تعتبر حركة عدم الانحياز، واحدة من نتائج الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ونتيجة مباشرة للحرب الباردة التي تصاعدت بين المعسكر الغربي(الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو) وبين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو)، وكان هدف الحركة هو الابتعاد عن سياسات الحرب الباردة.
تأسست الحركة من 29 دولة، وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونج 1955، والذي يعتبر أول تجمع منظم لدول الحركة.
و تعتبر من بنات أفكار رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي تيتو.
وانعقد المؤتمر الأول للحركة في بلجراد عام 1961، وحضره ممثلو 25 دولة، ثم توالى عقد المؤتمرات حتى المؤتمر الأخير بشرم الشيخ في يوليو 2009. ووصل عدد الأعضاء في الحركة عام 2011 إلى 118 دولة، وفريق رقابة مكون من 18 دولة و10 منظمات .
أنشئت حركة عدم الانحياز وتأسست إبان انهيار النظام الاستعماري، ونضال شعوب إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال، وفي ذروة الحرب الباردة.
وكانت جهود الحركة، منذ الأيام الأولى لقيامها، عاملاً أساسيًا في عملية تصفية الاستعمار، والتي أدت لاحقا إلى نجاح كثير من الدول والشعوب في الحصول على حريتها وتحقيق استقلالها، وتأسيس دول جديدة ذات سيادة.
لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ويري المؤرخون أن مؤتمر باندونج هو الحدث السابق مباشرة على قيام حركة عدم الانحياز، وكان هذا المؤتمر عقد في مدينة باندونج 1955، وشهد تجمع 29 رئيس دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات ما بعد الحقبة الاستعمارية من قارتي إفريقيا وآسيا بغرض بحث القضايا العالمية في ذلك الوقت وتقييمها، وانتهاج سياسات مشتركة في العلاقات الدولية.
وقد تم الإعلان في ذلك المؤتمر عن المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، كبيرها وصغيرها، وهي المبادئ التي عرفت باسم "مبادئ باندونج العشرة"، والتي جرى اتخاذها فيما بعد كأهداف ومقاصد رئيسية لسياسة عدم الانحياز.
ولقد أصبح تحقيق تلك المبادئ هو المعيار الأساسي للعضوية في حركة عدم الانحياز؛ بل إنها أصبحت تعرف بما يسمى "جوهر الحركة" حتى بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي.
وبعد مؤتمر باندونج بستة أعوام تم تأسيس حركة دول عدم الانحياز على أساس جغرافي أكثر اتساعا، أثناء مؤتمر القمة الأولى الذي عقد في بلجراد 1961، وقد حضر المؤتمر 25 دولة هي: أفغانستان، والجزائر، واليمن، وميانمار، وكمبوديا، وسريلانكا، والكونغو، وكوبا، وقبرص، ومصر، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا، والهند، واندونيسيا، والعراق، ولبنان، ومالي، والمغرب، ونيبال، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، ويوغوسلافيا.
وكان مؤسسو حركة عدم الانحياز قد فضلوا إعلانها كحركة وليس كمنظمة، تفاديًا لما تنطوي عليه الأخيرة من آثار بيروقراطية، وتوضح معايير العضوية التي جرت صياغتها أثناء المؤتمر التحضيري لقمة بلجراد (والذي عقد بالقاهرة 1961)، أن الفكرة من وراء الحركة ليس القيام بدور سلبي في السياسة الدولية، وإنما صياغة مواقفها بطريقة مستقلة بحيث تعكس مواقف الدول الأعضاء فيها.
وعلى هذا ركزت الأهداف الأساسية لدول حركة عدم الانحياز، على تأييد حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية للدول؛ ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الانتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، وابتعاد دول حركة عدم الانحياز عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، والكفاح ضد الاستعمار بكل أشكاله وصوره، والكفاح ضد الاحتلال، والاستعمار الجديد، والعنصرية، والاحتلال والسيطرة الأجنبية، ونزع السلاح، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، والتعايش بين جميع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وتدعيم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلًا عن التعاون الدولي على قدم المساواة.
ومنذ بداية قيام الحركة، بذلت دول عدم الانحياز جهودًا جبارة لضمان حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والسيطرة الأجنبية، في ممارسة حقها الثابت في تقرير المصير والاستقلال.
وإبان عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الكفاح من أجل إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد، يسمح لجميع شعوب العالم بالاستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية، ويقدم برنامجًا واسعا من أجل إجراء تغيير أساسي في العلاقات الاقتصادية الدولية، والتحرر الاقتصادي لدول الجنوب.
واستطاعت الحركة أن تضم عددًا متزايدًا من الدول وحركات التحرير التي قبلت- على الرغم من تنوعها الأيديولوجي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي- المبادئ التي قامت عليها الحركة وأهدافها الأساسية، وأبدت استعدادها من أجل تحقيق تلك المبادئ والأهداف.
وكان المنطق الأساسي للحركة هو المناورة ما بين القطبين الكبيرين، الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة، والحصول على أكبر قدرٍ ممكنٍ من المزايا والمكاسب في عالمٍ تحكمه مصالح قوى نووية تسيطر علي أكثر من 80% من حجم الاقتصاد العالمي، بل إن الولايات المتحدة كانت في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي العقد الأول من الحرب الباردة تملك أكثر من 90% من حجم أجهزة الحاسب وبراءة الاختراعات العالمية، وكل ذلك فرض على الدول الفقيرة والصغيرة أن تبحث لنفسها عن إطارٍ تضامني تستطيع من خلاله مواجهة تلك التحديات.
ولقد شهدت العقود الماضية العديد من التطورات التي أثرت على حيوية وفاعلية حركة عدم الانحياز، من بينها غياب القيادات التاريخية للحركة والتي كانت تعبر عن طموحاتهم وزعاماتهم الشخصية، وتأثيرها الدولي، مثل عبد الناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو.اختفاء بعض الدول التي كانت تقود الحركة، مثل يوغوسلافيا، وتبدل نظام الحكم في العديد من الدول العربية فيما بات يعرف باسم الربيع العربي.
ومن أبرز التحديات التي تواجه الحركة، تباين أولويات دول الحركة و تفضيل المصالح القومية لدولها على حساب فكرة الوحدة بين دول العالم الثالث، وتحرك كل دولةٍ من هذه الدول نحو ما تمليه مصالحها ومصالح نظمهاوتغير شكل النظام الدولي القائم، من نظام القطبية الثنائية إلى نظام أحادي القطبية الذي أدي إلي إنفراد الولايات المتحدة الأميركية بالقرار الدولي.
انتهاء الاستعمار بصورته التقليدية من احتلال مباشرٍ من جانب دولة لأراضي دولٍ أخرى، وانتهاء أنظمة الفصل العنصرية في جنوب إفريقيا وناميبيا، أضعف كثيرًا من العلل الأساسية لوجود حركة مثل حركة عدم الانحياز؛ حيث لم يعد هناك مجال للحديث عن تشجيع حركات التحرر كما في ميثاق الحركة.
ويري عدد من المحللين أن بعض بلدان الحركة بات داعما أساسيا لقوى الاستعمار الجديد في عالم اليوم، فمنها من يساعد قوات الاحتلال الأميركية في العراق وقوات الاحتلال الأجنبية الموجودة في أفغانستان، ومنها من شارك في تشديد الحصار على قطاع غزة المحاصر، إما بغلق معبر رفح، المنفذ الوحيد للقطاع على العالم الخارجي، أو عدم إرسال الأموال اللازمة لإعادة إعمار القطاع .
....................................
3/5/831
https://telegram.me/buratha