دراسات

البطالة المقنعة في قطاع الحكومة و السياسة ألأقتصاد ....بقلم: الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ابريهي علي

3597 20:24:00 2013-02-21

          دعنا نبدا من نقطة بعيدة ، المقدار الذي ينمو بمعدل مركب سنوي 3 بالمائة يتضاعف ، و أكثر قليلا ، في مدة ربع قرن ، وهكذا تطورعدد سكان العر اق  في الماضي . فهو الآن،  تقريبا ،ضعف ماكان عليه نهاية الحرب العراقية ألأيرانية و أربعة أمثال حجمه عام 1963.

و عندما يتوقف النموألأقتصادي لربع قرن تصبح فرص العمل التي بامكان ألأقتصاد اتاحتها تعادل  نصف المطلوبة بما يتناسب مع حجم السكان نهاية المدة. أما اذا تراجع ألأقتصاد عن المستوى الذي بلغه قبل ربع قرن من سنة معينة تكون الفجوة أوسع بين فرص العمل المطلوبة في مقابل الممكنة اقتصاديا. و عدم التناسب هذا حصل للعراق بين ثمانينات القرن الماضي و العقد ألأول من القرن الحالي، و غدت هذه الفجوة من التحديات الكبيرة التي أرهقت العراق . اذ لا توجد سياسة اقتصادية يعرفها البشر يمكن من خلالها العودة التى التوازن البنيوي ، بين ألأقتصاد و السكان ، في مدة  قصيرة  بعد اسئناف النمو. كما ان القيم و المعايير الحاكمة للسلوك الفعلي لا تسمح ، لحد الآن ، باعادة توزيع الثروة و الدخل على أساس التكافل التام  بين الناس. بحيث تتوزع ألأعباء ألأقتصادية للحروب و الحصار ،و ايرادات النفط ،  بكيفية ترضي احساس الجميع بالعدالة ألأجتماعية.

و مع هذا الواقع يحصل تكيف ألأمر الواقع في عمليات معقدة تطال ألأقتصاد و المجتمع و السياسة . و من نتائج هذا التكيف تتسع ألأنشطة الصغيرة، و الفردية منها بوجه خاص ،  متجاوزة لحاجة السوق الفعلية ، ويكون الدخل المكتسب منها قليل.

و نسبة مهمة  من الفقراء و عموم العوائل منخفضة الدخل من تلك الفئة التي تعتمد حصرا على ألأنشطة الهامشية في القطاع غير المنظم  تعويضا عن فرص العمل  المفقودة. و بموازاة  ذلك التوجه التعويضي تنتشر أشكال ألأشتغال الجزئي أو المتقطع ، خاصة في ألأوساط التي تعمل بالأجر اليومي . و لكن التكيف بجميع وسائله لا يكفي لأخفاء البطالة السافرة و التي أظهرت المسوحات انها كانت مرتفعة في العراق  على نحو يبعث على القلق حتى عام 2007 و تناقصت فيما بعد . لكن المشكلة بقيت و هي عدم التناسب بين عرض القوى العاملة و الطلب ألأقتصادي عليها بالمجمل. مع تفاوت كبير بين البنية المهنية - التعليمية للقوى العاملة في جانب العرض عنها في جانب الطلب. و ابرز تجليات هذا التفاوت عجز ألأقتصاد عن استيعاب مخرجات النظام التعليمي بما يوافق تطلعات الخريجين و عوائلهم. لأن النظام التعليمي استمر في العمل، و تنمو مخرجاته من الجامعات و المعاهد التقنية باسرع من معدل نمو السكان، وتبعا لذلك تتزايد نسبتهم من مجموع السكان في سن العمل ، الى جانب توقف النمو ألأقتصادي، لتتسع الفجوة أكثر فاكثر في هذا المقطع من سوق العمل. 

في مثل تلك البيئة ألأقتصادية – ألأجتماعية ، و عندما ترتفع ايرادات النفط، تستجيب السلطات السياسية بزيادة أعداد منتسبي الدولة فوق ألأحتياجات التي تعينها الشروط الفنية للأداء و تظهر البطالة المقنعة في قطاع الحكومة. لأن الحاجة ضاغطة الى مصدر للدخل بما يلائم المستويات المقبولة للمعيشة . و لأن  الوضع السياسي ، بما يكتنفه من نزاع أثني- طائفي مع الوقائع اليومية لسفك الدماء ، يجعل الحكومة ضعيفة  لا تقوى على مجابهة ألأندفاع الى الراتب المضمون مدى الحياة. كما أدت الرغبة لأظهار مكاسب النظام الجديد ،مقدما ، الى ألأستعجال في رفع الراتب الحكومي فوق متوسط دخل المشتغل في القطاع الخاص بفارق الهب الطلب على العمل في الدولة. و لكن القطاع الحكومي و مع استمرار التوظيف الزائد لا يمكن أن يتسع لكل العاطلين و سواهم من الراغبين . و بالنتيجة تتكاثر اعداد الذين يشعرون بالغبن و الحرمان ممن لم يحصلوا على فرصة عمل في الحكومة.

و لا يمكن وصول ألأقتصاد العراقي الى التوازن المستقر في هذا المجال الا بعد التمكن من تنمية القطاع غير النفطي و غير الحكومي ، و خاصة المرتكز ألأنتاجي في الزراعة و الصناعة التحويلية وألأنشطة المرتبطة بالأستثمار من بناء و تشييد و سواها ، تنمية معجلة. لأستيعاب عرض القوى العاملة بانتاجية مناسبة تسمح باكتساب المشتغلين لدخل يكفي لمتطلبات المعيشة اللائقة.

ان مورد النفط  هو الذي أغرى متخذو القرار في قبول المزيد من البطالة المقنعة ضمن أجهزة الدولة و رفع الرواتب، عامي 2003 و 2007، التي انعكست على القطاع الخاص المتخلف تقنيا و تنظيميا ما أدى الى تكاليف عالية لوحدة المننتج أضعفت قدرته على التنافس.

و كانت النتيجة انسحابه عن كثير من فروع الأنتاج لصالح المستوردات. و ساعد مورد النفط ،في ذات الوقت ، على ادامة سعر صرف منخفض للعملة ألأجنبية لتكون اسعار المستوردات رخيصة و تعرضت المنتجات الوطنية لمزيد من الضغوط  التنافسية. و رافق تلك التوجهات ازالة الدعم الضمني عن أسعار المنتجات النفطية و هو ألأجراء الذي غذى موجات التضخم  عبرسلسلة من دورات الدخل و علاقات المخل– المخرج فيما بين ألأنشطة ألأنتاجية، و نتيجتها المزيد من ارتفاع تكاليف ألأنتاج.  و أيضا ، ساعد مورد النفط على صعود ألأنفاق الحكومي  مع  محدودية العرض المحلي من السلع و الخدمات و مرونته الواطئة ، و ادى الى توليد  ضغوط تضخمية اضافية . و تضافر هذا العامل مع أسعار المنتجات النفطية و قصور طاقة توليد الكهرباء في الشبكة الوطنية و اسباب أخرى لتصعيد و تيرة تزايد أسعار السلع و الخدمات المحلية  حتى عام  2007. لقد اسهم المورد النفطي ،و النمط المتعارف عليه للتصرف به، في تخفيض جدوى ألأستثمار في العراق عموما و في الصناعة بوجه خاص. و لم تعد اغلب المشاريع المتصورة فرصا استثمارية بالمعنى الدقيق للكلمة، اذ لا يجد فيها أصحاب ألأعما ل ، و الممولون من المصارف و غيرها ، معدلات العائد المطلوبة على رأس المال. و هي أعلى من نظيراتها في البلدان المجاورة بسبب التقدير المبالغ به للمخاطر  في العراق ، و عادة تقايض المخاطر المرتفعة باضافات على معدلات العائد لأقتناع أصحاب ألأعمال بالتزام تلك المشاريع.

و نعود الى مشكلة توظيف القوى العاملة و هي جوهرية لأن العمل اضافة على كونه مصدرا للدخل هو ممارسة للحياة . و عندما يعمل الناس في مؤسسات متطورة تقنيا ، و بحجم كبير و اساليب حديثة في التنظيم و ألأدارة، وعلى أساس التخصص و تقسيم العمل و تنتعش روح التعاون و دوافع ألأبداع لتحقيق النجاح، فان ذلك يساعد على تأهيل المجتمع حضاريا.

أي ترسيخ مقومات مجتمع الدولة الموحد و دولة المجتمع الحديث و مفردة بنائهما ألأنسان المنتج الذي يسعده ألأسهام الحقيقي في اثراء الحياة .

ان العراق ليس أمامه بديل سوى مواجهة هذا التحدي و ألأنتصار في هذه المعركة و بخلافه يتفاقم ألأعتماد على المورد الريعي في تمويل ألأنفاق الحكومي بالكيفية المعلومة . و بالتوازي مع تقلص المساحة ألأنتاجية للأقتصاد العراقي و قدرات متراجعة، نسبيا على ألأقل ، في توليد فرص العمل. 

و لقد تبين ان الطريق لهذا الهدف النبيل يبدأ بالقطيعة مع الفهم المتداول لحد الآن و الذي يقوم على اهمال بنية ألأسعار و التكاليف، أي اهمال العناصر ألأساسية لحساب الجدوى المالية و ألأقتصادية في القرار ألأستثماري. و يتطلب اعتماد نظام ألأقتصاد الحر سياسة اقتصادية تقوم على تقمص المستثمر في قطاع ألأعمال الخاص و محاكاة اليته في اتخاذ القرار. ان تناقص القوة الشرائية الداخلية للدينار، بفعل تراكم آثار التضخم ، مع ثبات سعر صرفه او تزايده بالعملة ألأجنبية ، هو ما يقصد منه تزايد سعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي. و الذي أصبح نهاية الربع ألأول لعام 2011 أكثر من ثلاثة أمثال ماكان عليه بداية عام 2004 تجاه الدولار و اليورو. بتعبير آخر ان الدولار الذي يشترى بمبلغ 1170 دينار عام 2011 هو دون 400 دينار من دنانير عام 2004. و استنادا الى هذه القياسات يقال العملة ألأجنبية رخيصة في العراق و الدينار غالي ، ما يعني ان المعمل العراقي الذي نريد من القطاع الخاص بناءه و تشغيله ينتج بالغالي و يبيع بالرخيص ، و لذلك يخسر فيعزف المستثمر عنه. و هذه الحقائق هي من جملة ما يصطلح عليه " المرض الهولندي"  ، الذي ينبغي ان تنطلق السياسة ألأقتصادية في البلدان الريعية من ألأعتراف به و تشخيص مقدماته و أفعاله الخبيثة و اعراضه و تصميم الأجراآت لمعالجته.

و ان المعالجة لا تقتصر على امعان النظر في التكاليف و ألأسعار و محاولة تعديلها أو ازالة آثار انحرافها عن التناسبات ألأقتصادية الصحيحة بل تقتضي ما هو أوسع من ذلك. و هذا لا يعني رفع اللوم عن تدني أداء الجهاز ألأداري الحكومي فهو ميدان رئيسي للأصلاح ألأقتصادي ، كما لا يفهم منه غض النظر عن و اقع البطء الشديد في تحسين الخدمات العامة و البناء التحتي، انما هي منظومة متكاملة.

لا شك في الدور التخريبي للأنقسام المجتمعي و تعرض ألأنسان العراقي الى الزخ المكثف لدعاوى الكراهية و العنف ، فهذه بيئة تغذي روح المشاطرة في الجدل و المغالبة في المواقف و ألأفعال في سياق مؤداه اضعاف الوازع ألأخلاقي تجاه ألأقتصاد الوطني و المال العام .

ان المجتمعات التي كتب لها النجاح كانت نخبها المؤثرة، في الساحة ألأجتماعية و صناعة الرأي العام، تعي عمق التناقض بين المنافع الآنية و المصالع العليا لبلدانها و شروط نمائها و مصيرها ألأقتصادي في ألأمد البعيد. و هكذا ازدهرت كوريا الجنوبية و اليابان من قبل و المانيا و كل اوربا بعد الحرب الثانية و الصين في السنوات ألأخيرة و على هذا الطريق تركيا و البرازيل و دول أخرى . لو قيض لأقتصاد العراق أن ينمو بمعدل مركب سنوي بين  8 الى 9بالمائة سنويا،مثلا، فبعد عشرين سنة تصبح خيرات العراق خمسة أمثال ما هي عليه الآن و هذا ممكن . و بالتالي فأن جميع الفئات ،و من يمثلها ، لا بد ان يقتنعوا ان مصالح ابنائهم و أحفادهم في الحرص على الكل الوطني ، و أن ارتقاء  العراق في الحضارة  و سلامه و نمائه ألأقتصادي هو الذي يستجيب لحقهم في الكرامة و العدالة و الرفاه.                                               

1/5/13221

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك