المقالات

الـدولـة الأمـوية و تـأثيرها على ( الـديــانة ) الوهــابية ( الحلقــة الثانيـــة )

1924 21:04:00 2007-01-31

( بقلم : ماجد محمد )

(( إرتــأيــت أن أتـوســع فـي ســرد صفـات وأفعــال شخصيــات الـدولـة الأمـويـة التـي أنخــدع بهــا الكثـيـرون قبــل الخـوض فـي الـديـانـة الـوهـابيـة لمــا لهــم مـن أثــر ســئ على الـديـن الإسـلامي , خصـوصـا ً تــلك السـنـن التـي شـرعـوها وسـار عليهـا الكــثيـر مـن المتـأخرين , ممـا تطلـب تحـويـر العنــوان السـابـق الـى العنـوان أعــلاه ))

مجــد الملــوك وتــرف الأبـاطــرة فقــدت عـائلــة أبــو سفيــان كــل شـئ بعــد أن أشتــدت شــوكـة الــديـن الإسلامـي وأمتــلأت صحـاري الجـزيـرة وأطـرافهـا بــآذان الـدين الجــديد ودخــلت فيـــه شعــوب العــراق والشــام ومصــر واليمــن ولــم تجــد هــذه العائلــة مـن بـُــد ٍ ســوى إنتظــار سنــاح الفـرصــة لإسترجـاع ماضيهــا التليـــد , وفــي ولايــة الخليفـــة الثـالـث عثمــان بـن عفــان - الأمـوي الأصــل - عــادت هــذه العائلــة إلــى واجهــة الإحــداث ثانيــة , وكــان معـاويـة قــد تـولى ولايــة الشــام فـي عهــد الخليفــة الثـاني عمــر بن الخطــاب ( رض ) , فـي حــيـن أسنــد عثمــان ولايــة مصــر لعبــدالله بـن أبــي سـرح ( أخــوه بالرضـاعة ) , وعـادت أحــلام الماضــي تــداعـب عقــولا ً لـــم ينـــل منهــا الإســلام شيئـــا , ولكنهــا وجــدت فيــه سلمــا للنفــوذ وطـريقــا لمكاسـب ربحيــة آمنــة تــدر عليهــا أضعــاف ماكـانـت التجــارة تعــود بــه إليهــم مـع مـاكـان يصـاحبهــا مـن أخطــار الخسـارة , وبنــى معـاويــة لنفســه مجــد الملــوك وتــرف الأبـاطــرة , ووزع الفــئ لأصحابــه وأقـاربــه دون ســائـر المسلمـيـن , ممـا أثــار حفيظــة صحـابة الـرسـول ( ص ) الـذيـن كــانـوا يعيشــون حيــاة الكِفــاف والتنعــم بنقــاء الـروح , تصـدرهــم الصحـابي الجليــل أبـوذر الغفــاري .

معـاويــة وصحـابـة رسـول الله ( ص ) 1 - أبــو ذر الغفــاري كــان أبـو ذر الغفــاري رحمــه الله ( أو جنــدب إبـن جنــادة ) مـن الصحـابة المقـربــين لـرسـول الله وهـو خامـس مـن أسلــم وأول مـن حيـّــا الرسـول بتحيــة الإسـلام التـي يتـداولهــا المسلمــون الآن , وفيــه قــال الـرســول ( ص ) :" مـا أقـَلـّـت ْالغـَبـْراءُ ولا أظـَلـَـتْ الخَضـراءُ رَجـُـلا ً أصـْـدَقَ مِـنْ أبــِي ذر ٍ" وقــد سـألـه الرســول يــوما : يــا أبــا ذر كيـْـف َأنـْـت َإذا أدرَكــَك َأمـَـراء ٌيَسْتــَأثـِرون َبالفــَئ ْ ؟ فــاجابــه قــائلا : والـذي بعـثــك بالحــق لأضـربـن بسيفـــي . بهــذا العهــد بــدأ خــلاف أبــوذر مـع الــولاة , فبعــد وفــاة الـرسـول ( ص ) وبعــد الفتـوحـات الإسـلاميـة حيــث زادت معهــا واردات بيــت مـال المسلمــيـن كـَـثـُرَ الفســاد وعَظــُم َ حـُـب السلطـــة وأشتــد الجــاه وتـوليــة الأقــارب , فكــان أبــو ذر يــدور علــى الأقــاليـم ويـُحــذر الــولاة واحــدا واحــدا ً , حتــى وصــل الشــام حيــث الأمــوال والخـيـرات وكــان عليهــا معـاويــة إبـن أبــي سفيــان ينفــق مـن الفــئ على سلطـانــه مـا يشــاء ويــوزع الأمــوال علـى أتبـاعـه بغــيـر حســاب , ويتـقـرب بهـا الـى وجــوه القــوم , فقــام أبـو ذر يـُعلــم أهــل الشــام أن النــاس متسـاوون فـي الإســلام كأسنــان المشــط , وأنهــم سـواسيــة فــي الـرزق , وأن لا فضــل لأحــد علـى أحــد إلا بالتقــوى , فألتفـّــت الجمــوع حـولـه , تسمـع لـه وتسـألــه , ويقــول المـؤخـرون بــأنــه لــو أراد ولايــة أو إمــارة لأخــذ بيعتهــا دون عنــاء , ولكنــه أراد النصــح لـوالــي أسـرف بمـال لا يخصــه , وبــذر حقــوقا ليــست لــه , فغضــب معـاويــة وأرســل مـن يــأتي بــه , وسـألهـم الـترفـق أول الأمــر , دخــل أبــو ذر قصــر معـاويـة لأول مــرة , فهــاله مـا رأي فيــه مـن بــذخ في العمــارة , حيــث الأروقـــة المنيفــة ذات الأعمــدة الرخاميــة المصقـولة , والأبــواب الضخمــة مـن الخشــب الهنــدي المُطعـّـم بالنحـاس , ويـقـف على كــل واحــد منهــا حــرّاسٌ على رؤوسهـم ريــش ملــون وبـأيـديهــم رمــاحا ًرؤوسهــا مـن ذهــب , مكــث ينتظــر الأذن لــه بالـدخـول وطـوابيـر الجـواري الحسـان مـن بــلاد الـروم والخــدم يتـوافـدون إليــه حــاملـيـن ســلال فاكهــة لــم يـر لهــا مثيــلا , وحـين دخــل علــى معـاويــة بــادره بالقــول : ( يـامعــاويــة , ما حَسِــبَ رَسُـول ُ الله وهــو يـُوصِينــا بعـِبــاد ِالله خـَـيـّرا ً ِأنْ يُحْجـَـبَ بـََـينـَهـُم وبَـيـّن َمَـنْ تــَولى أمـْـرَهـُم ْ ( أي يقـف حاجـب بين النـاس والـولاة ) لقــد دخلــتُ بـــلاد الشـام وظنــي بــك مُسَتضعــف , فخـالفتــه كــي لا أأثـــم , فتتقــدمنـي على ما بــي ّ مـن حسـنـات وأستخلـِفـُـك على ما بــك مـن سيئــات , حتـى سمعــتُ مـن أهــل الشــام عــن إسـرافـك وإستــئـثـارك وأهـــل بيتــك بالفــئ وهـو خـاص بالمسلمـيـن مـا قــدمنـي عليــك فـراسخــا ً , وزاد ظنــي بــك سـوءا مـا رأيــت مـن عَمـَـار ِ دارك هــذه , فــإن كــانت مـن مــال المسلمــيـن فهــي سـرقـة أولــى بـالخليفــة أن يـتـقــص بهــا منــك , وإن كـانـت مـن سـديـد مـالـِك فهــذا إسـراف , والله يقــول إن المبـذريـن أخـوان الشياطــيـن , وفــي كلتاهمــا التقــرب منــك نفــاق ومصاحبتـك حــرام والسكــوت عنــك خــروج عـن ديــن محمــد , ومثلــي لايسكــت عنهـا حتـى أقـَـوّمَـك َدونهــا , فــإن أمسكــت عنهــا أثــابـك الله , وإن تمسكــت بهـا لأفضحنــك أينمـا سعــت قــدمــاي ) وخــرج غاضبــا ً .

مكــر معـاويــة وثبــات أبـو ذر أستمــر أبـو ذر رحمــه الله بالتشهـيـر علـى بــذخ وإسـراف معــاويـة وتبـذيـره فــئ المسلمــيـن لتثبيــت سلطانـــه , حتـى أصبــح أمــره يشكــل خطــرا يـُهــدد معـاويــة . ولِـمــا عـُـرف عـن معـاويـة مـن مكــر ودهــاء دبـّــر مكيــدة للإيقــاع بـأبـي ذر والـتشهـيـر بـه أمــام أهــل الشــام , كــي لا تقــوم لــه قائمــة وينتهــي أمــره بينهــم , فـأرسـل حاجبــه ليـــلا ً الـى مــنـزل أبــي ذر ومعــه صُــرَرا ً كــثيرة فيهـــا نقــود ذهبيــة , وقــال لــه : إن الـوالــي يـُقــرءك الســلام وأرســل معــي هــذه النقــود لتـوزعهـا علـى مـن تعـرفهـم مـن فقــراء دمشــق , فـأنــت أعلــم النـاس بهــم وأجــدرهـم نـزاهــة لهــذه المهمــة , أخــذ أبــو ذر ٍ المــال وشكــر الحاجــب ثــم أقفــل على نفســـه . وعنــد الصبــاح كــان حــرس الـوالـي و جمــع مـن وجهــاء دمشــق علــى بــاب أبــا ذر , دخلــوا الـدار عنــوة ومنــادي يصيــح " يــا أهـالي دمشـق إن هــذا يخــدعكـم ويتـَقـَـول علـى الـوالي بمـا لا يـرضـي الله , هلمــوا لتـروا كــم أخــذ لـنـفســه مـن أمـوالكـم ليـنقـطــع عـمــا يخـدعكـم فيـــه " !!! لــم يكــن أبــا ذر مـن الضعــاف قلـوبهــم فــي الإيمــان كــي يقــع بمكيــدة مـن معـاويـة , فمــا إن أخــذ المــال وتــأكـد مـن رحيـــل الحـاجـب والحـرس حـَمـَـلَ المــالَ ودارَ بــه على الفقــراء , وفــرغ مـن مهمتــه وجــه الصبــح وعــاد لبيتـــه ينتظــر حـرس معـاوية وأتبــاعه , وبــدل أن يكــون ضحيـــة المكيــدة أوقــع صاحبهــا بهــا , ظـــل النــاس يتنــدرون بهــذه الـواقعــة لأيــام حتــى جــن جنــون معـاويــة , فكتــب للخليفــة فـي المـدينــة يشكــوه أمــر أبــا ذر , فـأرسـل عثمــان يطلــب أبــا ذر مخفــورا , علـى أن يـُـرسـل على دابــة سَـرجُهــا مــن ( قـنــب يـابــس ) , وصــل رحمــه الله المـدينـــة ولحــم فخــذاه مأكــولان أكــلا والـدم يقطــر منهمــا مـن شــدة إحتكــاكهما بالقـنــب , وأول ما تلقــاه مـن الخليفــة جــزاء مـوقفــه الحـريـص أن قطــع عنــه مــا خصصـه رســول الله ( ص ) لصحـابتــه مـن بيــت المــال , ووضعــه تحــت الإقــامة الجـبريــة , لا يـزور أحــدا ولا أحــد يــزوره , إلا أمـيـر المـؤمـنين علي بـن أبـي طــالـب عليــه السـلام وولــديـه الحسـن والحسـيـن عليهمـا السـلام , حيـث أفـرغهمــا للقيــام على ما يطلــب ويـريـد , وفـي زيــارة لــه عليــه الســلام لأبــا ذر فـي بيتـــه المُعتقــل شكـى لـه رحمــه الله ما لقــي مـن معـاملــة بســبب غـيـرتـه على الـديـن فقــال لــه علــي ( ع ) :يــا أبـَا ذر ٍ, إنـّـكَ غَضِبْـتَ لله فـَـأرْج ُمَـنْ غـَضْـبـت لـَه ُ, إن ّ القـَـوْم َ خـافـُوك َ عَلى دُنـْيـاهـُم ْ وَخِفـْتـَهـُم ْعَلى دِينـك َ , فـَأتـْرُكْ في أيـْديهـم ْ مـا خافـُوك َعَلـْيـه , وأهـْرُبْ مِنهُـم ْبـِمَا خـِفـْتـَهُـمْ عَليـه , فـَما أحـْوَجَهـُمْ إلـى مـا مَنـَعـْتَهـُمْ , وما أغـْنـاك َعَمـا مَنعـُوك َ , وسَتـَعـْلـَم ُمَـن ْ الـرّابـحُ غـَدا ً, والأكْـثـَرُ حُسَّــَدا ً, ولـَوْ أنّ السّمـوَات ِ والأرَضِيـنَ كـَانـَتـا عَلى عَبْــد ٍ رَتـْقـا ثـُم ّ أتـَّقـى الله لَجَعـَل َ الله لـَهُ مِنـْهـُمـَا مَخـْرَجـا ً , ولا يـُؤْنـِسَـنـّك َ إلا الحَـقّ ُ , ولا يـُوحِـشَـنـّك َ إلا البَـاطِـلْ , فـَلـَوْ قـَبـِلـْت َ دُنـْيـَاهُـمْ لأحَبّـوك َ , ولـَوْ قـَرَضْـت َ مِنـْهـَا لأمِـنـُوك َ ( أي لـو قطعـت منهـا جـزءا وأختصصت بـه نفســك لأمنـوا لك ) وبقــي على هـذه الحــال حتى أصـدر الخليفــة أمــرا بنفيــه إلى الــربـذة , وهي طــرف صحـراوي أكــره ما تكــون لـقـلـب أبـا ذر الغـفـاري رحمــه الله . وتــلكـم حكـايــة أخــرى .نهـايـة الحلقــة الثـانيــة

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك