من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
في فترة حكم المهدي العباسي ساد أجواء شيعة آل محمد هدوء نسبي, فسكنت الاضطرابات السياسية التي أربكت الحكم العباسي في زمن المنصور؛ لأن المهدي غيّر مسير سياسته, فأتسم بالحس الظاهري المرن في التعامل مع الناس بشكل عام, ومع السادة العلويين بشكل خاص, ففتح المجال لزيارة الحسين(عليه السلام) بشكل أخص, ومنح الحريّة للشعب آنذاك, لكي يكسب مقاليد الحكم على أفضل وجه, لكن لم يطول به المطاف سوى مدة قصيرة, وهلك.بعد هلاك المهدي, إستلم السلطة من بعده هارون الرشيد, عام 70 هـ, فغيّر الأتجاه الذي رسمه سابقه في حكومته, وعمد إلى التعامل مع الرعية بسياسة المنصور؛ لأنها تتلائم مع أغراضه ومطامعه الشخصية؛ بل إختار بطش المنصور وقسوته مع آل محمد وعلي(عليهم السلام), فأشخص الإمام الكاظم(عليه السلام)من مدينة جده رسول الله' إلى بغداد, وأودعه في أتعس سجون أعوانه في الطريق إلى بغداد, حتى وصل إليها فزجه في سجنه الخاص حتى قتله( ), ولم يكتف بذلك, بل إتجه إلى طمس آثار مراقد اهل البيت, ومحو رسومها, فكرب قبر الحسين(عليه السلام), وقطع السدرة التي يستظل بها زائريه, كما يذكر ذلك المؤرخون والرواة في كتبهم.روي يحيى بن المغيرة الرازي, قال: >كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من اهل العراق, فسأله جرير عن خبر الناس, فقال: تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين(عليه السلام), وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت.قال: فرفع جرير يديه, وقال: الله أكبر قد جاءنا فيه حديث عن رسول الله'أَنّهُ قال:>لعن الله قاطع السّدرة ثلاثاً<فلم نقف على معناه حتى الآن؛ لأن القصد تغيير مصرع الحسين(عليه السلام) حتى لا يقف الناس على قبره(عليه السلام)( ).وفي رواية أخرى عن محمد بن ابي طالب, قال:>وكان قد بُني على قبر الحسين(عليه السلام) مسجداً, ولم يزل كذلك بعد بني أمية, وفي زمن بني العباس إلى زمن هارون الرشيد, فإنه خرّبه، وقطع السّدرة التي كانت نابتة عنده وكرب موضع القبر<( ).والذي يظهر من هاتين الروايتين ان الحائر الحسيني الشريف قد تعرض إلى التدمير الشامل في عهد هارون الرشيد (لعنه الله), ولم يكن التخريب مختصاً به, وإنما فعله من قبله المنصور، لكن لم يبلغ ما بلغه الرشيد.*: ولاة الرشيد يحذون حذوه في البغي والعدوان على آل محمد (عليهم السلام):لم ينتهي الأمر في الأعتداء على المرقد الشريف لسيد الشهداء(عليه السلام) وتخريبه بغية محو آثاره المقدسة إلى الرشيد فحسب, بل أصبحت أفعال الرشيد الخبيثة ضوءاً أخضراً, وإشارة تسمح للطغاة من بني العباس خلفاءاً أم ولاة, بالتخريب والعبث بالمرقد الطاهر, الأمر الذي دعى هؤلاء يجعلون هذه البقعة الطاهرة وما عليها عرضة للأنتهاك, ومحلاً لتنفيذ محاولاتهم العدوانية.فمن جملة هؤلاء من الولاة, هو موسى الهاشمي والي الرشيد على الكوفة الذي أمر بهدم المرقد المطهر وتخريبه, حذواً لأفعال طاغيته الرشيد في البغي والعدوان على آل محمد (صلوات الله عليهم), ليعبّر بذلك عن مدى طاعته لسيده الطاغية ..!, وإقتدائه به في الظلم والعدوان على آل البيت(عليهم السلام), وليبّين للرشيد شدة ولائه له.ففي رواية يحيى بن عبد الحميد الحّماني, قال: خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي في الكوفة من منزلي, فلقيني أبو بكر بن عياش, فقال لي: أمض بنا يا يحيى إلى هذا, فلم أدر مَنْ يعني, وكنت أجلُّ أبا بكر عن مراجعته, وكان راكباً حماراً, فجعل يسير عليه, وأنا أمشي مع ركابه.فلّما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم, ألتفت اليَّ, وقال لي: يا بن الحّماني جررتك معي وجشمتك معي أن تمشي خلفي لأسمعك، ما أقول لهذا الطاغية.قال: فقلت منْ هو يا ابا بكر؟قال: هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى, وبصر به الحاجب وتبينه, وكان الناس ينزلون عند الرحبة, فلم ينزل أبو بكر هناك, وكان عليه يومئذ قميص وإزار, وهو محلول الأزار.قال: فدخل على حماره وناداني: تعال يا بن الحّماني, فمنعني الحاجب, فزجره أبو بكر, وقال له: أتمنعه يا فاعل وهو معي؟ فتركني، فمازال يسير على حماره حتى دخل الأيوان, فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الأيوان على سريره، بجنبي السرير رجال متسلحون، فلما رآه موسى رحب به وقرّبه وأقعده على سريره, ومنعت أنا حين وصلت إلى الأيوان أن أتجاوزه, فلّما أستقرّ أبو بكر على السرير التفت اليَّ حيث انا واقف, فناداني وقال ويحك, فصرت إليه ونعلي في رجلي، وعليَّ قميص وإزار, فأجلسني بين يديه, فالتفت إليه موسى فقال: هذا رجل كلّمنا فيه؟قال: لا, ولكن جئت به شاهداً عليك.قال: في ماذا؟قال: إني رأيتك، وما صنعت بهذا القبر. قال: أيُّ قبر.قال: قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله', وكان موسى قد وجه إليه من كربه، وكرب جميع أرض الحائر، وحرثها وزرع الزرع فيها, فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقذَ<( ).* * *
https://telegram.me/buratha