* لا يمكن تصور نهوض امة من دون مشروع للوحدة، الوحدة التي يمكن من خلالها رصف اكبر قدر ممكن من الطاقات الاجتماعية والقدرات والافكار التي من شانها ان تعزز قوة الناهضين بهذا المشروع، ولذلك وجدنا ان القران الكريم يضع مسألة الوحدة في مصاف اولى اولوياته فيما يشير في نفس الوقت الى ان الفرقة والتشتت هي سبل شيطانية، "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" هذه الآية حينما نريد ان نضعها ضمن اسس التفكير الاسلامي لا شك ولا ريب انها تمثل احد الأعمدة الأساسية في النظام الاجتماعي والسياسي الإسلامي، في مقابل ذلك تحدث القران الكريم عن فرعون بعنوانه احد الاسباب التي تعمل على تشتيت المجتمع وتحويله الى شيع، تكلم عن الاحزاب وقال "كل حزب بما لديهم فرحون" اشارة الى انهم بمقدار ما لديهم ينعزلون عن غيرهم وبالنتيجة يؤسسون لعملية الفرقة، في التاريخ البشري ايضاً هناك تجارب تاريخية كبيرة تارةً تشير الى طبيعة ما فعلته وحدة المجتمع واخرى ما فعلته عملية التشتت والفرقة في داخل المجتمع، اذ عملت الاولى على تقوية وتعزيز مكنة المجتمع الواحد والمتحد فيما عملت الثانية على اسقاط المجتمع المتفرق وتشتيته في كل الاتجاهات وقد رأينا في التجربة المعاصرة ما يعزز نفس هذا الاعتقاد، بل تحولت سياسة التفريق الى احد أعمدة سياسات الطغيان بشكل رسمي فمبدأ فرق تسد ما اصبح خافياً بعنوانه احد الاساليب الأساسية التي تُعتمد من قبل القوى الطاغوتية في معركتها ضد الباطل، لكن في المقابل ايضاً هناك توق بشري يمكن لنا ان نتلمَّس بداياته ولكن في الاعم الاغلب ان هذا التوق لم يصل بالمجتمعات الى الوحدة التي يمكن لها ان تؤمِّن الامة الواحدة، في القرون الماضية طرح نيتشه وغيره من فلاسفة الفكر الاوروبي مسألة العنصر القوي في مقابل العناصر الضعيفة وتحدث عن نظرية سوبر مان وقصة الشعب الآري الذي يتفوق على غيره من الشعوب بهدف توحيد الالمان على فكرة اسمها فكرة الشعوب الآرية، وقبل عهد نابليون طُرحت فكرة الحرية بعنوانها الفكرة التي يمكن لها ان توحد الشعوب ووصل الامر بالفرنسيين الى ان يقيموا ثورتهم بناءً على مبتغاهم بالحرية وقد وصل بهم الامر الى ان يقدِّموا نصب الحرية الحالي الموجود في نيويورك بعنوانه هدية الشعب الفرنسي لما يتمنوه الى الامريكان والى الشعوب الأمريكية في تلك الفترة، هذه التجارب ادت مبتغاها الأول، فوحدت الالمان في المانيا، وفي ايطاليا وحدت الايطاليين، وفي فرنسا وحدت الفرنسيين، وفي بريطانيا عملت عملها ولكن بقيت الاشكالات في ان ما يصلون اليه هؤلاء الشعوب سرعان ما ينتهي وتتحول القضية الى ان هؤلاء بحاجة الى مدد جديد او الى فكرة جديدة يمكن ان تقوّي مسالة الوحدة، في البلدان العربية كما هو معروف كانت هذه البلدان تحت سيطرة العثمانيين وكانت عندئذ الدولة العثمانية دولة كبيرة متحدة تحت خيمة الخلافة الإسلامية، جاء البريطانيون والفرنسيون وحاولوا عبر تركيا ان يؤسسوا اتجاه الاتحاد والترقي بقيادة مصطفى كمال اتاتورك فعزل نفسه عن بقية الشعوب الإسلامية في عين الوقت الذي ضخوا فيه افكار الثورة العربية وما الى ذلك في بلاد العرب ابتداءً من الحجاز الى سوريا الى العراق فعملت هذه البلدان على ان تنسلخ من الدولة العثمانية باسم الثورة العربية وباسم الوحدة العربية لصالح البريطانيين والفرنسيين فوضعوا اياديهم على هذه الدول، ثم بعد ذلك نشأت كما اشرنا في محاضرة سابقة فكرة (الكومنويلث) الشعوب الإنجليزية التي حاولت ان تتحد تحت مسمى اللغة الإنجليزية، في مقابلها طرح الفرنسيون فكرة الفرنكوفونية التي حاولوا ان يجمعوا فيها اصحاب اللغة الفرنسية ليوحدوا هذه المجتمعات تحت هذه المسميات، لكن نفس هذه المسميات بعد ذلك بدأت تتقاسم وصولاً الى حالة (Brexit) التي نلاحظ فيها محاولة انسلاخ البريطانيين عن بلدان اخرى بعد ان وحدها الاتحاد الاوروبي بمصالحها التجارية والسياسية، لذلك رأينا البريطانيين اتجهوا للانفصال والفرنسيين والايطاليين يفكرون والاسبان واليونانيين طالبوا بشيء من هذا القبيل ولربما لن تمر سنين طويلة حتى نرى نهاية هذه الأفكار.
* لاحظنا سابقاً ان نفس هذه البلدان حينما استثمرت الفكرة الاولى في قضية الوحدة ووصلت الى استنفاذ ما في هذه الفكرة في مسالة الوحدة حاولوا الاتجاه الى مسالة العولمة، فطرحوا مسالة العولمة ونقلوا مصالح مشتركة اسسوها مع دول متعددة لكن سرعان ما احست الدول التي انضوت تحت العولمة انها تحت وصاية الشركات الكبرى وبالنتيجة تقوضت فكرة العولمة فطرحوا مسالة الحداثة وبعد الحداثة طرحوا مسالة ما بعد الحداثة وفي كل يوم هناك مشروع يريد ان يوحّد لكن بهدف معين وهذا الهدف في الغالب هو الذي يُخَرِّب، بمعنى انه حينما قلنا بانهم ارادوا ان يترقوا اقتصادياً عبر العولمة سرعان ما احست دول العالم الثالث التي دخلت في هذا المجال انها اصبحت تحت سيطرة الشركات المتعددة الجنسية وبالنتيجة فكرة التقوية من الاخرين اصبحت فكرة استعباد للضعفاء الموجودين، لذلك في التصور ان عملية التوحيد إن لم تقترن بمبدأ قوي وبآليات تعمل على تعزيز هذا المبدأ سرعان ما تنتهي الى الاهواء والى المصالح وسرعان ما تنتهي الى الانهيار والى الخراب ونعتقد ان التجربة البشرية كبيرة جداً في هذا الاتجاه وقد راينا كل المشاريع التي توحدت سرعان ما اصيبت بالانهيار وتحولت الى شيء اخر، هذا الامر بحد ذاته هو مبدأ عام يمكن لنا ان نراه عبر التاريخ بل يمكن لنا ان نراه في التنظير الفكري، الناس حينما تتحد على ماذا تتحد؟ لابد من وجود منظومة من المصالح والافكار التي تشد الناس اليها، اما إذا لم تكن هذه المنظومة او تم الشك بهذه المنظومة عندئذ فكرة الوحدة يفرضها صاحب القوة، اما الذي لا يرى خوفاً من هذه القوة سيجد نفسه مجرداً عن اي التزام تجاه اي فريق ينادي بقضية الوحدة، لعل ما يمكن ان نلتمسه من خدعة الوحدة العربية وما الى ذلك التي حاولوا جهد الامكان ان يروجوا لها هي مبنية على اساس ما يحتاجه القوي من الضعيف فاذا انتفت الحاجة عندئذ الامور تتجه باتجاه اخر، مثلما راينا اندفاع الدول العربية في البداية انها اتجهت باندفاع كبير الى الوحدة العربية مع انها هي التي فرّقت هذه الوحدة، كانوا ينضوون مع الاتراك في نظام دولة واحدة وفي نظام اقتصادي واحد هم من ارادوا الخروج عن المنظومة الاولى فخرجوا لكن سرعان ما وجدوا انفسهم متفرقين ولم يستطيعوا ان يؤمِّنوا اتحاداً فيما بينهم، حصلت افكار كثيرة عن الوحدة العربية في زمن جمال عبد الناصر وقبل جمال عبد الناصر بل تشكلت حكومات بعنوان حكومات الوحدة العربية لكن النتيجة هي ان القُطرية العربية بعد ذلك تفوقت على مفهوم الوحدة العربية واصبح كل بلد عربي يفكر بذاته بمعزل عن الاخرين مع وجود جامعة عربية وما الى ذلك لكن هذه الامور تفككت واصبحت مجرد شماعة ليس الا فهي تحفظ بعض المصالح والا في العادة لا يعتمد عليها احد، ثم تحولت نفس هذه البلدان الى مشكلة داخلية في ذاتها انها غير قادرة على ان تمسك البلد الواحد، حتى الفكرة القطرية تراجعت الى صالح الفكرة الإقليمية او المناطقية في بلدان كثيرة مثل الذي جرى في السودان والمغرب والجزائر وحركة البوليساريو وما الى ذلك ونفس الامر الان نشهده في سوريا وفي العراق وفي فلسطين وفي مناطق متعددة، اذن الوحدة من الناحية التنظيرية إن لم تتشفع بنظام مصالح مستديم وبنظام فكري وعقائدي يوحد الناس تحت اطاره لا يمكن ان تتشكل الأمم من خلالها، نعم عنصر اللغة والتجارة والعشائرية عناصر مساعدة لكنها لا تكفي لوحدها في انتاج هذه الوحدة.
* ماذا طرح القران الكريم وكيف كانت تطبيقاته بهذا الخصوص؟ المسالة الاولى "ان هذه امتكم امة واحدة" عنصر هذه الامة الواحدة جاء مبنياً على اساس ان النشأة واحدة وهي من ادم عليه السلام وايضاً على اساس التبعية لنظام رسالة واحدة بوجود نبي يقود هذه الامة وهناك كتاب ينظم عملية التعاطي ما بين افراد المجتمع سواء افراد او جماعات، وبشكل طبيعي لمّا يكون هناك قائد ولمّا يكون هناك دستور ولمّا يكون هناك امة تعتقد بضرورة تبعيتها لهذا القائد ولهذا الدستور بشكل طبيعي تتحد الامم وتتلاقى، ما رأيناه في عهد الرسول صلى الله عليه واله وسلم ان العرب كانت متفرقة بشكل كبير جداً ولا يجمعها اي جامع لكن في ظرفية سنين قليلة سرعان ما تحول هذا التفرق الى حالة اجتماع كبير لم يشهد له تاريخ المنطقة العربية مثيل ثم تحولت القضية الى اكثر من الدول العربية وانضوت تحت هذه الوحدة مع وجود الكثير من الاختراقات للمنظومة الإسلامية لكن بشكل عام بدأت مناطق وقوميات متعددة تدخل في داخل هذه الوحدة، وهنا التشريع الاسلامي قنن لقضية واقعية هو ان هناك شعوب وهناك قبائل واعترف بخصوصيات الشعوب واعترف بخصوصيات القبائل ولكن قال لهم بأن هناك معيارين أساسيين: هناك حالة التعاون والتفاني والتماسك فيما بينهم وهناك الحالة الأخرى وهي "ان اكرمكم عند الله اتقاكم" اذن هذه الشعوب مع خصوصياتها وهذه القبائل مع خصوصياتها تم الحفاظ عليها وعلى الوحدة فيما بينها باعتبارها تعبد رباً واحداً وتقرأ كتاباً واحداً وتتبع نبياً واحداً وتصلي الى قبلة واحدة هذا في المسار العام، نعتقد مع كل الاختراق والانحراف الذي حصل وكل حالة التداعيات السلبية تجاه الموقف من الاسلام والموقف من التشريع الاسلامي الا انه يمكن ان يُسَجَّل ان الدول الإسلامية في مجموعها احتفظت بأكبر رصيد للوحدة ما بين المجتمعات البشرية على مر التاريخ، في هذا الخصوص هناك حيز في داخل هذا الوضع اسمه مذهب اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، كيف عمل هذا المذهب على الابقاء على مسالة الوحدة؟ وكيف انه تمكن رغم كل الصعوبات ان يحافظ على مسالة وحدة المجتمع الشيعي والتزام هذا المجتمع؟ مع ان في مشروعه الاساسي حينما وضع الامام حجّة على البشر انما وحدهم تحت قيادة واحدة وحينما قال بانه لا يوجد هناك زمن ينسلخ عن وجود الامام صلوات الله وسلامه عليه سواء كان إمامنا المعاصر او ائمتنا السابقين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين لدينا موقف ثابت يتحدث عن انه لولا الحجة لساخت الأرض، فلو طبقنا هذا المبدأ على الواقع السياسي او على الواقع الاجتماعي عندها لا يمكن لشيعي ان يكون منتمياً الى التشيع الا مع وجود بيعة في رقبته والتزام في نفسه وفي عقله تجاه امام العصر والزمان، فاذا كان هذا الامر هو المبدأ الذي يضرب اطنابه على كل من قال اشهد ان عليا ولي الله مع ان الشيعة تفرقوا عند الامام الباقر عليه السلام الى زيدية والى غيرهم وتفرقوا عند الامام الكاظم عليه السلام الى اسماعيلية وغيرهم وتفرقوا عند عبد الله الافطح الى فطحية وغيرهم وعند الامام الرضا الى واقفة وغيرهم لكن بالمآل هذه التفرقة اخذت طاقتها وانتهت لتعود الامور الى نصابها بعنوان ان الائمة الاثنى عشر هم الذين ساروا بعنوانهم مذهب اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، حينما قيل لنا في داخل هذا المذهب بان هناك امام واحد بعد ان قيل لنا بان هناك رب واحد ونبي واحد وكتاب واحد وان الاحتفاظ - على المستوى الموضوعي - بالرب الواحد والنبي الواحد والكتاب الواحد لا يمكن ان يكون الا من خلال وجود الامام الواحد ايضاً، هذه النظرية ادت الى الحفاظ على كل هذه المسميات، الان حينما تعيش المدرسة السنية خلافاً في طبيعة الرب هل هو رب مجسم على الطريقة الوهابية ام انه رب معطل بصفاته او انه بهذه الصورة او بتلك؟ بينما الشيعة لم يكن لديهم هذه المشكلة، نحن نعتقد ان الله سبحانه وتعالى الذي نؤمن به غير الله الذي تؤمن به المدرسة الوهابية او المدرسة السلفية التي ترى بضرورة التشبيه في صفاته او التجسيم له سبحانه وتعالى وجل وعلا عما يصفون، كذلك النبي بقي موحداً عندنا مع انه تفرق عند الاخرين، محمد صاحب الخلق العظيم صلوات الله وسلامه عليه واله غير صاحب الخلق السيء الذي قد يصوره لنا البخاري وغير البخاري مما رووه عن طبيعة رسول الله، محمد المعصوم غير محمد الذي قد يقترف الذنوب وقد ينسى وقد يلهوا وما الى ذلك، محمد العالم غير محمد الجاهل وهكذا لدينا صورة تختلف عن الاخرين وبقينا موحدين تحت هذه الصورة.
