مالك المالكي
تبنى الدولة من خلال رؤية إستراتيجية تجيب على تساؤلات من قبيل، ماذا ؟ وكيف ؟ ومتى ؟، وتوضع خطط خمسيه وعشرية وربما أكثر تتضمن الإجابة على الاستفهامات أعلاه، وهذا هو سر تقدم دول وتأخر أخرى، والأكيد أن هكذا نهج يحتاج لحكومة تعي دورها جيدا، وتضع لنفسها برنامج تفصيلي واضح، تنفذه كلا أو جزء خلال فترة ولايتها، وتترك لمن يليها برنامج هو الأخر واضح المعالم قد تقوم الحكومة ألاحقة بإجراء تعديلات أو إضافات عليه، وهكذا تدور عجلة بناء الدولة حتى تصل لدرجة الحاجة للتجديد، بعد أن تصل إلى مرحلة اكتمال الأسس.في العراق عانت الدولة ربما منذ تأسيسها من الحاجة لهكذا عمل مبرمج، لا بل كانت تخسر في كل مرحلة أو حكم جديد تفقد جزء كبير من الرؤية الإستراتيجية، فكل من تولى الحكم كان يخطط للبقاء أطول فترة ممكنة في سدة الحكم، حتى وصل الحال إلى التفكير بتوريث الحكم للأبناء كما شهدنا في مرحلة حكم البعث ألصدامي وتظهر اليوم بوادر ذلك في ظل نظام الحكم الجديد، وان كان الشعب يعذر رأس النظام ألبعثي لا لشيء إلا لكونه أعلن عن العراق كملك له ولأسرته، لكن من الصعب على الشعب أن يتقبل ذلك في ظل نظام ديمقراطي، يؤمن بفصل السلطات والتبادل السلمي للسلطة، لذا فحديث رأس الحكومة عن ولده وبطولاته كانت طعنة نجلاء في خاصرة العراق الجديد، الذي دفع الشعب تضحيات جسام ليصل الى هكذا نظام وطريقة حكم، وكان هذا الحديث بمثابة تزكية لكل الديكتاتوريات سواء في العراق أو الدول العربية الأخرى، لكون رأس السلطة اليوم يدعي انه من ضحايا الديكتاتورية وعقلية التوريث التي سادت العراق والمنطقة في الفترة التي تلت ما سمي بالربيع العربي، وكما يقال (لا تنه عن خلق..)، وكان يفترض أن يكون النظام الجديد تعبير عن حاجات الشعب التي افتقدها على يد النظام السابق. وإذا بالأمور تجري بنفس الطريقة السابقة وأقسى في بعض الأحيان، خاصة مع عدم وجود أي انجاز يعتد به قدمته الحكومة كحكومة مكلفة ببناء الدولة وتقديم الخدمات للشعب، فلا مؤسسة رصينة ولا مستشفى ولا مدرسة ولا شارع انشأ طيلة العشر سنوات السابقة، نعم ازداد الفساد الإداري والمالي، وتم تقويض سلطة القانون وتسييس المؤسسات القضائية، وكان العمل مستمر على قدم وساق لتثبيت أركان مملكات مالية لأشخاص معينين ومقربين من الحاكم، وأصبح الحكم ملك عضوض لشخص الرئيس وحزبه وعائلته، وهذا ما شكل كما أسلفنا صدمة كبيرة للشعب العراقي، الذي كان يمني النفس بحكومة تكرس كل ما لديها لبناء دولة عصرية قادرة على مواكبة التغيرات التي تجري في العالم، وتتعامل على أساس حضاري مع المواطن، بعد أن ذاق الويل والثبور من حكومة التوريث، والاستئثار والتهميش. وعلى هذا فان الانتخابات القادمة أكيد ستعبر عن رفض الشعب لمنطق التوريث، ومنطق الاستئثار، والفساد والإفساد الذي ساد المؤسسة الحكومية وعطل بناء الدولة وفق الحلم الشعبي العراقي، وستشكل نتائجها درس بليغ لمن لم يستوعب ما جرى لمن سبقه من الحكام، من أن الشعب العراقي لن يرضى إلا بنموذج يحفظ حرمة الدماء الزكية التي سالت لبناء الدولة الحلم...
https://telegram.me/buratha