المراقب
المجتمع السني مكون حكم العراق قرون طويلة لوحده دون ان يشرك احد في الحكم معه ,وبفعل هذه المخلفات في الحكم وغيرها كالموقع الجغرافي والبعد القومي تكونت لديه خصائص تميزه عن غيره وهي :
1ـ إنّهم ـ اجتماعياً ـ أقرب الى الحياة البدوية، فتأثيرات البادية تترك بصماتها على ثقافتهم في الضيافة، والنخوة، والعادات الأخرى، وحتى على لغتهم وتراثهم الأدبي والفني، وعلى ملبسهم والازياء نوعاً ما، مع أنَّ هذا الفرض اليوم يعد نادراًإلاّ في الحياة القبلية، والأرياف، ورجالات عشائرهم، وقد وضع أحد المستشرقين كتاباً فيه المحددات اللغوية التي بموجبها يمكن معرفة السُنّي من الشيعي معتمداً على لهجة البادية التي تميّز المجتمع السُنّي الذي يسكن أطراف البادية، والشيعي الذي تأثّرت لغته بالجنوب والوسط, لكن الطبع البدوي يبدو حاكما في توليد نزعة سايكولوجية تتجه بهم الى فرض الراي وتغليب منطق المصالح على منطق الصالح العام وممارسة الحكم بنجو فردي وبما يعزز من سلطة الفرد والعشيرة في الغالب والبدوي بحكم قساوة البادية مع ما يمتلك من عادات راقية الا انه بطبيعته يستنفر كل امكاناته لاثبات وجوده وان تم الغاء الوجودات الاخرى , وهذه هي احد اسباب تفرد الطبقة الحاكمة السنية قرونا بالحكم دون اشراك غيرهم حتى من ذات المكون السني مالم يقترب اليه بالحسب او النسب القبلي , ومازالت شواهد التاريخ توكد مقولة حكم التكارتة والعوجة وهو توجه بدوي قبلي وراثي وهذا هو المنطق الذي حكم مشايخ الخليج ذات النزعة البدوية واليوم يتنازع الحكم الحلابسة والكرابلة مغيبن ابناء مكونهم .
2ـ إنّهم ـ دينياً ـ مسلمون، وهم في الغالب ينتمون الى المذهب الحنفي وهو أقرب المذاهب عقائدياً الى التشيع كمكوّنٍ اجتماعي مع قطع النظر عن طبقاتهم السياسية، وتوجّهات المكوّن الاجتماعي، وميوله السياسية المتأثّرة بدرجةٍ عاليةٍ تاريخياً بالسياسة التركية، وحالياً بالسياسة الوافدة اقليمياً من المحيط العربي، ومن ثقافة الحكّام السُنّة العراقيين الذين تركوا بصماتهم على المكوّن بنحو عامّ. المهم أنّهم كمجتمع ينتمون الى المذهب الحنفي الذي يحمل أدبيات ومفردات عقائدية قريبة من آل البيت(ع) فَهُم ـ والحال هذا ـ لايحملون نظرةً تكفيريةً للشيعة، هذا بالاضافة الى انتشار الحركات الصوفية القريبة بفكرها من التشيع، كما أنَّ المصادر تؤكّد أنَّ العديد من العشائر السُنيّة في المدن السُنيّة هي عشائر تنتمي الى النسب العلوي (الأشراف) ، هذا بالإضافة الى أنَّ العديد من العشائر العراقية متداخلة اجتماعيا؛ فإنَّ نسبة التزاوج بلغت حسب التقديرات المختلفة 11%، أمّا التداخل العشائري بأنَّ العشيرة الواحدة منشطرة الى سُنّة وشيعة قد يصل الى نسبٍ عالية قيل يتجاوز نسبته 30% من العشائر العراقية، هذا التداخل والتقارب المذهبي، وانتشار الحركات الصوفية، ووجود العشائر التي تنتمي لنسب النبي ’ من الأشراف جعل المجتمع السُنّي ـ بما هو مجتمع ـ قريباً جداً من المجتمع الشيعي وليس مجتمعا تكفيري من هنا تعمل المطابخ السعودية على نشر الفكر الوهابي في ظهراني المكون السني منذ الحملة الايمانية الصدامية ثم تلتها داعش ومن الموكد ان مخلفاتهاالفكرية سوف تترك اثارها في ايجاد طبقات تكفيرية .
نعم الأمر يختلف في الثقافة السياسية للمجتمع السُنّي التي تأثّرت بالحياة السياسية والعسكرية للحكّام السُنّة الذين حكموا العراق قروناً؛ فنجد ثقافتهم تأثّرت بالثقافة العثمانية، وربما حالياً تأثّرت بالثقافة السياسية التي تعمل على ترسيخها لدى السُنّة في العالم العربي كل من تركيا، والسعودية، والامارات ، ومن سار في ركبهم.
3ـ ومن ثقافة المكوّن السُنّي العراقي المرتكزة في أعماقه الانتماء القومي العربي، وهذا ناتج طبيعيٌ بعد نشوء الدولة القوميّة العربيّة في العراق عام 1921م بعد انهيار الامبراطورية العثمانية فإنّ توجهاً قوميّاً عربيّاً شهدته الساحة العراقيّة منطلقاً من الأحزاب والحكومات السُنيّة، والقادة العسكريين، سيطر على العقل العراقي بنحو عام، والسُنّي بنحو خاص، وترسّخ أكثر لدى الطبقات القريبة التي عملت مع السلطات عبر مراحل متعددة، والذي يتابع الحركة الفكريّة السياسيّة والثقافية لدى المكوّن السُنّي منذ تأسيس دولة العراق عام 1921م يجدها حاضنةً للفكر القوميّ العربيّ، فكل الأحزاب التي نشأت في هذه المرحلة وما بعدها، والحكومات كانت تتجه اتجاهاً قوميّاً متأثّرةً ـ أيضا ـ بالمحيط العربي، وبالأحداث والثورات في مصر وغيرها من العالم العربيّ، وقد لازم ذلك اخراج الشيعة عن الدور السياسي، ووجّهت اليهم التُهم التي تستبطن أمراً في غاية الخطورة:"من أنَّ المكوّن الشيعي لايحقُّ له الاشتراك في الحكم؛ لأنّه صفويٌ أو شعوبيٌ"، الى غير ذلك من التُهم, وما كان يجري في الادبيات السياسية لهم مفهوم التهميش بينما يجري اليوم – من البعض – ان تعارضت مصالحة الخاصة القبلية والمالية مع المصالح العامة .
4ـ سيطرة العقلية العسكرية بكل لوازمها على الثقافة السياسيّة لطبقةٍ من المكوّن السُنّي من روح الانقلابات العسكرية التي طبعت المشهد السياسي العراقي، والممارسات السلوكية الفردية من عنفٍ وقوةٍ وقسوة لدى البعض، فالعراق أول بلدٍ عربيٍ شهد الانقلابات العسكرية زمن بكر صدقي27 تشرين الأول عام 1937م، واستمر الحال هكذاالى عهد (صدام حسين)، تلك العهود كان الحكم والثقافة العسكرية هي المسيطرة على ثقافة المجتمع العراقيّ، ولأنَّ القادة كلهم سُنّة لذا كان تأثّر الطبقة السُنيّة السياسيّة والحكوميّة أكثر وضوحاً,وربما انتقلت هذه الثقافة الى كل القيادات السياسية في المراحل المختلفة .
5ـ إنَّ المكوّن السُنّي يعاني من التركة الثقيلة للمارسات التي مارسها الحكّام السُنّة؛ إذ تحمّلوا أو حُمّلوا أوزار العهد العثماني ومجازره وحروبه ضدَّ عددٍ من المكوّنات العراقية، وحُمّلوا أيضاً ممارسات الحكومات السُنيّة اللاحقة , مما ولّد نوعاً من القطيعة والترسبات الاجتماعية السلبية بينهم وبين المكوّنات الأخرى؛ مع ان المكون السني اجتماعيا مجتمع عفيف ويمتاز بالنخوة والحفاظ على الاعراف والقيم الاسلامية، فالكُرد يشعرون أنَّ مظلمةً حصلت عليهم من هذه الطبقة ، وهكذا التركمان، وهكذا المسيح، فضلاً عن الشيعة, هذا الميل العسكري ولد لدىالبعض منهم عدم امكانية تقبل الاخر كونهم يستطبنون في اعماقهم ثقافة التسلط والقوة وان هذا الموروث خطير في طبقات اجتماعية عديدة منهم تمكن ان يوظفها حزب البعث والخط العثماني من قبل وبعده البريطاني والخليجي وقد يتم توظيفها لاحقا .
6ـ توجد خلافات واختلافات كبيرةٌ داخل المجتمع السُنّي بين مدينة وأخرى نتيجة الهيمنة الطبقيّة السياسية، وهذا ما يؤكّده العديد في كتاباتهم؛ فأبناء تكريت ليس كأبناء العوجة( خط حزبالبعث المدنى ومنهم صلاح عمرالعلي ) تاريخيا، وابناء تكريت( صدام وزمرته) القاسية والرمادي( عبد السلام وعبد الرحمن,وغيرهم الاقربالى الحوار) , وكل هولاء ليسوا كابناء الموصل لقربهم من السلطات العثمانية عبر التاريخ ، وتفككت البنية الاجتماعية أكثر لدى بعض المدن السُنيّة والطبقات الاجتماعية والعشائرية زمن صدام حسين نتيجة ممارساته وتصفياته وقتله للعديد من قادة الحزب والسلطة والقادة العسكريين، فلايمكن أنْ نتصوّر في مجتمعٍ يمتاز بعاداته القبليّة أنْ تنسى مدينة سامراء قتل عبد الخالق السامرائي، أو ينسى الآخرون قتل الضابط البارز (مظلوم الدليمي)أو (عدنان حسين)، أوقتل وازاحة (البكر وابنه)، خصوصاً أنَّ صدّام كان يهمّش ويعاقب العشيرة بكل أفرادها إنْ عاقب أحد أبنائها، وقد بلغت الخلافات أنْ قتل صدام أزواج بناته، وابن خاله الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع (عدنان خير الله)، هذه الممارسات لها تركاتٌ وجراحاتٌ لايمكن أنْ تنتهي دون أنْ تترك أثرها وتعمّق شرخها في البناء الاجتماعي السُنّي, وهذا يعقد عليهم الوحدة والاتفاق كما عقده على الكرد والشيعة لذات السبب واختلاف المنحدرات .
7ـ المجتمع السُنّي بتوجّهاته السياسيّة تاريخياً مجتمع متديّن، إلاّ أنَّ الطبقة الحاكمة كانت ومازالت قريبةً جداً بتوجهاتها السياسية الى الفكر والثقافة والسياسة العلمانية؛ فإنَّ مراجعة بسيطة للاحزاب التي نشأت خلال وإبان وبعد تكوين الدولة العراقية عام 1921م الى عهد النظام البعثي تظهر أنّها في الغالب ذاتُ توجّه علماني، وحتى الأحزاب السُنيّة الممثّلة للمكون السُنّي فيما بعد 2003م هي أحزاب علمانية غالباً إلاّ الحزب الإسلاميّ الذي شهد أفولاً وتراجعاً كبيراً في شعبيته حينا ثم استعادته لقوتة حينا اخر، ربما السبب يعود الى طبيعة الثقافة العلمانيّة القوميّة التي تأثّر بها المجتمع السُنّي فضلاً عن التأثيرات الإقليمية.
8ـ يوجد نوعٌ من الثقافة لدى المجتمع السُنّي ـ كرواسبٍ لثقافاتٍ تاريخية ـ أنّه وحده يمثّل العروبة في العراق، ووحده ينتمي الى العالم العربيّ، وباقي مكوّنات العراق هي مكوناتٌ لاتنتمي الى الأمّة العربية؛ فإنّ الكرد هُمْ مُجتمعٌ مختلف قوميّاً عن العرب السُنّة برايهم ولايشفع لهم الانتماء الوطني ، وهكذا الشيعة والتركمان، لكن الكلام يتّجه الى الشيعة أولاً وآخراً، وما زالت الجهات الإعلامية والسياسات والتصريحات من بعض المسؤولين والسياسين السُنّة العراقيين تؤكّد هذا، ويسندهم الاعلام العربي سيرا بهذا الاتجاه, وقد ظهرت نتائجه في التظاهرات الاخيرة اذ يحترق الجنوب الشيعي ويعتقد البعض من قادة السنة انه امر لايعنيه لانه لايجتمع معهم على اسس المواطنة .
والنتيجة : إنّ ثقافات القوى السياسيّة الراهنة التي تستمدُّ عقيدتها السياسيّة من التاريخ السياسيّ البعيد والقريب، وهي الحاكمة والمؤثّرة في الواقع السياسي، وهي التي تحدد اتجاهات المكوّن السُنّي السياسيّة بناءً على رواسبها السياسيّة التي نقلتها هي وقلّدت من قبلها حذوَ القذة بالقذة؛ لإسقاطها وإفراغها على الواقع الحالي، مما شكّل عقبةً تَحولُ دون الاستقرار السياسي في العراق وصادف شدا طائفيا بالمقابل اثر المغذيات الخارجية الطائفية والقومية والسياسية ، مما جعل الفرص تضيق حينا وتقوي القلق حينا اخر، ولكن يبقى العراق بسنته وشيعته كمكونات اجتماعية بعيداعن الطبقات السياسية المودلجة منشدين الى وحدة وطنية، هذا ماتمليه عليهم توجهاتهم وثقافتهم السياسية راهنا وتاريخيا.
https://telegram.me/buratha