاسدين"، مع تقديرات أخرى تشير إلى أنّ مستويات الفساد في بعض المنافذ تصل إلى 90٪ من الإيرادات المحتملة.

هذا يعني أنّ ما يُعلن اليوم من تحسّن في الجباية، على أهميته، لا يُلغي حقيقة أنّ المنافذ كان يُفترض أن تكون أحد أعمدة الإيراد غير النفطي في العراق، وأنّ سنوات من "المكاتب الاقتصادية" وشبكات التهريب حوّلتها إلى خزائن موازية تموّل أحزابًا وفصائل ومسؤولين، أكثر مما ترفد الموازنة العامة.

ثغرات الأجهزة والتقنيات.. حين يبقى التفتيش رهينة "الاجتهاد البشري"

في قلب النقاش عن مكافحة التهريب، يبرز سؤال التكنولوجيا؛ هل تمتلك الموانئ العراقية منظومة فحص متطورة تكشف ما داخل الحاويات من دون الاعتماد على فتحها يدويًا؟

المختص في شؤون مكافحة الفساد، علي حبيب، يربط بشكل مباشر بين الضبطيات الأخيرة وبين حجم ما كان يُمرَّر سابقًا بعيدًا عن العيون. يقول حبيب لـ"بغداد اليوم" إنّ "عمليات الضبط الأخيرة التي شهدتها الموانئ العراقية تمثل مؤشراً مهماً على حجم التهريب الذي كان يجري قبل تشديد الإجراءات الرقابية"، موضحًا أنّ "ما تم الإعلان عنه من ضبط حاويات محملة ببضائع مهربة خلال الفترة الماضية لا يمثل حالات فردية، بل يكشف عن تراكم سنوات من التهريب المنظم الذي كان يمر عبر بعض المنافذ مستفيداً من ضعف أدوات الفحص وقلة التقنيات الحديثة".

ويضيف أنّ "التهريب قبل هذه الضبطيات كان يتم بكميات كبيرة، حيث تدخل حاويات كاملة على أنها مواد قانونية، بينما تخفي في داخلها بضائع أخرى ذات قيمة عالية أو ممنوعة، ما تسبب بخسائر مالية كبيرة للدولة نتيجة التهرب من الرسوم الجمركية والضرائب، فضلاً عن الإضرار بالاقتصاد الوطني".

ثم يطرح السؤال الذي يختصر جوهر المشكلة: "السؤال الأهم الذي يطرح اليوم هو: أين الأجهزة الحديثة لمنع التهريب؟، فالاعتماد ما يزال في كثير من الأحيان على التفتيش اليدوي أو الاجتهاد البشري، في وقت تعتمد فيه الموانئ المتطورة عالمياً على أجهزة فحص بالأشعة (X-ray) عالية الطاقة قادرة على كشف محتويات الحاويات دون فتحها".

ويتابع علي حبيب أنّ "غياب الانتشار الكامل لأجهزة كشف الأشعة المتطورة، أو عدم كفايتها في بعض الموانئ، يفتح ثغرات تستغلها شبكات التهريب، مهما كانت الجهود الأمنية والإدارية المبذولة، والضبطيات الأخيرة دليل على يقظة الأجهزة المعنية، لكنها في الوقت نفسه تكشف حجم ما كان يمر سابقاً دون كشف"، مشددًا على "وضع خطة وطنية عاجلة لتحديث منظومة التفتيش في الموانئ، تشمل توفير أجهزة كشف إشعاعي حديثة، وربطها بأنظمة تحليل المخاطر والبيانات الجمركية، إضافة إلى تدريب الكوادر المختصة على استخدامها بكفاءة عالية"، قبل أن يختم بالقول إن "مكافحة التهريب لا تعتمد على الحملات المؤقتة فقط، بل تحتاج إلى حلول تقنية مستدامة تضمن السيطرة على المنافذ، وتحمي الاقتصاد الوطني، وتمنع تكرار ما كشف عنه في عمليات الضبط الأخيرة".

على المستوى المقارن، تُظهر تجارب موانئ إقليمية وعالمية أنّ استخدام أجهزة فحص عالية الطاقة، مرتبطة بأنظمة إدارة جمركية إلكترونية (مثل نظام ASYCUDA الذي بدأ العراق بتطبيقه على مستوى الجمارك)، يقلّل من مساحة الاجتهاد الشخصي، ويغلق جزءًا كبيرًا من الثغرات التي تستغلها شبكات التهريب. لكنّ غياب تغطية كاملة بهذه الأجهزة في الموانئ العراقية، أو عدم تشغيلها بكفاءة، يجعل أي حملة ميدانية تصطدم بسقف قدرات تقنية لم تُستكمل بعد.

"المكاتب الاقتصادية" وترهيب الموظفين.. كيف يُقسَّم الميناء بين القوى النافذة؟

وراء كل حاوية تمرّ من دون رسوم، أو شحنة وقود تُهرَّب خارج الأطر الرسمية، توجد شبكة نفوذ تنظّم وتؤمّن هذا المسار. تحقيقات صحفية دولية وصفت ما يجري في بعض المنافذ العراقية بأنّه "مافيا" حقيقية تتحكّم في الجمرك، وتفرض على التجار دفع مبالغ إضافية مقابل تسريع إجراءاتهم، أو تمرير بضائع ممنوعة، فيما تذهب حصص من هذه الأموال إلى أحزاب وفصائل مسلحة.

في هذه الصورة، يظهر ما يُعرف بـ"المكاتب الاقتصادية" كذراع مالية للأحزاب؛ مكاتب تحمل واجهات تجارية أو خدمية، لكنها عمليًا تشرف على "خطوط" داخل الميناء أو المنفذ، بحيث يُنسب كل رصيف أو سلسلة إجراءات إلى جهة نافذة معيّنة. التقارير تشير إلى أنّ موظفين في الجمارك والمنافذ يتعرّضون أحيانًا لضغوط مباشرة، تصل إلى تهديدات تفصيلية، إذا حاولوا تعطيل شحنات مرتبطة بهذه الشبكات، الأمر الذي يجعل تطبيق القانون عملية محفوفة بالمخاطر الشخصية.

بهذا الشكل، لا يكون التهريب مجرّد نشاط فرعي على هامش الموانئ، بل يتحوّل إلى "نظام اقتصادي موازي" يوزّع عوائد المنافذ بين جهات عدّة؛ جزء يذهب إلى خزينة الدولة عبر الرسوم الرسمية، وجزء آخر أكبر يتسرّب إلى شبكات حزبية وفصائلية، عبر تحكّمها بـ"خطوط" معيّنة في الميناء وبهوامش واسعة من التهرّب الجمركي.

دور هيئة المنافذ وعمر الوائلي.. بين ضبط الفوضى وحدود الممكن

قانون المنافذ الحدودية رقم (30) لسنة 2016 رسم نظريًا صورة واضحة: هيئة اتحادية ترتبط بمجلس الوزراء، تتولّى الإشراف على عمل كلّ الدوائر العاملة في المنفذ، وتنسّق بين الوزارات، وتضع خططًا لتدريب العاملين، وتطوير البنى التقنية، وضبط المخالفات.

في التطبيق، حاولت الهيئة بقيادة عمر الوائلي، خلال السنوات الأخيرة، أن تفرض حضورًا أكبر في الموانئ، عبر إجراءات تنظيمية وعمليات تفتيش مفاجئة، وإحالة ملفات فساد إلى الجهات القضائية، والحديث عن زيادة في الإيرادات بنسبة تتجاوز 70٪ في بعض السنوات، ثم الإعلان في 2025 عن تسجيل أعلى معدل إيرادات منذ 2003.

لكنّ هذه الجهود تصطدم بحدود واضحة؛ فالهيئة لا تمتلك وحدها القرار الكامل على الأرض، إذ تتداخل معها وزارة المالية (الكمارك)، ووزارة النقل (الموانئ)، ووزارة الداخلية والدفاع (القوى الأمنية)، فضلًا عن النفوذ غير الرسمي للأحزاب. تحليلات بحثية أشارت إلى أنّ تعدّد الجهات داخل المنفذ الواحد خلق "فراغ مسؤولية" يُستغل بسهولة؛ كل جهة تتذرّع بأنّ الأخرى هي المسؤولة عن الخلل، في حين يتحمّل التاجر أو المواطن في النهاية كلفة الفساد تأخيرًا وغلاءً في الأسعار.

ما تقوم به الهيئة اليوم من ضبطيات متكررة يكشف من جهة عن وجود إرادة معينة لتقليص النزيف، لكنه يكشف من جهة أخرى عن حجم الشبكات التي كانت تعمل لسنوات دون رصد فعّال، ويطرح سؤالًا عن مدى قدرة مؤسّسة واحدة، مهما كان رئيسها نشطًا، على مواجهة منظومة معقّدة تمتدّ من بغداد إلى الموانئ، ومن المكاتب الاقتصادية إلى التجّار الكبار.

لماذا فُتح الملف الآن؟ بين ضغط العقوبات وحاجة الدولة إلى كل دينار

فتح ملف الموانئ والتهريب على مصراعيه في هذا التوقيت لا يمكن فصله عن عاملين رئيسيين:

الأول، تجدّد سياسة الضغط على إيران؛ تقارير مراكز بحث غربية تشير إلى أنّ طهران طوّرت خلال السنوات الأخيرة شبكات متعدّدة لاستخدام العراق كمنصّة لكسر العقوبات، سواء عبر تهريب النفط وزيت الوقود، أو عبر استخدام النظام المالي والمصارف والتحويلات، أو عبر الاستفادة من فروقات أسعار الصرف. ومع عودة خطاب "أقصى ضغط" على طهران، ومع كشف الولايات المتحدة عن أسماء شركات وشبكات عراقية متهمة بالمشاركة في تهريب النفط الإيراني، أصبح على بغداد أن تُظهر أنّها تضبط منافذها ولا تسمح بتحوّل الموانئ إلى أداة مباشرة في كسر العقوبات.

الثاني، أزمة المالية العامة والحاجة إلى تعظيم الإيرادات غير النفطية؛ الاقتصاد العراقي ما يزال يعتمد على النفط بما يتجاوز 90٪ من الإيرادات، فيما تضع تقارير دولية ملف الفساد في المنافذ ضمن أهم مصادر الهدر المالي. في هذا السياق، يصبح الحديث عن "إيرادات تاريخية" للمنافذ جزءًا من سردية حكومية تريد أن تقول إنّها لا تكتفي بتصدير النفط، بل تعمل أيضًا على ضبط المنافذ وتعظيم الجباية، حتى لو كان الطريق إلى سدّ الفجوة ما يزال طويلًا.

إلى جانب ذلك، هناك بعد سياسي داخلي؛ ملف الموانئ والمنافذ كان يُنظر إليه سنوات بوصفه "صندوقًا أسود" لتمويل الأحزاب والفصائل. فتحه اليوم، ولو جزئيًا، يمكن أن يُستخدم لتصفية حسابات بين قوى نافذة، أو لإعادة توزيع النفوذ على الموانئ والمنافذ بين أجنحة مختلفة، تحت عنوان "مكافحة التهريب". هنا يصبح التحدّي الحقيقي هو الانتقال من "استخدام الملف" إلى "حلّ الملف" عبر إصلاحات بنيوية: توحيد قيادة المنفذ، استكمال منظومة الأجهزة، قطع صلة المكاتب الاقتصادية بالمرافئ، وإخضاع كلّ العوائد لرقابة شفافة.

 بين الضبطيات اليومية وسؤال من يملك الميناء فعلًا

ما يجري اليوم في الموانئ العراقية، من ضبطيات متوالية وتصريحات عن زيادة الإيرادات، يشير إلى أنّ جزءًا من النزيف بدأ يُكشف على السطح. لكنّ الأرقام التي تتحدّث عن خسارة ما يصل إلى 90٪ من الإيرادات المحتملة في سنوات سابقة، وعن شبكات تهريب نفط ووقود تحقق مليارات الدولارات سنويًا خارج دفاتر الدولة، تُظهر أنّ ما تمّ كشفه حتى الآن ليس سوى جزء من ملف أكبر بكثير.

الأسئلة الجوهرية تبقى كما هي:

هل تتحوّل هيئة المنافذ، ومعها الأجهزة الرقابية، إلى سلطة فعلية قادرة على كسر نفوذ المكاتب الاقتصادية وشبكات التهريب، أم يُعاد ترتيب المشهد بحيث تتغيّر الوجوه وتبقى القواعد نفسها؟

هل تُستكمل عملية تحديث منظومة الفحص والتقنيات في الموانئ، كما دعا علي حبيب، بحيث يتحوّل كشف التهريب من "حملات موسمية" إلى نظام دائم يراقب كل حاوية وكل شاحنة؟

والأهم، هل تُستثمر لحظة الضغط الدولي على شبكات تهريب النفط والوقود لصالح العراق، بإغلاق منافذ استنزافه، بدل أن يتحوّل إلى مجرّد ساحة صراع بين عقوبات أمريكية وحلول التفافية إيرانية؟

هذه الأسئلة هي التي ستحدّد في النهاية ما إذا كان فتح ملف الموانئ اليوم بداية لتغيير حقيقي في طريقة إدارة بوابات البحر، أم مجرّد جولة جديدة في معركة طويلة بين دولة تحاول ضبط حدودها، وشبكات نفوذ ما زالت ترى في كل منفذ فرصة لاقتصاد ظلّ لا تعكسه أي أرقام في موازنة الدولة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك