د. علي المؤمن||
· قواعد التمايز والتكامل بين المجتمعات الشيعية
·
عالمية النظام الاجتماعي الديني الشيعي ووحدته الاجتماعية وتماسك مكوناته البشرية؛ تعني أن الشيعة يشكلون وحدة سيسيولوجية دينية وليست سيسيولوجية محضة أو انثروبولوجية؛ فكل مجتمع شيعي يتمايز في لغته وقوميته وثقافته المحلية وجغرافياه الوطنية عن غيره من المجتمعات الشيعية؛ فإنه لزاماً يتمايز في خصوصياته العقلية والنفسية والاجتماعية والانسانية، أي أن له هويته الانثروبولوجية والاجتماعية المستقلة. إلّا أن هذه الخصوصيات لاتعيق تماسك مكونات النظام الاجتماعي الديني الشيعي ووحدة الاحتماع الديني لعموم الشيعة، بل تضفي عليه هذه الهويات المتعددة قوة التنوع الثقافي والعقلي، خاصة وأن طبيعة النظام الاجتماعي الديني الشيعي وتراكم خبراته تجعله يمتلك القدرة الذاتية على تقارب هذه الهويات وتكاملها في إطار هوية اجتماعية دينية واحدة، وبالتالي فإن تنوع الهويات الانثروبولوجية والاجتماعية للشيعة هو عنصر شد وليس فرقة.
ولايتوقف تعدد الهويات الاجتماعية والإنسانية للشيعة على تعدد بلدان الحضور الشيعي، بل يتسع للخصوصيات اللغوية والقومية والقبلية والمناطقية في البلد الواحد وفي الجغرافيا الواحدة. ففي العراق ـــ مثلاً ـــ هناك الشيعة العرب والفيليين والإيرانيين والكرد والتركمان والشبك، ولكل منهم لغته وثقافته الاجتماعية الخاصة، وهكذا في أفغانستان؛ هناك الشيعة الهزارة والتاجيك والقزلباش والبشتون والفرس والبلوش والسادة (العرب)، وفي ايران؛ توجد مجموعات عرقية وثقافية ولغوية شيعية كثيرة، كالفرس والآذريين والتركمان واللر والكرد والبلوش والعرب، وفي آذربيجان، هناك الشيعة الآذريين والطالشيين والكرد والداغستانيين والتتار والروس.
وبالتالي؛ فإن الجامع المشترك لكل هذه العرقيات والثقافات الوطنية والمحلية، هو الاجتماع الديني أو المذهبي الشيعي، وهو جامع مشترك قوي وعميق، ويتفوق ـــ غالباً ـــ على العنصر القومي واللغوي والمناطقي. فلذلك؛ نرى أن الأواصر المذهبية التي تشد الشيعة ببعضهم أقوى من الأواصر الأخرى. وهذه الحقيقة تتجلى اكثر في المنعطفات والمحن والتحديات المشتركة، رغم الرفض النظري لها والشعارات الظاهرية التي تتعالى عليها. وتزداد هذه الحقيقة وضوحاً، كلما ازداد مستوى التدين والتمذهب لدى الأفراد والمجتمع. لكن هذه الآصرة المذهبية لاتنتقص من الانتماءات الوطنية للشيعة؛ لأن الانتماءات الوطنية هي انتماءات سياسية وقانونية، بينما الانتماء الشيعي هو انتماء اجتماعي ديني، وبالتالي؛ لاتعارض بين الانتمائين، كما فصّلنا في فقرات سابقة.
وللتعرف على طبيعة التنوع العقلي والنفسي والاجتماعي والثقافي للمجتمعات الشيعية المتعددة قومياً ووطنياً ومتاطقياً، وأثره في التمايز بين كل مجتمع وآخر، وعلى التكامل بينها، وعلى الاندماج بمجتمعات الدول المختلفة دينياُ ومذهبياً؛ نستعرض هنا نماذج منتقاة من المجتمعات الشيعية، وهي ستة مجتمعات متميزة، يشكل مجموع سكانها حوالي (270) مليون نسمة، من مجموع (400) مليون شيعي، أي ما نسبته 70 بالمائة من عدد شيعة العالم، وهي: المجتمعات الشيعية الخليجية والعراقية والإيرانية واللبنانية والآذربيجانية والهندية.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha