حسن الهاشمي
مادام الإنسان معرض للمعصية وما دام باب التوبة من العاصي مفتوحا من الرحمن الرحيم، وما دامت الحياة فانية والآخرة باقية؟!!! لماذا إذا الفرار من الدعاء والاستغفار المشرعة لنا أصلا من قبل الغفور الرحيم لينقذنا مما نحن فيه من الغفلة والحيرة والانكسار، نعم إنها دعوة لكل إنسان يلقى النصح وهو شهيد، أن التجأ إلى الله تعالى فهو أرأف بالعبد من الطفل بمحالب أمه، وأفضل وسيلة لاجتناب المعاصي هو الاعتراف بها والسعي لتجنبها في الحياة الدنيا قبل مداهمة هادم اللذات أعمارنا فيجعلها وبالا علينا إذا لم نقدم على التوبة، ومن مستلزمات التوبة الدعاء والتضرع والالتجاء وطلب العون من الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إلى سبل النجاة، وجميل ما قاله الشاعر الأديب سراج الدين الوراق المتولد 615 هجرية والمتوفى 695 هجرية في لوم النفس على المعصية:يا خجلتي وصفائحي سود غدت*** وصحائف الأبرار في إشراقوموبخ لي في القيامة قال لي*** أكذا تكون صحائف الوراق وهذا ينطبق علينا جميعا أكذا تكون صفائح المرّاق، وهم الذي مرقوا وابتعدوا عن طريق الهداية. إذن أين يكمن الحل؟! يكمن الحل إننا نعيش في خضم الحياة المادية، ولابد للعبد الصالح أن يقوي ارتباطه بينه وبين الله تعالى ليصقل حياته الاجتماعية بحزمة نورانية من المعنويات والأخلاقيات لكي تؤطر تلك العلاقات المادية حفظا للتوازن بين الماديات والمعنويات التي هي ضرورية لتوجيهها الوجهة الصحيحة دونما غمط أو تعد على الحقوق الفردية والاجتماعية، فتارة يكون الارتباط بقراءة القرآن إذا ما أراد العبد أن يتكلم الله تعالى معه، وأخرى بقراءة الأدعية إذا ما أراد الإنسان أن يتكلم مع الله تعالى ولكن بأدب وبما يناسب الذات المتعالية، تلك الأدعية التي تواردت علينا من الأئمة الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.الدعاء هو التوسل إلى الله عزّ وجل في قضاء الحوائج وتسهيل الأمور وربما يشمل طلب تهيئة الأسباب والعوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإنسان، وهو أحد أهم وسائل الارتباط بين العبد وخالقه جل وعلا، وكذلك هو نوع من أنواع العبادة والخضوع والخشوع والطاعة والشكر لله رب العالمين، وليس المراد من الدعاء طلب الحاجات من الله تعالى باللسان فحسب، بل المراد به حقيقته من حضور القلب وصفاء النيّة والتأدب بآداب الدعاء.الدعاء من الوظائف الروحية في الإسلام لتقوية العلاقة بين العبد وخالقه، وللتغلب على الأزمات والمشاكل التي تعترض الإنسان، وقد أمر الله سبحانه عبادهُ الالتزام بمنهج الدعاء، وصرح القرآن الكريم بمحبوبية الدعاء ورسم له منهجاً متكاملاً، قال الله تعالى:(وقال ربكم أدعوني أستجب لكم..)، وقال سبحانه:(قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم..)، وكما أمر الله عزّ وجل النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) أن يوجه الناس نحو فضيلة الدعاء، كما وضمن لهم الإجابة، حيث قال الله تعالى:(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)..وقد أكدت السنة المطهرة الشريفة على ضرورة الدعاء واستدامته لضمان تحصيل رضا الله ورعايته وتوفيقه، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):(الدعاء مخ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد) وقال(صلى الله عليه وآله):(الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات والأرضين).وقد ترك الأئمة الطاهرون من أهل البيت(عليهم السلام) بعد القرآن والرسول(صلى الله عليه وآله) تركة ضخمة وثروة عظيمة من الأدعية والأذكار، وكان للإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) قسط وافر ومجهود كبير في مجال تهذيب النفوس وتقويمها وتربيتها من خلال الأدعية المأثورة عنه(عليه السلام) والمثبتة في (الصحيفة السجادية) وغيرها من كتب الأدعية.ومع كل ما قيل فإن الدعاء لا يعني ترك العلل والوسائل الطبيعية، بل المقصود أن يستعين بالباري عزّ وجل مضافاً إلى بذل الإنسان نهاية جهده للاستفادة من كل الوسائل الموجودة.ولا يزال المؤمن يتوسل بأشرف الخلق عند الله وهم الرسول والعترة الطاهرة عليهم السلام ليشفعوا عند الله عزّ وجل في استجابة الدعاء حيث قال تعالى:( وابتغوا إليه الوسيلة).وطالما إن المؤمنين الذين يواظبون على قراءة أدعية أهل البيت عليهم السلام؛ يعلمون بأن هذه الأدعية هي مجموعة من علوم الأخلاق، والاجتماع، والفلسفة، والطبيعيات، وعلم الفلك، وأصول الدين، والتوحيد الإلهي، وغيرها، وإن جميع هذه العلوم مقتبسة من آيات القرآن الكريم، ويظهر إن هدف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام من هذه الأدعية؛ إضافة إلى إظهار الخشوع والخضوع والتضرع والابتهال والعبودية لله سبحانه وتعالى؛ هو إثبات أمرين آخرين هما: نشر العلوم وتوضيح معالم الدين الحنيف.
https://telegram.me/buratha