حيدر الرماحي||
لم يفهم الغرب الاسلام الا من خلال توافد المستشرقين على البلاد الاسلامية خلال القرون الماضية فدرسوا التراث والنصوص والمعالم، وعلى هذا الاساس رسموا صورة معينة عن الاسلام واوضاع المسلمين، فدرسوا الحج وبحثوا في امر البقاع المقدسة، كا بحثوا القران الكريم بالاضافة الى سائر مصادر العلم والمعرفة والادب، وهذا ساعدهم على ايجاد الطريقة الافضل –بالنسبة لهم- للتعامل مع الشعوب الاسلامية، ويعتقد البعض ان عهد الاستشراق قد طواه الزمان واستنفذ اغراضه، بيد ان معطيات الواقع تشير الى ان الغربيين الذين يرون انفسهم رعاة الحضارة والانسانية ما يزالون يبحثون عما خفي عليهم من حقائق تتعلق بالحضارة الانسانية، ومن ابرز تلك الحقائق الكبيرة التي لم يتوصلوا بعد الى صورة متكاملة لها، النهضة الحسينية كحدث تاريخي ذو دلالات عميقة، وايضا كثقافة وفكر تتبناه شريحة واسعة من الامة، يتمثل في احياء ذكرى الامام الحسين (عليه السلام) ضمن شعائر وطقوس خاصة في عاشوراء وزيارة الاربعين، ولهذا نلاحظ محاولات جادة من علماء ومفكرين وفنانين من فهم الدوافع لما يشاهدونه من اعمال مذهلة خلال زيارة الاربعين كالمشي لمسافات طويلة صوب مرقد الامام الحسين(عليه السلام) وتقديم مختلف الاطعمة وتوفير السكن والدواء والراحة وغير ذلك1.
وعندما يسمع الانسان الغربي عن حادثة استشهاد الامام الحسين(عليه السلام) بعد ان اصبحت هذه القصة تخترق مشاعر الاطفال والنساء والانسان الغربي بفضل التقدم في تقنية وسائل الاتصال والاعلام، فان المعنيين بأمر الثقافة في البلاد الغربية سيجدون انفسهم مطالبين بملئ هذا الفراغ الذهني الجديد، بما يرونه مناسبا لهم والاجابة عن التساؤلات وتقديم التفسيرات لما جرى، كما حدث تماما بالنسبة للدين الاسلامي عندما وصل الى المجتمعات الغربية من خلال الكتب المترجمة والمطبوعات العامة وانتشار المبلغين وغيرهم، ثم جاء دور السينما لتقرب الصورة اكثر الى الاذهان2.
ان هذا التحول والتطور يضعنا امام مسؤوليات واستحقاقات كبيرة كأمة ومؤسسات، لمواكبة هذه الظاهرة ورسم صورتها لدى المجتمع الغربي الذي باتت الصورة تصله عبر الوسائل المتعددة كالاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي او عن طريق المسيرات التي تخرج في الدول الغربية وعواصمها للجاليات المسلمة التي تعيش هناك في العشرين من صفر كل عام.
وربما يُتصور ان الاعلام وحده يكفي أن يجعل حدثا ما داخلا ضمن نطاق العالمية وربما يتصور ان الاثارة والاهتمام كافيان وربما هناك اسباب ومحددات تفرز ماهو ذو مقاس عالمي مما لا يمتلك هذه الصفة، لكن من المؤكد ان الجميع يتفق على اهم عنصر في تأطير الحدث العالمي هو مدى مشاركة شعوب العالم المختلفة في ذلك الحدث فالاعلام يمكن ان يُحتكر والاهتمام يمكن أن يُمول عن طريق الاثارة او صناعتها، لكن المشاركة الانسانية تبدو عنصرا محايدا وفارقا في هوية الحدث العالمي، وكلما زادت بساطة الانسان كلما عبر عن عالمية في المشاركة الصادقة اطرة من عوامل الترغيب والترهيب، وكلما تنوعت الشعوب كلما عبرت عن هويتها العالمية3.
ان تظاهرة كبيرة بهذا المستوى متمثلة بالزيارة الاربعينية كانت بالاجدر وفق مقاييس القمع البعثي الذي (حكم العراق مايقارب 35 سنة) ان تدرس معالمها ولا يسمح لاي كان ان يمارسها كما يشاء، لكن من جانب اخر لعب النظام البعثي في العراق دورا مضطربا في فترة توليه السلطة في العراق وخبيثا ازاء الشعائر الحسينية، فتارة يعلن انه سليل الدوحة المحمدية ليقيم تحت عناوين مختلفة الولائم كجزء من مراسيم الزيارة الاربعينية وتارة اخرى يَدُس بازلام نظامه وسط التجمعات التي تمارس هذه الشعيرة بغية ابادتها4.
ويبدو ان النظام البعثي الذي حكم العراق حتى سقوطه كان يسعى جاهدا على حرف الشعائر الحسينية عن مسارها وتجييرها لصالح السلطة وعندما عجز عن حرف مسارها عمل على ابادتها، وهذه السياسات التي اتبعها نظام البعث حدى بالشيعة في العراق الى اتخاذ سياستين للمحافظة على محتوى واهداف ورسالة الشعائر الحسينية بالصبر تارة، وتارة اخرى بالمواجهة والتحدي كما في حادثة انتفاضة صفر عام 1977م المعروفة.
ورغم كل السياسات نجد ان زيارة الاربعين بعد سقوط النظام البعثي ونتيحة الانفتاح العالمي على العراق يمكن القول انها حققت ارقاما عالمية من خلال الرسالة الانسانية والبعد المعرفي الذي تحتويه في كل زواياها.
واثبتت الاحصائيات التي اجرتها الاقمار الصناعية ونشرت تقاريرها عبر الموسوعة الحرة العالمية (ويكبيديا) ان كربلاء تسجل المرتبة الاولى في التجمعات البشرية السلمية في التاريخ5.
ويقول مسؤول القوات المسلحة للشرق الاوسط للادارة الامريكية بعد ان راقب هذه الظاهرة والمظاهر الحسينية عبر الاقمار الصناعية لمدة اسبوعين او اكثر فإنبهر وقال: انا اعترف –انتم الشيعة- اكثر تحضرا بالمقايسة مع الاحداث التي تقع في نييورك او باريس6.
ان مقارنة بمثل هذا الوصف يشير الى حدث مفتوح يحدث في ارض العراق على مسافة آلاف الكيلومترات ولا يشوب هذا الحدث أيَ فتنة او اختلاف رغم اختلاف وجهات النظر وتباين الثقافات والعادات والاخلاقيات الا ان الميزة الواضحة في هذه المسيرة هي المحبة والمساواة ونكران الذات.
وهكذا اذا اردنا ملاحقة الاصداء العالمية لزيارة الاربعين فسنجد تلك الانعاكاسات التي التي تحققها الزيارة وحققتها في انفتاح العالم على التشيع واصبح يفهم معنى الشيعة من خلال البوابة بعد سنين طوال من القمع الاعلامي وتشويه الصورة من قبل ماكنات اعلامية ودينية بالاضافة الى تبني سلطات العداء للشيعة.
واليوم تظهر لنا هذه الانعكاسات العالمية حينما نشاهد تلك المسيرات في دول اوربا والعالم في ايام محرم والاربعين فضلا عن اطلاع العالم العربي عن حقيقة مبادئ الشيعة واصبح العالم يلمس الكرم ونبذ العنصريات والقوميات والتعايش السلمي ومحبة اهل البيت(ع) من قبل اتباع هذا المذهب، ونستطيع ان ننظّر كيف اصبحت هذه الظاهرة بعالميتها عاملا من عوامل قدرة الحكومة والنظام السياسي الجديد في العراق على ادارة شؤونه واثبت من خلال حماية هذا الزيارة ان العراق بقواته واجهزته الأمنية قادر على حماية نفسه.
ـــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- حسين محمدعلي، عالمية الحسين واستحقاقات الوعي الجماهيري زيارة الاربعين مثالا، الموقع الالكتروني لمجلة الهدى، (www.alhodamag.com)
2- المصدر نفسه.
3- رسول الحجامي، زيارة الاربعين وبعدها العالمي، مقال منشور على الموقع الالكتروني بتاريخ 20/11/2016 (www.anndaa.org)
4- ستار جبار راضي، الزيارة الاربعينية مسيرة للتكامل الانسانيفي تخقيق التحول من الممارسة الشعائرية الجينية الطائفية الى وعي عالمي، زيارة الاربعين مسيرة للتكامل الانساني، ج2، مصدر سابق، ص335.
5- كربلاء تحتل المرتبة الاولى عالميا كاكبر تجمع بشري سلمي في التاريخ، 20 صفر 1438، خبر منشور على شبكة الكفيل العالمية(alkafeel.net).
6- ابراهيم حسين البغدادي، اسرار الزيارة الاربعينية –تقرير لابحاث اية الله الشيخ محمد السند، الاميرة، لبنان، 2012، ص20.
https://t.me/Hayder2021