علي عبد سلمان
هنالك عدة مسارات لمقاربة موضوع البحث يمكن تلخيصها بالنقاط والمباجث التالية
1- تعدد العوامل وتباين أوزانها النسبية : لتحليل الظاهرة السياسية أو الحدث السياسي ينبغي الرجوع لعوامل كثيرة اقتصادية ، استراتيجية ، ثقافية ، اجتماعية … الخ ولا ينبغي الاقتصار على عامل واحد في التحليل والتفسير مهما كانت أهميته ويرجع ذلك لاعتبارين
أ- تعقد الظواهر السياسية وتشابك أبعادها .
ب- كلما تعددت النوافذ التي نرى منها الظاهرة السياسية كلما كان الفهم والتحليل أقرب الي حقيقة الواقعة أو الحادثة السياسية .
2- تطور البعد الزماني للظاهرة السياسية :-
فالظاهرة السياسية " حلقة " في سلسلة من الأحداث والوقائع لا يمكن فصلها عن بعضها ومن ثم فالظاهرة السياسية .
أ- لها ذاكرة تاريخية " أى لها ماض معين وسوابق محددة "
ب- لها واقع حال " عبارة عن شبكة قوى ومصالح وعلاقات تؤثر فيها وبها
ج- لها تأثيرات وتفاعلات تتعدى واقعها المحدود لتؤثر في المستقبل أى أننا كى نفهم الظاهرة السياسية ينبغي أخذ الأبعاد الثلاثة في الاعتبار تاريخ الظاهرة – واقع الظاهرة – مستقبل الظاهرة
3- إطار تفاعل الظاهرة المكاني : المحلي والإقليمي والدولي .
هناك ثلاثة أطر أساسية لتحليل أية ظاهرة أو حدث سياسي محدد وذلك علي النحو التالي :
أ- الإطار المحلي (الوطن) : الذي تتبع منه الظاهرة أو يقع في إطاره الحدث السياسي ويشكل البيئة الداخلية له .
ب- الإطار الإقليمي (القومي) : الذي ينتسب إليه الإطار المحلى ويؤثر فيه بدرجات متفاوتة وقد يكون بالغ الأهمية ويفوق الأول في تأثيره .
ج- الإطار العالمي (الكونى): وهو الإطار الكلي الذي تحدث أو من المفترق أن تحدث في ظله الظاهرة السياسية وأحيانا يكون الفاعل الأساسي وغيره في ذلك الأمر أقل أهمية
هذه الأطر الثلاثة لازمة عند تحليل آيه أحداث أو ظواهر سياسية أيا كانت طبيعتها ونلاحظ أن البعض في الوقت الراهن يضخم من مستوى الإطار الثالث في التحليل ومن ثم ينبغي ملاحظة ما يلي
أ- ضرورة عدم الوقوع في تضخيم دور العامل الخارجي والإستراتيجيات الدولية ودور أمريكا والصهيونية العالمية .
ب- توخي عدم الوقوع في شراك التفسيرات التآمرية للأحداث والوقائع السياسية المختلفة وهو التفسير الذي يأبي إلا أن يرى ما يحدث في كل بقعة من بقاع العالم الثالث جزءاً من مؤامرة أو مخطط كبير مرسوم ومعد مسبقاً في البيت الأبيض أو داوننج ستريت …… الخ .
ولا نريد هنا أن ننفي ما للدول الكبرى من دور بل أدوار خطيرة في صنع القرارات السياسية في العالم الثالث وما يخططون له باستمرار لإجهاض حركة الشعوب أو سعي بعض الأنظمة للتحرر من الدول الكبرى فكثير من مصائب العالم الثالث وويلاته كتبت سيناريوهاتها في الشرق والغرب ولكن المبالغة في هذا التفكير تفقد الأفراد والجماعات توازنها الفكري والسياسي حيث أن لذلك سلبيات عديدة منها:
* تعطيل وتجميد العقل عن التفكير في خلفيات ودوافع الأحداث حيث أن تسمية كل حدث بأنه مؤامرة وحبك قصة أو سيناريو معين هو أسهل أنواع التحليل السياسي .
* تضخيم مبالغ فيه في قدرة الأعداء علي صنع الأحداث من أكبرها حتى أدقها وهذا من شأنه أن يخلق حالة من الانهزامية لدى الشعوب والجماعات أمام القوى الكبرى .
* أن هذا التفسير للأحداث هو تبرير مقنع لدى الكثيرين للتقاعس عن العمل لإحداث التغيير في مجتمعاتهم حيث أنه بزعمهم لا يمكن إحداث تغيير نظام سياسي أو إحداث تطور سياسي في أي بلد إلا بعد الحصول علي أذن وتصريح من أمريكا .
* التقليل من دور الشعوب في العملية السياسية حيث أن كثيراً من الأحداث العامة في العالم هي من صنع الشعوب أو نتيجة كفاح الحركات والتنظيمات الثورية في العالم .
4-اختلاف طبيعة التحليل وفقا لطبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة :
حيث تختلف طبيعة المدخل التحليلي لأي حادثة أو ظاهرة سياسية وفقاً لطبيعة النظام السياسي– كفاعل أساسي – فيها وهذه الأنظمة هي النظام الدكتاتوري – الشمولي – التسلطي – التعددي – الديمقراطي .
التنبؤ واستشراف المستقبل السياسي
تعد دراسات المستقبل أحد العلوم المهمة المبنية علي أسس واقعية ودون الدخول في تفاصيل فإن الأحداث أو الظواهر الأساسية المهمة غالباً ما يكون لها امتداداتها أو تأثيراتها المستقبلية ، فلا يقتصر تأثيرها علي الواقع اللحظي أو الآني بل ربما يمتد لأجيال بعيدة ومن هنا تأتي أهمية التنبؤ بالأحداث والوقائع السياسية أو بآثارها المستقبلية ( وكانت قديماً شائعة في الفقه الإسلامي محاولات من هذا القبيل : الفقه الافتراضي : ( أرأيتكم )
الفرق بين التنبؤ والتخمين .
- التنبؤ : يقوم علي أسس إحصائية وموضوعية ونتائج سابقة ومؤشرات .
- التخمين : لا يستند الي أى أسس أو مؤشرات ولكن فقط تهيؤات وخيالات .
الفرق بين التنبؤ والتوقع :-
- التنبؤ : تقدير مستقبلي معتمد علي نماذج إحصائية تم اختيار سلامتها وجربت وتعطي نتائج دقيقة – تقدير مقتبس يمكن التدليل والبرهنة لكل تفاصيلة وعمومياته .
- التوقع : تقدير مستقبلي معتمد علي القدرة الذاتية في تطويع البيانات المتسقة بالمحتوى المراد تقديرة – تقدير موجه عام ولكن غير مقتبس يمكن تدليل عمومياته فقط ولكن التفاصيل لا .
الهدف من التنبؤ :-
- الاستفادة بالفرصة المتاحة .
- تجنب مشكلات وقيود يمكن حدوثها في المستقبل
- تحديد الهدف بواقعية وفقاً لمتغيرات يمكن حدوثها .
- جني مكسب وتجنب خسارة .
خطوات عملية التنبؤ :-
1- حدد وحلل ما تم إنجازه مسبقا ( في حالة وجودة ) وكيفية الأستفادة منه .
2- حدد ظروفك البيئية الحالية .
3- حدد أهم العوامل أو القوى المحركة لهذه الظروف
4- حدد أثر هذه العوامل أو القوى المحركة في المستقبل
5- فكر بجدية " ما المحتمل ظهوره علي الساحة في الفترة القادمة من هذه العوامل سواء عوامل جديدة أو سبق ظهورها من قبل " ؟
6- جمع البيانات وقيم المعلومات التي وصلت لها ، وحاول أن تربط بينها وتجمع الأمور لتصل الي شيء محدد ، وعليك أن تستخدم في ذلك رأى من له خبره بالأمور عن اتجاهات المستقبل والتغيرات المتوقعة في سلوك الأفراد والمجتمع .
ومن أهم المقولات التحليلية الهامة في هذا الصدد
1- كل الاحتمالات واردة
أي لا يوجد احتمال غير وارد مستقبلا أو المشكلة هنا تكمن في حساب الأوزان النسبية لكل احتمال ومدى أهميته وأيها يعد أقرب إلى الوقوع والتحقق مقارنة بالاحتمال الآخر .
2- التاريخ يعيد نفسه
أي أن الأحداث والظواهر المختلفة التي حدثت في الماضي تتكرر في الواقع الحالي والاحتمال الأكبر أن تتكرر أيضا في المستقبل المنظور
3- فكرة المابعدية The post
وهي عكس السابقة فالمستقبل لن يكون له صلة بالواقع الحالي وبالطبع بالماضي أيضا وهي فكرة تبني علي التجاوز والقطعية التاريخية " والافتراض الواضح أن المستقبل يتضمن قطيعه مع كل ما سبقه من هنا يتردد ما يعد الحداثة ، ما بعد القومية ، ما بعد السياسة .
https://telegram.me/buratha