* اهل البيت عليهم السلام لم يكتفوا بطرح الأفكار فحسب وانما تقدموا خطوة على الاخرين في مجال تحويل هذه الافكار الى واقع مُعاش لذلك طُرِحَت مسالة التولي لأولياء الله والتبري من اعداء الله بعنوانها آلية ناظمة لعملية وحدة وفرز المجتمع عن غيره، حين نقول اننا نتولى الولي الفلاني انما نصهر انفسنا مع الذين يتولون هذا الولي، لذلك كان تركيز مذهب اهل البيت على ان الامام يجب ان يكون امام حق وأي خروج عن الحق سيؤدي الى امامة الباطل، "من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدي عن الله عز وجل فقد عبد الله وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان" من اتخذ إماماً بلا معايير وبلا موازين وبلا حق عندئذ لن يكون هذا الامام الا رجل يعمل في اطار غير اطار الصراط المستقيم، اما الصراط المستقيم يعمل فيه الذين انعمت عليهم لكن هؤلاء رأوا الحق ولم يداهنوا عليه ليس كأولئك الذين رأوا الحق فخانوه واصبحوا من المغضوب عليهم وليس كأولئك الذين ضلّوا فلم يروا الحق فاصبحوا من الظالمين، تحدث القران الكريم عن الصراط المستقيم وعن السبيل الواحد ورهن كل ذلك بقصة القائد الذي يُتَّبع في هذا المجال، وكل نظرية الغدير ونظرية الثقلين وما يتعلق بهما هو لتحديد هذا المسار كي لا تختلف المسارات، هناك امام واحد نُصِّب الى الناس وقيل لهم اذهبوا واتبعوه واذا لم تتبعوه ستضلوا "ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا" فان لم يتمسكوا لن يهتدوا ابدا، بناءً على كل ذلك لم يكتفي اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم بتحديد المبدأ العملي في هذا المجال والذي هو التولّي والتبرّي وانما ذهبوا لوضع آليات تعمل على تحويل هذا المبدأ الى واقع عملي يخاطب عواطف الناس ويعمل على توحيدها، لو نظرنا الى القران الكريم لمعرفة السر في انه يطرح جمالية مواقف تأخذ بالألباب بمعنى حينما نجد مجموعة يُعبِّر عنها القران الكريم بانها قد اذهبت عن نفسها الرجس وطهرت نفسها تطهيرا وحينما يتحدث عن الراسخين في العلم في قبال حديثه عن فرعون وابليس وافعالهم، هنا النفس والعواطف تميل الى تلك المجموعة التي طُهِّرت والتي لم يلحق بها الرجس، وحينما يتحدث عن الذين يطعمون الطعام فان النفس لا تذهب باتجاه البخلاء بل تذهب باتجاه الذين اطعموا بلا ثمن واثروا غيرهم على انفسهم من اجل منفعة الاخرين، حينما نرى هذه الصورة الجمالية الرائعة في القران الكريم لا بد ان تحصل حالة من حالات الود العملي وليس النظري، قد لا يصل فكرنا الى فكرة ان هؤلاء بدرجة الإمامة، لكن حينما نَطَّلع على أفعال الامام علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه وما فعله في حروب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله نميل بشكل تلقائي الى الصورة الجمالية التي تنعكس من الآيات والروايات والقدر المتيقن ان القران الكريم لا يحمل في طياته مديح لاحد بقدر المديح الذي صبَّه لأهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم، مديحاً ليس من اجل المديح وانما مديحاً من اجل ان تُرَكَّز العواطف والمشاعر على هؤلاء، فإن اصبح لدينا ولاء الى هؤلاء وقالوا لنا بانه لديكم مسؤولية تجاهنا وتجاه من يحبنا ولديكم مسؤولية ضد اعدائنا وضد من يوالي اعدائنا لذلك اشترطوا علينا ان نحب من يحبهم وفي المقابل نعادي من يعاديهم، هنا تتشكل لدينا اصرة فكرية وعاطفية وعملية تتجه بنا الى حالة التوحد والتماسك، في قبال ذلك فان التجربة التاريخية والتنظير القرآني والتجربة الواقعية كلها تتحدث عن شيء واحد هو ان العدو يعمل من اجل ان نعيش حالة الفرقة والتشتت، وصلت الأمور الان من الناحية الواقعية الى ان شيعة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم بعد ان تمكنوا من الحفاظ على مذهبهم في كل أصقاع الارض مع بقاء ارتباطهم بمرجعياتهم التي هي صاحبة القرار ويجب الرجوع اليها، لم يُكتفى بهذا المقدار بل تحول هذا الامر بعد المحافظة على وحدتهم ومجتمعهم اخذوا يتقدمون سياسياً عندها وجدنا انهم يتجهون باتجاه الامساك على الوحدة الاستراتيجية، باعتبار ان هناك وحدة اقتصادية واجتماعية وامنية واستراتيجية لكن جميعها تنصب تحت راية الولاء لأهل البيت عليهم السلام، نلاحظ في ساحتنا المعاصرة ان سائر محاور الطغيان تشاهد تمددنا على مساحات لها نفوذها الاستراتيجي ولها مكتسباتها الخاصة في عملية الحفاظ عليها من ان تصل لهم، بشكل طبيعي سيعمل العدو على اساس بث كل انواع الفرقة والتحزب والاهواء والتشتت بالشكل الذي يوصلنا الى ان نفقد هذه الثمرات المكتسبة، حينما تحدثوا عن الهلال الشيعي ومخاطره فان الواقع العملي يقول ان التواجد الشيعي يتقدم بطريقة او اخرى في لبنان وسوريا والعراق وايران وافغانستان وباكستان والهند، اذن قصة الهلال الشيعي لم تعد مجرد فكرة يخاف منها الاخر وانما واقع يحتار الاخر كيف يتغلب عليها، وما حرص الامريكان على بعض المحافظات الغربية او على بعض المحافظات الشرقية في سوريا ليس الهدف منه السيطرة على الارض وانما الهدف إيجاد عنصر فرقة لهذا الهلال.
* وفق ذلك نستطيع ان ننظر الى الصراعات بطريقة جديدة تختلف عن الطريقة النمطية الطبيعية والتي هي اعتداء ورد الاعتداء لكن وفق حساب الاستراتيجيات نرى ان المعركة تختلف تماماً عن هذه القضايا، في قضية الامام الحسين عليه السلام وما فعلته بشيعة اهل البيت والنموذج العراقي الذي سنشهده في زيارة الاربعين يدعونا الى السؤال: ماذا فعلت تجربة الاربعين بشيعة العالم؟ لقد اجتذبت زيارة الأربعين كل شيعة العالم الى مكان واحد وهو اول عناصر التوحيد العملي بأن هؤلاء لديهم مكاناً واحداً تهوي قلوبهم اليه مع ان القران الكريم سبق ان اشار الى انه جعل أفئدة من الناس تهوي اليهم، لكن هذا الاعتناق العاطفي لهؤلاء لم يبقى مجرد فكرة وانما اليوم حينما نتحدث عن 20 او 25 مليون زائر من انحاء العالم تنصهر خصوصياتهم في داخل خدمة الامام الحسين عليه السلام فان العدو لن يرتاح لهذا المشهد ولن يقبل به، واخطر ما يراه العدو هو ان الشعوب التي لها خصوصية القتال يجمعهم عملياً الامام الحسين عليه السلام ، العراق بلد له خصوصية قتال وله تجربة قتال وخاض معارك متعددة وهو شعب صبور كذلك لبنان لديه هذا الوضع وايران وافغانستان كذلك، ماذا لو قُيّض لهؤلاء جميعاً قائداً واحداً؟ لذلك مفهوم الانتظار هنا يأتي ليأخذ مداه الحقيقي، الانتظار طوال هذه الفترة يجمع هذه الشعوب ويقولبها بقالب واحد انتظاراً للقائد الواحد، هذه الفكرة غير مطروحة قبلاً بهذا التعقيد، الفكرة مطروحة سابقاً بان انتظار الفرج أفضل الاعمال ولم يتحدثوا لماذا يريدون الانتظار وبأي طريقة؟ كل الذي أطلقوه هي الفكرة وعمل على هذا المفهوم الواعين من اتباعهم وحددوهم بحد واحد وهو "أنى سلم لمن سالمكم" ليعملوا وفق هذا المبدأ، اليوم إذا رأينا رغبة شديدة عند الدوائر المعادية لنا لتبين ان الزائر الايراني يأتي وعليه عشرات الالاف من علامات الاستفهام والزائر العراقي يذهب الى إيران وعليه عشرات الالاف من علامات الاستفهام، هذا العمل يجب علينا ان نفهمه بالمنطق الواقعي الحقيقي، ولماذا يُشار الى العراقي بانه يذهب الى مشهد لممارسة الجنس؟ لماذا يُهَيَّج المجتمع الإيراني ضد الزائر العراقي ويُهَيَّج المجتمع العراقي ضد الزائر الإيراني؟ هذه الكلمات اطلقتها صحيفه الشرق الاوسط المعادية قبل اربع سنين وفي هذه المرة اطلقتها قناة الحرة المعادية ايضاً مع انها قصة لا يمكن ان تُصدَّق لكن بالقدر المتيقن ان هناك رغبة في الا يروا هذا الشعب متحد عاطفياً والمطلوب دائماً ان تكون هناك مشكلة، هذه المشكلة تعمل على التفريق والتشتيت وتعمل على ان يكره احدنا الاخر لكننا سلم لمن سالم الامام الحسين عليه السلام وسلم لمن سالم اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، الغريب الان ان الهجمة مؤسسة من قبل العدو ويتعمد الدعوة الى عدم مسالمة من يسالمنا هنا نعرف حجم المؤامرة وبنفس القدر نعرف مقدار ما يمكن للجهل ان يفعله في وسط الناس، لا يمكن الاستهانة بمثل هذه الدعوات ثم ان علينا ان نفهم الامور بالصورة الحقيقية والواقعية، اذن نحن في مسار الانتظار امام قضية مهمة هي ان الولاء يجب ان يوحدنا بعد ان نادوا ائمتنا بذلك، ومن الناحية العملية نحن محتاجون الى بعضنا البعض وبأي شكل من الاشكال لان المعركة كبيرة جداً ورواياتنا تتحدث عن اننا مقبلون على هرج الروم وما سيهلك فيه من المليارات، معناه ان وحدتنا وتضامننا مطلوب بغض النظر عن المزاجيات في الحب والكره لان المعارك الشرسة يمكن لها ان تطحن دول وحضارات وتقوم بها حضارات أخرى، لذلك علينا ان لا نستخف بهذه القضايا لأننا مررنا بتجارب الاستخفاف سابقاً ورأينا استخفاف مجتمع الكوفة في قضية الامام الحسين عليه السلام ولولا هذا الاستخفاف لانتصر مسلم بن عقيل ولكانت الكوفة غير الكوفة ولما كانت معركة كربلاء، ولو تحرر مجتمع المدينة من الجهل الذي اوقعته السقيفة آنذاك لما جرى الذي جرى على الامة، القدر المتيقن اننا حالياً في مسيرة انتصار ولا يمكننا توقع ان العدو غافل عن هذا الانتصار بل سيعمل ليل مع نهار من اجل الاضرار بمجتمعنا، لذلك المنتظِر مُطالَب ان يكون سلماً لمن سالم الامام وحرب لمن حارب الامام صلوات الله وسلامه عليه، والحمد لله اولاً واخراً وصلاته وسلامه على رسول وآله ابداً.
https://telegram.me/buratha