الشيخ حيدر الربيعاوي
المراد من (هدف) الإمام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء هي الغاية التي كان ينبغي بلوغها أو تحقيقها وإن طال الزمن، والتي بادر بثورته تلك من أجلها واستشهد في سبيلها نقدّم فيما يلي مسردا بتلك الأهداف المقدسة كما يلي : 1- إحياء الإسلام : كان مما يناسب مواجهة الظروف والأحداث التي مر بها الاسلام, أَن تكون مواجهة لهذا الخطر الكبير الذي كان يهدد الأمة بالهلاك والضياع في ظلمات الضلال ومتاهات المنحرفين الاشرار.فنهض الامام الحسين (صلوات الله عليه) بثورته لاحياء سنن الاسلام لكونه إماماً حقّاً، واجه في عصره الخطر الكبير الذي كان يهدد الدين والعقيدة الحقّة بالانحراف والاضمحلال, نهض بثورةٍ صارمةٍ, وجعل منها سدّاً رصيناً لا تستطيع أَنْ تقاوم أمامه تيارات البغي، والظلم، والعدوان ضد الاسلام العزيز.
2- توعية المسلمين و كشف الماهية الحقيقية للأمويين : إتخَذ سيّد الشهداء (عليه السلام) هذا الموقف غيرةً منه على الاسلام العزيز, كما جسّد (سلام الله عليه) هذا المعنى بكلماته الشريفة, وأفصح باحقيّتهم (عليهم السلام) بحفظ الرسالة والدفاع عنها, وكشفَ حقيقة يزيد للامة, حيث قال (عليه السلام):«نَحنُ أهلُ بيتِ النبوَّةِ ومعدِنُ الرِّساله, وَيزيد فاسقٌ شاربُ الخمرِ وقاتلُ النفسِ, ومثلي لايُبايعُ لمِثلهِ... »( ).3- إحياء السنة النبوية والسيرة العلوية: كان إمامنا سيّد الشهداء (صلوات الله عليه) يرى أنَّ هذا الخطر الفعلي لايرتفع عن دين جده المصطفى |، إلاّ بجهاده وثورته العارمة حتى الشهادة، ولقاء الله، وهو مخضب بدم الثورة الرساليّة، لهذا أقدم على الاصلاح والثورة مع ثلة من اصحابه المؤمنين على قلة عدتهم وعددهم وناصرهم، وقدم نفسه العزيزة ثمناً لإحياء الرسالة السماوية بكل شجاعة وإخلاص منقطع النظير، قائلاً:«إنْ كان دين محمّد لم يستقم إلاّ بقتلي فياسيوف خذيني» ( )، لأنه (عليه السلام) يعلم علم اليقين بمشيئة ربه سبحانه وتعالى وإرادته الأزلية، كما أفصح عنها لأخيه محمد بن الحنفية عندما إعترضه على القدوم الى الكوفة؛ لشدة خوفه عليه من أن يُغدَر بهِ، كما حصل لأبيه أمير المؤمنين، وأخيه الحسن ‘، وذلك بقوله:«شاء الله أن يراني قتيلاً» ( )،4- إصلاح المجتمع واستنهاض الأمة : مما حمَّل الإمام الحسين (عليه السلام) مسؤولية القيام بوجه هؤلاء الظالمين, لصدِّ هذه الأحداث, وردع المخططات العدوانية، وكشفها التي هجمت ضد الإسلام وأهله, وذلك من خلال نهضته الإصلاحية التي لاقى من أجل تحققها الكثير من المصاعب الجمّة والآلآم والمصائب العظيمة, والتي لا يمكن أَنْ نتصور لها مثيلاً في التاريخ البشري مهما كان مصابه عظيماً, وجَرْحٌ ألمهُ عميقاً, وظرفُهُ حساساً؛ لهذا كان سيّد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) يؤكد على اهداف ثورته بحسب ما يقتضي الحال, ففي كلام لـه (سلام الله عليه) عندما كان يُسئل عن سبب خروجه الى العراق, والاصرار عليه, قال:«إنّي لَمْ اَخْرُجْ أَشراً ولا بَطراًً ولا مُفسِداً ولا ظالماً, وإنّما خَرَجْتُ لِطَلبِ الأَصلاحِ في أُمّةِ جَدّي (صلى الله عليه وآله).أُريدُ أَنْ آمُرَ بالمعروفِ وأَنهى عَنْ المنكَرِ وأَسيرَ بسيرةِ جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)...»( )*5- إنهاء استبداد بني أمية على المسلمين : «وعلى الاسلام السلامُ؛ إذ قد بُليت الأُمَّةُ براعٍ مثلِ يزيد!... »( ).لاجل هذه المبادئ أصرَّ (عليه السلام) على مجاهدةِ بني أُمية بالرغم من قلة الناصر وكثرة الاعداء, وقدّم اهل بيته وأصحابه قرباناً لله ونصرة الاسلام, في ختم المسير في ثورته وجهاده بأعظم قربانٍ إلهيّ لا نظير له في التاريخ والجهاد الحقّ, ألا وهو نفسه الزكية الطاهرة, الراضية المرضية بقضاء الله وقدره.6- تحرير إرادة الأمة من حكم القهر والتسلّط : لمّا هلك معاوية، وتولى الأمر من بعده إبنه يزيد (لعنه الله) لم يلتفت الى وصّية أبيه, فكتب الى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان, وكان والياً على المدينة من قبل معاوية فقال له:«خُذْ البيعة من الحسين بن علي ولا ترخص لـه في التأخير عن ذلك».فأنفذ الوليد الى الحسين (عليه السلام) في الليل فاستدعاه( ).وبعد محاورات جرت بين الوليد والإمام الحسين(عليه السلام), استغرقت ليلة ويوم( ), أبى سيد الشهداء (عليه السلام) أن يبايع يزيد, قائلاً:(وعلى الإسلام السلام إذا قد بليت الآمة براع مثل يزيد, ولقد سمعت جدّي رسول الله |يقول:(الخلافة مُحرّمة على آل أبي سفيان).
7- إقامة الحق وتقوية أهله : أنطلق الفكر الثوري لسيّد الشهداء (عليه السلام) في عصرٍ عُصيَّ فيه الله, وأُنتهكت حرمة الدين, وكادت أن تُحرّف الرسالة المحمديّة الأصيلة, ولهذا قصد بنو أمية الحسين (عليه السلام) بالذات؛ لانهم كانوا يحسّون بأنه يشكل خطراً كبيراً عليهم.., يهدد كيانهم وسلطانهم, ويضعضع كبريائهم, بل يزّعزّع قاعدتهم في الأساس، وإنها سوف تنهار حتماً وابداً مهما بلغت من السيطرة في أمرها.فاصبح في تلك الفترة خطان متوازيان؛ الخط الحسينيّ الحقّ, والخط الأموي المنحرف الباطل, بدليل إمتناع الأمام الحسين (عليه السلام) عن البيعة ليزيد, وتصريحه بخوفه على الاسلام, والخطر الذي يهدده إذا تسلط يزيد على مقاليد الحكم8- توفير القسط والعدالة الاجتماعية وتطبيق حكم الشريعة : تحرّك الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة الى العراق مع أهل بيته وأصحابه حتى قطع البوادي والصحاري القاحلة في سبيل الله (تعالى)، وطلب الإصلاح في امة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)( ). ووقعت لسيّد الشهداء (عليه السلام) في هذه المسيرة الشاقة حوادث شتى, وكان من أهمها نبأ شهادة سفيره وابن عمه مسلم (عليه السلام), وخبر اهل الكوفة, بأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه بعدما نقضوا بيعتهم.ولكن الامام الحسين (عليه السلام) كان يرى أنَّ تكليفه يقتضي أن يقاوم تلك السلطة الباغية, وأصر ّعلى القدوم الى كربلاء ويقاوم حتى الشهادة, لكي يغيّر الاوضاع السائدة آنذاك ويفضح بني أمية؛ وذلك من خلال تضحيته بنفسه واهل بيته، والثلة المخلصة من اصحابه (سلام الله عليهم)؛ وذلك لحماية الدين والحفاظ على العقيدة الحقّة، ومكافحة الظلم والاستبداد.وهكذا صمد سيّد الشهداء (عليه السلام) بوجه الاعداء، بالرغم من كثرة المحن والمصائب, وقدم اهل بيته وأصحابه قرباناً لإحياء الشريعة المقدسة,وهم يزدادون تلهفاً للاستشهاد, وكان هو (عليه السلام) كلما إقترب من من الشهادة يزداد تألقاً في وجهه ونوراً مشرقاً يدل على سكينة نفسه وطمأنينة قلبه الشريف رضاءاً بقضاء الله وشوقاً للقاءه مخضباً بدماء التضحية في سبيله..حتى أُستشهد (سلام الله عليه) في كربلاء عام(61) للهجرة, وهو على تلك الحالة.. كما قال (عليه السلام): «لا أرى الموت إلاسعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما»( ).9- إزالة البدع والانحرافات : لخطورة الموقف وحساسية الامر في إمامة الامام الحسين (عليه السلام), حيث انتشرت البدع نتيجة للمنهج الاموي , الامر الذي ادى الى كثرة الانحرافات في الامة , لهذا سلك الامام(سلام الله عليه) منهج المقاومة، ونهج المنهج الثوري, وخط الثورة والمواجهة المباشرة بالسيف مع أعدائه الذين هم اعداء الدين, فقد كان كجده رسول الله |، وأبيه أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام)يغضب لله ولنصرة الحق المتجسد في حفظ الرسالة الألهيّة.10- إنشاء مدرسة تربوية رفيعة وإعطاء المجتمع شخصيته ودوره : لقد إمتاز سيّد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) مِنْ بين أئمة آهل البيت (عليهم السلام) بميزات خاصة, وإنفرد بظروفٍ في غاية الحساسية, وتياراتٍٍ معاكسة، أرادت بموجاتها التي يتصور أنّها عاليةٌ جرّافة, ان يجرفوا الدين عن اهله, ويسلخوا عن الشيعة عقيدتهم الإلهيّة الحقّة.ولهذا حظى بامتيازاتٍ عظيمةٍ، ومكانةٍ عاليةٍ عند الله (تبارك وتعالى) وانبيائه، ورسله، وأوليائه؛ بل عند الخلائق أجمعين, الأمر الذي لايعني أنّ ائمة اهل البيت الطاهر (عليهم السلام)لم تكن لديهم هذه القابليّة، والامكانيّة، الرساليّة في ردع هذا الاتجاه المنحرف, والتيار المعاكس للرسالة الإلهيّة, إذا حدث في زمان أحدهم ذلك _والعياذ بالله _, ولكن لكل ّإمامٍ منهم (سلام الله عليهم) ظرفه الخاص، وتعامله، ومنهجه الذي يتلائم مع ما يحيط به من الظروف.
https://telegram.me/buratha