حيدر الرماحي ||
ما يزال العراق يغلي على صفيح ساخن بسبب تقاطع مصالح وسياسات القوى الكبرى المؤثرة في الشرق الاوسط هذا من جهة، ومن جهة اخرى الوضع الداخلي العراقي المأزوم والمتأزم من ناحية الواقع السياسي المعقد والشائك، والوضع الامني غير المستقر، والحال الاجتماعية الاقتصادية الصعبة جدًا.. عن حال العراق وعلاقاته بجواره ورؤيته للتطبيع، كان لنا هذا الحوار مع الباحث في العلوم السياسية الاستاذ حيدر الرماحي.
حاورته: نسرين نجم_ منارة القلم المقاوم.
في ظل موجة التطبيع نبدأ الحوار بالسؤال كيف ينظر الشعب العراقي للتطبيع؟ يجيب الاستاذ حيدر الرماحي قائلًا ان:"مشروع التطبيع ليس وليد اليوم لذا علينا ان نبين ان هناك مقدمات وتحضيرات خُطط لها وسياسات رسمت لتحقيق هذا المشروع و منذ زمن بعيد الى ان وصل الى مرحلة العلن. انطلاقا من فهم وادراك" اسرائيل" ان مشروعهم سئ الصيت لا ينال قبول لدى الامة الاسلامية والعربية.
والعراق لما يمثله من موقع استراتيجي على جميع الاصعده خصوصا الديني، فلم يسلم من هذه المخططات.
فقد سعت امريكا و"اسرائيل" جاهدتين الى خلق الاجواء والظروف من اجل مشروعهم وهو تطبيع العلاقة بين اسرائيل والعراق الا انها لم تفلح وذلك لعدة اسباب ربما جعلت العراق عصي على الخضوع لهذا القرار ومن جملة هذا الاسباب ان الشعب العراقي يمتلك وعيا وارادة كبيرة. تؤهله لاخضاع القرار السياسي لارادته.
وايضا وجود المرجعية الدينية التي تمثل القائد الموجه للشعب، و الطبيعة العشائرية للشعب العراقي الرافضة لمثل هذه المشاريع والتي لا تساوم على ذلك.
بالاضافة الى وجود قيادات سياسية مخلصة.
فضلا عن وجود الحشد الشعبي الرافض لاي علاقة مع "اسرائيل" .
هذه العوامل وغيرها تمثل عوامل ضغط على اتخاذ القرار السياسي خصوصا بهذه القضية.
ولذلك نجد اليوم ان هناك سياسات مفروضة على العراق من خلال ايجاد حكومة ضعيفة غير قادرة على ايجاد الحلول لازمات العراق. والعمل على تجويع هذا الشعب من خلال سياسات اصبحت مفتضحة امام الراي العام وازمة ارتفاع قيمة الدولار امام الدينار العراقي دليل على ذلك من اجل رهن القرار العراقي للمنظمات العالمية والدولة الكبرى والهدف من ذلك الضغط على الشعب وتركيعه للرضوخ لهذا المشروع.
واعتقد ان الشعب العراقي يملك من الوعي ما يمكنه من كشف هذه المخططات الخبيثة وغير مستعد لمد يده لمصافحة اسرائيل الغاصبة والمعتدية على الاسلام والمسلمين . ولذلك لسبب واضح ان مشكلتنا مع اسرائيل ليست سياسية فحسب وانما لها جذور دينية ايضا.
واما لو حدث تباين بين موقف الشعب والحكومة فلن يكون للتطبيع مكان على ارض الواقع في العراق فكما اسقط الشعب العراقي داعش وهزمها سيهزم هذا المشروع الصهيوني ولن يسمح لان يمتد له هذا السرطان".
نحن على ابواب ايام قليلة من الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيدين القائدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس نسألكم عن معنى هذه الذكرى عند الشعب العراقي وماذا تعني لهم هاتين الشخصيتين؟ يقول الاستاذ الرماحي:" للحديث عن معنى ذكرى شهادة الشهدين الحاج قاسم سليماني وابو مهدي المهندس لابد في البداية ان اشير الى موجز عن اهم الخصائص التي تمتعت به شخصية الشهيد سليماني ومن ثم المهندس.
فالشهيد سليماني كان يتمتع بعدة مواصفات خاصة كانت تميزه عن غيره من القادة لما يمتلكه من مؤهلات ربما لزمن طويل كنا نفتقد مثل هذه الشخصية.
واهم تلك المميزات والخصائص هي
* البعد العالمي لحراكه ونشاطه اضافة الى بعده الوطني، اي انه كان يحمل هما وطنيا يرافقه الهم الاسلامي والدفاع عن المستضعفين على مستوى المنطقة والعالم.
* يمثل شخصية احتوائية بمعنى الكلمة اذ كانت له يد في العراق واخرى في اليمن ولبنان وباكستان وسوريا .. ومناطق اخرى. وهكذا له يد في السياسة وفي الجهاد، وبين الاوساط الاجتماعية وله حضوره المهم في احلك الظروف والمواقف السياسية العسيرة.
* عملا في ساحات معقدة سياسيا وامنيا وحققا الانتصارات باقل الامكانات ولكن كان الاعتماد الاكبر على تاييد وتسديد الله تبارك وتعالى، لذا فاعتقد ان الشهدين السعدين كانا من الشخصيات الاستثنائية وليس من السهولة تكرارها.
* ايضا كنت هناك سمة اخرى تميز بها الشهيدين وهي الطمأنينة والسكينة في اصعب واحلك المواقف، في حين كانا يواجهان المخططات الخبيثة لاعظم دول واكثره استكبارا.
من هنا يمكن ان نستخلص موقع ومكانة هذه المناسبة ومكانة هذين الشهيدين التي سيستذكرها العراق بطريقة مختلفة هذا العام ليعبر للعالم عن عدة معاني يمكن ان الخصها بـ:
*ان موقع الشهادة موقع فخر ونصر وليس انكسار في ثقافتنا .
* ان لا تراجع ولا مساومة مع العدو مهما كان مستكبرا.
* ان الشهيدين كان شأنهما معروف لدى خاصتهم لكنهم اليوم اصبحا رمزا لكل شخص مقاوم وغيور.
هذه المقدمة كفيلة في ان توضح معنى هذه الذكرى ومدلول هاتين الشخصيتين ليس فقط لدى الشعب العراقي وانما لكل الشعوب المستضعفة التي دافع عنها هؤلاء القادة، فقد كانا قد افشلا اكبر مشروع للاطاحة بالمنطقة واستعبادها وهو مشروع داعش والذي حظي بدعم غير مسبوق من قبل دول الاستكبار وذيولها.
اليوم هاتين الشخصيتين اصبحت لهما من القدسية في قلوب الشعب العراقي والثائرين والمنصفين الى الحد الذي كشف لهم حقائق سياسات دولية كانت تمارس النشاط الناعم لكن بفضل هذه الدماء انكشفت الصورة بشكل كبير لدى الامة واتضح لهم زيف العدو والمخططات الخبيثة".
العراق كما لبنان من ناحية الانقسام البرلماني في من يريد ان يذهب شرقًا وآخرين غربًا، رغم تقديمات الصين، عن قراءته لهذا الموضوع، يقول الاستاذ حيدر الرماحي:" بلا شك وكما تفضلتم ضمن السؤال ان هذا الانقسام حاصل ولكن علينا ان نسلط الضوء على اسباب هذا الانقسام ومن يقف ورائه وماهي الغاية منه؟
ان واحدا من اهم الاسباب لوجود انقسام ليس فقط على مستوى البرلمان وانما على جميع المستويات الشعبية منها ايضا هو وجود نظام سياسي يعتمد على البعد الطائفي والقومي والمذهبي وهذا ما فرضته امريكا على العراق بعد سقوط نظام الطاغية تحت مسمى الديمقراطية، من دون وضع حسابات خاصة للاكثرية . وكل مكون من هذه المكونات يسعى لتقوية نفوذه بعدة وسائل منها الدخول في محاور الصراع لحماية نفوذهم.
والسبب الاخر هو فشل التجربة الامريكية في العراق بعد ان تهيأت لها الفرصة والظروف لتحقيق الاستقرار وبناء العراق لكنها تعاملت مع العراق كموقع جغرافي لبسط نفوذها على المنطقة ولم تقدم للعراق سوى الدمار، وفرض سطوتها لا على اساس التحالف وانما على غرار الفرض باستخدام قدرتها بعد ان كانت قد صرحت للعالم وللشعب العراقي بانها ستطور من قدرة العراق وتبني بناه التحتية وتخلصه من النظام الظالم .
والسبب الثالث هو بروز قوى فاعلة على ساحة الصراع العالمي ولم تعد امريكا وحدها اللاعب الاساسي المطلق في الساحة الدولية.
هذه بعض الاسباب التي تدعو الطبقات السياسية واللاعبين السياسيين الى قراءة الواقع بشكل دقيق والسعي للتخلص من السيطرة الامريكية التي تحاول ان تزيد من معاناة الشعب العراقي ولم تقدم له سوى الدمار طيلة 17 عاما بعد التغيير السياسي عام 2003 والتحكم بمصيره وقراره السياسي والامني والاقتصادي.
لذلك حدث الانقسام نتيجة تجربة امريكية فاشلة والسعي للتخلص من الهيمنة الامريكية على مقدرات العراق . وهذا ما تعارضه الجهات المستفيدة من الحضور الامریکي في العراق.
وهنا تاتي التفاهمات العراقية الصينية في سياق التخلص من الضغط الامريكي الذي اصبح يهدد النظام السياسي القائم".
وعن المساحة السياسية التي وصل اليها التحالف الاردني المصري العراقي؟ يجيب قائلًا:"لقراءة هذا التحالف لابد من فهم طبيعة المنطقة والقوى الفاعلة وتوازنها في ظل المتغيرات السياسية. ومن هنا يجب قراءة توازنات القوى الاقليمة على مستوي المنطقة.
*هناك ثلاث قوى مؤثرة بشكل فاعل في المنطقة متمثلة بايران وتركيا و" اسرائيل" * ، وقد يختفي امام هذه القوى اي تاثير عربي على المستوى الاقليمي في مقابل هذه المراكز. اضافة الى ذلك الصراع والنفوذ الامريكي والروسي والفرنسي. هذه العناصر والقوى من شأنها ان تحد من اي تكتل او تحالف على مستوى المنطقة.
ان هذه الدول الثلاث العراق والاردن ومصر كل منها يعيش في ظل ظروف وازمات داخلية على المستوى الاقتصادي مما اصبحت هذه الازمات تؤثر على انظمتهم ما يدعو كل من هذه الدول وهي تعيش تهميشا سياسيا في المنطقة على مستوى التحالفات.
وفي اشارة اخرى فان هذه الدول تحاول تقويض العلاقة بين العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية خصوصا بعد اشتداد التوتر في السياسة الامريكية الايرانية، وهنا جاءت محاولات تحييد العلاقة العراقية الايرانية التي شهدت تطورا ملحوظا على كافة الاصعدة، وواحد من منطلقات هذا التحالف هو الضغط على الجمهورية الاسلامية والحد من سياستها الاقليمية بحجة اعادة العراق الى الحضن العربي، لتقويض التعاون بين ايران والعراق بما يخدم العقوبات الامريكية من جهة ومن جهة اخرى اضعاف النفوذ الايراني على المستوى الاقليمي.
ان هذا التحالف ربما يصعب ان ياخذ مساحته على مستوى الحراك والعلاقات الخارجية وربما لن يحقق على ارض الواقع سوى الجانب الاقتصادي المشترك في ظل الازمات المعقدة، رغم تطلعات هذه الدول الثلاثة من تحالفهم نحو قضايا مهمة اولها التطبيع".
بموضوع موافقة الحكومة العراقية موافقة على مساعدة لبنان بالفيول؟ يقول :" افهم ان هناك توجها عاما لمساندة لبنان في ازمته التي يعيشها منذ مدة بتقديم مادة الفيول وباسعار مخفضة.
ولكن طبيعة الظروف القائمة والمشهد السياسي والاقتصادي في العراق وفي ظل تأخر واقرار الموازنة، والغموض في فقرات عديدة ضمنها ربما يجعل البرلمان العراقي يراجع مواقف الحكومة في معظم فقراتها.
وبكل الاحوال اعتقد ان هناك شبه اجماع على مساعدة لبنان والوقوف الى جانبه في ازمته، في الوقت الذي تسعى اغلب دول المنطقة الى اتخاذ موقف المتفرج".
في 20 من الشهر الجاري دعت النخبة الادبية والعلمية والاعلامية للمشاركة بتظاهرة شعبية حاشدة، من وراءها؟ وهل هي فقط من اجل لقمة العيش، ام الجوكر هو الداعي لها، والايادي الخفية للاستخبارات الاميركية؟ يرى الاستاذ الرماحي بأن " العراق يمر في منعطف اقتصادي وازمة مالية خانقة بدون ايجاد حلول منطقية او واقعية ، ورغم ان اسباب هذه الازمة ليست وليدة اليوم ولا هذه الحكومة (حكومة الكاظمي) الان ان الغموض في التعاطي الحكومي والتناقض في اجراءاتها ولّد ازمة ثقة بين المواطن الذي يسعى الى ايجاد حلول لمشاكلة وتوفير فرص العمل له فضلا عن الخدمات من خلال الابهام في صرف الاموال وبدون رقابة، على سبيل المثال مجلس النواب لا يعرف كجهة رقابية ماديات وابواب صرف واردات الحكومة من المنافذ الحدودية التي تقدر بالمليارات وغيرها والتي ادعت الحكومة انها سترفد الميزانية.. وهكذا الاموال المصروفة لكردستان.
وفي مقابل ذلك لجأت الحكومة لايسر الحلول وابسطها برفع قيمة الدولار والذي ادى الى خسارة الموظف حدود 20% من راتبه، فضلا عن الارتفاع المفاجئ لاسعار السلع والمواد الغذائية.
وفي حين كان المواطن ينتظر ان تقدم الحكومة له التسهيلات وتفتح باب الاستثمار امام الشركات العالمية وتوفر فرص العمل وتضع الحلول للخريجين وتعالج ازمة الخدمات وتوقف الفساد المالي والاداري واذا به يستيقظ على اجراءات يحسبها المواطن انها تعسفية بحقه لذلك انطلقت الدعوات الشعبية لرفض قرارات الاصلاح الاقتصادي الاخيرة وبالمقابل سعت الحكومة للتمسك برأيها، وحاولت وتحاول الوقوف بوجه هذه الدعوات والاعتراضات الشعبية"
بالانتقال للحديث عن القرار الذي اتخذته فصائل المقاومة من الحشد الشعبي لحزب الله العراقي الى كل الفصائل حيث قررت عدم ضرب صواريخ على السفارة الاميركية، وقرروا القيام بعمليات مقاومة اكثر ضراوة وشراسة على مراكز وقواعد ومؤسسات اميركا بالعراق، لماذا الآن اتخذ هذا القرار؟ هل هو تراجع من هذه الفصائل؟ يجيب الاستاذ حيدر الرماحي:" هناك عدة استراتيجيات لفصائل المقاومة وترتبط هذه الاستراتيجات مع الواقع المتسارع للسياسات الاقليمية والدولية، واحسب ان اتخاذ قرار المقاومة بتسديد الضربات الاستراتيجية ضد القواعد والمؤسسات الامريكية في العراق وهي قادرة ان توجه هذه الضربات لما تمتلكه من قدرات عسكرية وصاروخية تهدد المصالح الامريكية بشكل مباشر، هذا التكتيك يرتبط بطبيعة الرسالة التي يراد تقديمها لامريكا وهي على ابواب تولي جو بايدن للرئاسة من باب مفادها ان المقاومة تمتلك القوة والقدرة على ضرب المصالح الامريكية بشكل مباشر في المنطقة والعراق تحديدا، ومن باب اخر ما كشفه سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير الذي حذر من الايام الاخيرة لترامب، وهذا يكشف استعداد وقراءة فصائل المقاومة للنوايا الامريكية ومدى استعدادها لمواجهة اي اعتداءات.
فلا يمكن اعتبار هذه التصريحات من قبل الحشد الشعبي على انها تراجع بل هي رسالة وجود وقدرة "
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha