في موقفين متباعدين في الطبيعة نظريا متقاطعين هدفا و مصيرا يجد المتابع الموضوعي للشأن السوري نفسه امام جبهة عدوان على سورية تفصح بشكل عملي و قولي لفظي اكثر فاكثر عن حقيقة ما يجري و تحدد طبيعته بانه و بكل ما تعنيه الكلمة عدوان على هذه الدولة و شعبها و ان ما يجري من قتال على ارضها لم يكن يوما و ليس هو ابدا حربا داخلية كما حاول الغرب ترويجه ، بل هو و بكل تأكيد صراع بين قوى وطنية و اقليمية تدافع عن نفسها و حقوقها ، و قوى خارجية استعملت ادوات محلية و اقليمية و دولية لتحقيق مشروعها .
و في هذا السياق نتوقف عند امرين نختارهما من جملة السلوكيات و المواقف التي صدرت عن جبهة العدوان على سورية ، الاول يتعلق باقدام العدو الاسرائيلي على تقديم خدمات الاستشفاء لجرحى الجماعات المسلحة ، و الثاتي يتعلق بوقاحة جون كيري و تهديده بعد ان استمع الى الموقف الوطني السيادي القاطع الذي اعلنه الرئيس الاسد بان لا مانع شخصي لديه بان يترشح لرئاسة الجمهورية العربية السورية في العام المقبل و بطبيعة الحال اسمتراره في موقعه الان رئيسا للجمهورية حتى ذاك التاريخ .
ففي الشأن الاول قد بظن البسطاء ان اسرائيل امتلكت او استفاقت على نزعة رحمانية انسانية لديها و راحت تقدم الخدمات المجانية لمن يجرح و يصاب من المسلحين الذين يقاتلون في الميدان السوري من اجل ما يزعم اخرون بانه من فتال من اجل الحرية و الديمقراطية ، و لكن هؤلاء من حسني النية قد يغفلون عن حقيقة او يتناسون او انهم لا يعرفون اصلا بان العمل العسكري و مستلزمات الميدان تصنف عسكريا بين اعمال ادارية و لوجستية و اعمال تكتية و كلها تخدم فكرة القتال و المواجهة ، و في اطار الاعمال اللوجستية يندرج التزويد بالسلاح و الذخيرة و الاخلاء الصحي في متن اللائحة اللوجستية التي يعتبر توفرها شرطا للقيام بالعملية العسكرية التكتية اصلا .
و في عمليات المواجهة الدائرة على الارض السورية نعلم ان اسرائيل قامت كما هو معروف يقينا باكثر من عمل يعتبر في التصنيف لوجستيا او تكتيا خدمة للعدوان على سورية منذ ان ابتدأ العدوان اصلا ، فالكل يذكر كيف ان اسرائيل زودت المسلحين بالسلاح و الذخيرة ، و شبكات الاتصال ، و كيف انها تدخلت في لحظات حرجة بطيرانها لقصف هذا الهدف او ذاك من الاهداف التي ترى فيها الجماعات المسلحة عائقا جوهريا امام ارهابها و اخلالها بالامن و الاستقرار في البلاد . و اخيرا كان ما تريد اسرائيل تقديم نفسهاعبره بانه عمل ذو طابع انساني يقفز فوق حالة العداء القائمة رسميا بينها و بين سورية ، و هو تقديم الخمات الطبية و الاستشفاء لجرحى الارهابيين .
ان عمل اسرائيل في هذا المجال و بالتوصيف العسكري الدقيق ، ينفصل كليا لا بل ليس له علاقة اصلا بما يمكن تسميته اعمال او خدمات انسانية ، و يندرج بشكل عميق في اطار العدوان العسكري على سورية في سياق تنفيذ مهمة لوجستية تتمثل بالاخلاء الصحي لصالح الارهابيين ، مهمة من شأنها التأكيد مرة اخرى و بالشكل اليقيني الملموس بوحدة جبهة العدوان و توزع المهام و الادوار و المهام فيها ، و يؤكد مرة اخرى ما وصفنا به الحرب على سورية بانها خارجية استغلت ادوات داخلية ارتبطت بها ارتزاقا و عمالة او جهلا و خداعا .
و على صعيد الموقف الثاني الذي سيتوقفنا نجد ان ما جاء به جون كيري وزير الخارجية الاميركية باطلاقه شرطا لوقف الحرب – التي وصفها حرب اهلية في وصف يجافي الحقيقة و الواقع كما ذكرنا و نحن نراها و وفقا للدليل و البينة القاطعة حربا كونية ضد دولة مستقلة و فكر و نهج مقاوم – نجد ضرورة عدم فهم الشرط حصريا بشخص الرئيس الاسد و الا كان في الامر بساطة حتى لا نقول اكثر ، بل يجب ان يربط الشرط بما كان من امر السلوك الاميركي تجاه سورية منذ القدم خاصة خلال العقد الاخير اي مع احتلال العراق ، سياسة ترمي الى نقل سورية من موقع استراتيجي هي فيه من اجل مقاومة اي مشروع اجنبي لاهدار الحقوق الوطنية و القومية ، الى موقع يسهل السياسة الاستعمارية و مصادرة سيادة الدول و حقوق الشعوب في المنطقة .
ان هذا الشرط الصريح – الوقح يعني بالنسبة للموضوعيين امرا واحدا ، و هو ان اميركا في كل ما تقوم به من اعمال و تحركات سياسية تريد ان توحي بانها جادة في البحث عن حل سلمي للمسألة السورية ، انها مخادعة كاذبة ، و انها مصرة على هدفها الاساس الذي من اجله اطلقت العدوان على سورية و احتضنت القائمين به و هو هدف استراتيجي يشكل الرئيس الاسد في موقعه و شخصه مدخلا لتحقيقه ، و بهذا نفهم كيف ان اميركا توزع الادوار بين ادواتها لعرقلة جنيف 2 او لمنع انعقاده اصلا ، طالما انها تعرف ان سير المؤتمر وفقا لقواعد العدالة و المنطق و التوازن القائم في العلاقات الدولية و الارجحية المحققة في الميدان و الحالة الشعبية الحقيقة في سورية لصالح الدولة ، ان كل ذلك لن يتيح لها تحقيق شيئ من طموحاتها لذلك نجدها في تهديدها تعود الى المربع الاول و تقفز فوق كل ما يظهره الواقع و الميدان و تعود لنغمة وجود الرئيس و استمراره .
امام هذا المشهد يطرح السؤال : هل ان اميركا ستتراجع فعلا عن المسار السلمي لحل القضية السورية ؟ و ان تراجعت فهل انها ستعود لنغمة التهديد بالعدوان و التدخل العسكري بجيوشها ، ام انها ستكتفي بدعم المسلحين حيث يعملون و يرتكبون الجرائم ؟
اننا و على ضوء ما يقدمه الميدان و الواقع و القدرات و الامكانات لدى كل الاطراف نرى بان :
- اميركا لن تجازف بعدوان عسكري ، و هي لو كانت قادرة على تحقيق اهدافها عبره ، او كانت مطمئنة الى نتائجه لكانت فعلت منذ زمن بعيد و لما كانت انتظرت ما سيصل الى ثلاث سنوات من الزمن . و هنا نصدق كيري عندما يقول باسم دولته اميركا بان لا حل عسكري للقضية السورية .
- اميركا لن تجازف بالاسراع بالحل السلمي الذي باتت موقنة بانه لن يغير موقع سورية في الخريطة الاستراتيجية لدول المنطقة ، لانها تخشى ان فعلت ذلك ان ينعكس الامر على ملفات اخرى في طليعتها الملف الايراني ، و ما تسميه هي مسار العملية السلمية بين اسرائيل و الفلسطنيين .
- اميركا بحاجة الى تطرف او تشنج لدى بعض الادوات في الميدان من اجل الضغط مستقبلا عندما يحين وقت الحل و لهذا تقوم السعودية بما تقوم به خدمة للمصلحة الاميركية و يخطئ من يظن بان السعودية استفاقت اليوم على الحقوق العربية او القدس او سواها و لذا رفضت المقعد في مجلس الامن ، فالمسألة مسألة توزيع ادوار ليس الا .
و في المقابل يبدو جليا بان سورية و محور المقاومة و روسيا ايضا يفهمون جيدا المناورة الاميركية ، و بهذا الفهم جاءت مواقف الرئيس الاسد مؤخرا و التي بها وجه الرسائل الى من يعنيه الامر ، بانه يعرف طبيعة العدوان و انه يقدس حق الشعب السوري في قراره المستقل و اختياراته الوطنية و ان المقاومة واجب و حق يمارس و ان سورية بصمودها المستمر منعت العدوان من تحقيق اهدافه و هذا انتصار بحد ذاته لن تتخلى عنه و ستتابع … و باختصار تبقى المواجهة مستمرة و من حقق الانتصار حتى الان لن يتراجع عنه و هو يملك كل القدرات لحفظ انتصاره و يبقى على المعتدي عن يفهم هذه الحقيقة و يتوقف عن عدوانه و يخرج باقل الخسائر ان استطاع .
35/5/131024
https://telegram.me/buratha