دراسات

حول قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة

5899 18:18:00 2013-09-29

ترددت كثيرا في الكتابة حول ما أقره مجلس النواب قبل عدة أيام لقانون اقترحه مجلس الوزراء، وهو القانون الذي انتظره ذوو الإعاقة منذ سنوات. ذلك أن الكتابة عن معاناة هذه الشريحة لا تبدو سوى مضيعة للوقت فضلا عن إبداء الملاحظات حول قانون تم التصويت عليه في البرلمان وانتهى الأمر، ثمة عوز أخلاقي وإنساني في تفهّم طبيعة معاناة المعاقين واحتياجاتهم وأوضاعهم غير الطبيعية جعل الطبقة السياسية تنظر إلى القانون البليد الذي أقرته مؤخرا كونه التفاتة عظيمة، فيما يمعن هذا القانون في ترسيخ الصورة النمطية للأشخاص ذوي الإعاقة وتأكيد عدم أهليتهم وإبقائهم في دائرة الرعاية كنوع من التفضّل الزائف تتكلفه الحكومة من دون أية التزامات قانونية واضحة ومحددة تساعد على انتشالهم من أوضاعهم الصعبة. قبل التصويت على هذا القانون يوم السابع من أيلول الماضي وصلتني التعديلات التي كتبتها السيدة لامعة الطالباني، إحدى الناشطات البارزات في مجال حقوق ذوي الإعاقة، و لم يدر في ذهني شك بأن الأخذ بأيٍّ من هذه التعديلات أمر مستبعد إن لم يكن مستحيلا بالنسبة للقوى السياسية في البرلمان التي عوّدتنا على مراعاة مصالحها الضيقة وغير المشروعة أصلا قبل مراعاة مصالح المواطن، كنت متأكدا أنهم لن يأخذوا ببعض ويرفضوا بعضا آخر منها، لأن استثناء بعض المواد من التعديل سيفضح الغايات والأطماع التي تتركز على مناصب أعضاء الهيئة ومديرياتها وأغلبها بمنصب مدير عام وهو منصب خاضع للمحاصصات الحزبية كما يعرف الجميع، فلم يكن المجلس في وارد الموافقة على جعل أعضاء الهيئة من المعاقين كما هو مقترح التعديل للمادة ( 5 ) من القانون. لقد جاء هذا القانون الذي مثّل صفعة بوجه ذوي الإعاقة مناقضا بشكل سافر للاتفاقية الدولية بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2007 وصادقت عليها أكثر من170 دولة، كما أنه لم يمنح هذه الشريحة أية امتيازات وحقوق واضحة سوى ما حفل به من صياغات شكلية وعبارات عامة تتسم بالإنشائية تبدو تكرارا لبعض المواد في الدستور مع أهمية الإقرار بكونه خطوة في الطريق الصحيح..

القانون كما أشرنا جاء مناقضا للاتفاقية الدولية لذوي الإعاقة التي وقع عليها البرلمان العراقي في 23 كانون الثاني 2013 وهو لم يشر إليها في مواده عدا ما ورد في المادة (3- أولا) حول تحقيق أهداف هذا القانون من خلال (وضع الخطط والبرامج الخاصة لضمان حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة وفق أحكام القانون والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تكون جمهورية العراق طرفاً فيها).. وهنا يتناسى المشرّعون أن القانون جاء بعد توقيع تلك الاتفاقية التي تعتبر أكبر إنجاز دولي في هذا المجال ما يلزمهم بإخضاعه لها ولما توفرت عليه من تعليمات وبنود تلزم الدول الأعضاء بتنفيذها وليس صياغة قانون غير منضبط تحت بنودها جاعلا منها أحد الأهداف التي يعمل على تحقيقها وهذه مغالطة واضحة. إن من بين الأمور الأساسية الواردة في الاتفاقية هو التكافؤ التام لذوي الإعاقة مع غيرهم بحيث يكونون على قدم المساواة مع الآخرين أمام القانون في الحقوق والواجبات. وليس التمييز بينهم وبين غيرهم من خلال إقرار مبدأ الرعاية الذي يجعل ذوي الإعاقة كما لو كانوا عالة على المجتمع والدولة ليأتي تدخلها الإنساني عبر تقديم الرعاية لهم، إن معنى الرعاية له دلالة إنسانية أخلاقية، وأخرى قانونية، وهذه الأخيرة مورد الاعتراض لكونها تضمر معنى الوصاية و التفضل بحسب اجتهاد صانع القرار دون تحديد طبيعة واضحة ومحددة لها ومعرفة من أين تبدأ رعاية الحكومة لمواطن ذي خصوصية ما وأين تنتهي؟ إعطاء ذوي الإعاقة حقهم لا يتم إلا من خلال تشريعات واضحة تتعامل معهم كأشخاص لهم كامل الأهلية والكفاءة دون النيل منهم وهذا ما أقرته الاتفاقية الدولية المشار إليها التي مثّلت أول معاهدة شاملة لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين. يرتكب القانون تناقضا صارخا أيضا حين يربط الهيئة المستقلة لرعاية ذوي الإعاقة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية كما ورد في المادة ( 4- ثانيا)، والغريب أنه لم يثر هذا الربط شهية النواب للجدل والصراخ فلم نر أحدهم يمسك بكتيّب الدستور وهو يهتز غضبا أو يشاكس لأجل نقطة نظام مثلا كما فعلوا في حالات سابقة ومماثلة وقد ملئوا الفضائيات و وسائل الإعلام ضجيجا عندما تم ربط الهيئة التي تتولى منح إجازات تشكيل الأحزاب بوزارة العدل، حيث رفع الجميع عقيرتهم بالاعتراض الصارخ على ربط هيئة مستقلة بوزارة حكومية كما ورد في مقترح قانون تشكيل الأحزاب السياسية لأنها ستفقدها استقلاليتها، وقد كانت هذه النقطة واحدة من بين أهم الأسباب لتأجيل التصويت عليه أكثر من مرة.. ليؤكد ممثلو الشعب للمرة الألف أن مواقفهم تتحكم بها مصالحهم وأغراضهم السياسية لا غير. وإلا كان يجب أن يكون الموقف واحدا لاتحاد الأصل في المسألتين. على أن ربط هيئة رعاية ذوي الإعاقة بوزارة العمل كان يستهدف التمهيد لجعل ذوي الإعاقة مشمولين بمنح الرعاية الاجتماعية، وهو ما لا جديد فيه البتة، فهناك عشرات الآلاف من ذوي الإعاقة تتفضل عليهم الحكومة بفتات الرعاية الاجتماعية الذي لا يسدّ رمقهم.. ويعتبر إهانة بالغة تلحق بهم عبر مائة وخمسين دينارا لا تراعي قسوة ظروفهم، فضلا عن أنها وكحال القانون برمته تتجاهل حقيقة التفاوت الواضح بين حالات الإعاقة وهو تفاوت كبير و واسع للغاية يصل إلى حدود الحاجة للعناية الصحية المستمرة والعجز الكلي عن القيام بتأدية أغلب الوظائف الجسدية المعتادة. إن المقترح الذي قُدِّم للنواب ورئاسة البرلمان كان ينص على ضرورة تخصيص راتب شهري معقول يتناسب و أوضاع المعاقين .. كان من بين الإجراءات المعمول بها ما قبل 2003 هو ما يُعرف بـ «منحة المعينة» وكان قدرها خمسين ألفا (يقترب من رواتب الموظفين آنذاك) ثم في عهد بول بريمر بعد الاحتلال تحولت إلى خمسين دولارا قبل أن تستقر على 75 ألفا ثم تم قطعها نهائيا دون أسباب أو موجبات تبرر هذه الخطوة. من الحسنات القليلة في القانون الحالي أنه أعطى لذوي الإعاقة ممن درجة عجزهم تحول دون تلبية متطلبات حياتهم العادية حق المعين المتفرغ وعلى نفقة الحكومة ويستحق المعين المتفرغ راتبا يساوي الحد الأدنى في سلم الرواتب لموظفي الدولة، لكن القانون الجديد لا يلزم الدولة تجاه مواطنيها المعاقين سوى بإعانة شهرية لغير القادرين على العمل عبر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كما ورد في المادة ( 15- رابعا-هـ)، وهذا يعني استثناء العديد من المعاقين الذين لا يستوفون شروط اللجان الطبية المعمول بها حاليا لتقدير مدى قدرة الشخص على العمل من عدمها رغم عدم وجود فرص عمل حقيقية لهم في مجتمع يحتفظ بصورة للمعاق على أنه غير مؤهل للعمل، ومن جانب آخر تجاهل أولئك الأشخاص الذين تعوّقوا بسبب ممارسات تنكيلية للنظام السابق، حيث أنهم لن يُشملوا بأية إعانة طالما كانوا يتقاضون رواتب تقاعدية متواضعة، وبالتالي فالقانون لا يعطي أية ميزة إضافية لهم. من النقاط الأخرى والملاحظات التي سُجّلت على القانون هو أن هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة لا تضم في عضويتها سوى ثمانية أشخاص معاقين من مجموع ثلاثين عضوا تقريبا، تشكيل هذه الهيئة جاء لأجل تقديم الرعاية المطلوبة والنظر في احتياجات ذوي الإعاقة ولا شك أن الأعضاء الذين ينتمون أصلا إلى هذه الشريحة أقدر من غيرهم على تقدير الاحتياجات والمطالب التي تلبي حقوق شريحتهم.. تُرى ما هو المسوغ أو الحجة التي استند إليها نواب البرلمان في تحديد هذه النسبة المتواضعة من أعضاء الهيئة ممن يندرجون تحت ذوي الإعاقة؟ لا شك أنهم نظروا إلى عدم كفاءة وأهلية ذوي الإعاقة على تأدية وظائفهم والنهوض بمسؤوليات عملهم فيها، وهو يتناقض تناقضا صارخا مع تلك المواد التي دعا فيها القانون إلى إشراك ذوي الإعاقة و منحهم فرص العمل والمشاركة في المجالات المختلفة فضلا عن تناقضها مع الاتفاقية الدولة المذكورة، ولا تبرير لهذا النحو من التقدير الخاطئ سوى أن عقلية النواب تنطوي على إيمان بعدم مقدرة ذوي الإعاقة على القيام بمسؤوليات الإدارة في الهيئة.. سُجل المهتمون بشؤون ذوي الإعاقة والمنظمات المدنية العديد من المؤاخذات الأخرى على القانون، بداية من عنوانه و انتهاء بأهم المضامين الواردة فيه، وبالنسبة للعنوان فشخصيا لا أميل إلى انتقاد حقيقي حول عدم استخدام مصطلح ذوي الإعاقة بدلا من المعاق أو المعاقين، إذ تبدو لي مسألة شكلية ليست ذات قيمة مؤثرة، ومن حيث الدلالة في اللغة العربية تختلف عما عليه في اللغة الانكليزية، فضلا عن أن قولنا (ذو إعاقة) تعني وصفا قابلا للانفكاك و طارئا على الموصوف فيما يدل اسم الفاعل (معاق) على صفة أكثر ثباتا والتصاقا، وهي أوفق في التعبير عربيةً لوصف حالات الإعاقة الدائمة.. ولا أرى ثمة منقصة في استخدام الأوصاف المناسبة لمقاييس اللغة العربية التي تختلف عما عليه في اللغات الأخرى و خاصة الانكليزية التي بنت الأمم المتحدة على أساسها قرارها باستخدام (ذو الإعاقة) بدلا من (المعاق). أما التعبير الآخر مدار الجدل فهو وصف (الاحتياجات الخاصة)، وهو وصف ثقيل بلا شك ويضمر نوعا من الإهانة أو التمييز بحسب ما أقرته الأمم المتحدة، إلا أن المشكلة التي تواجهنا في هذا الصدد هو التمييز الضروري بين الإعاقة التي يمكن للشخص معها ممارسة حياته بصورة طبيعية إلى حد كبير و ذلك النوع من الإعاقات الشديدة التي يحتاج معها الأشخاص المصابون إلى نحو خاص من الرعاية..إن المساواة بين هذين النوعين قد يُفقِد المعاقين الذين هم بأمس الحاجة إلى رعاية طبية ونفسية و معاملة خاصة حقوقا تناسب حالاتهم التي تعيقهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية.. ففي كل الأحوال تبقى ثمة حقائق غير قابلة للتجاهل مهما كانت كلفتها قاسية من منظور إنساني أو نفسي.. وهو أمر يشعر به العديد من المعاقين شديدي الإعاقة وهو ما يفسر عدم حماسهم للاعتراض على استخدام الوصف السابق.. حيث يرون قضية الوصف مسألة ثانوية تماما.

................

عن : جريدة المواطن/ تحرير علي عبد سلمان

35/5/13929

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك