الشيخ حسن الراشد
الأمن في العالم أساس النهضة والتقدم والرخاء، والأمن واجهة الحضارة للصعود وهو عبارة عن منظومة متكاملة يتداخل فيها الأمن الاقتصادي مع الامن السياسي ومثله الأمن الاجتماعي والثقافي .
وقد قيل ان أوروبا لم يتقدم للصدارة في مجال العلوم والتكنولوجيا والحضارة البشرية الا بعد ان استتب الامن في ربوعها ونزعت من أبناءها شرور الحقد والكراهية والفرقة وحلت محلها أواصر المحبة والتعاون والحرص على امن البلاد والعباد .
وللامن مفهوم واحد وهو (( امن الحياة البشرية)) بكل أبعاده ومستوياته ، ويأتي امن الفرد وآمن المجتمع على قمة اهتمامات الامم والدول المتحضرة حيث ان امن المجتمع من امن الفرد والعكس أيضاً صحيح ، وعندما يفتقد اي بلد مقومات توفير الامن للفرد وحماية حياته وممتلكاته وأسرته فان ذلك مؤشر خطير على وجود أزمة بنوية في المنظومة الأمنية الجمعية يشترك في المسؤولية عنها الفرد والدولة وتقع بالدرجة الأولى على عاتق شخص الحاكم ولذلك نجد في البلدان التي يتحمل فيها أفراد المجتمع المسؤولية ان اي اهتزاز امني في اي جانب من جوانب الحياة وخاصة على مستوى الامن الفردي او الجماعي يحاسب شخص الحاكم او من ينوب عنه في إدارة الملف الأمني بل قد يستقيل أعلى مسؤول او رئيس من مقامه ارضاءا لشعبه وبغية إيجاد فرص بديلة تكفل عدم تكرار الظاهرة .وقد جاء في القران الكريم ما يربط بين أمرين مهمين الامن الاجتماعي الاقتصادي والأمن الفردي وجعل الواحد يكمل الثاني وقدم الامن الاقتصادي بحيث يكون الامن الفردي رديفا مباشرا له .يقول الرب العظيم في كتابه الكريم (( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمن هم من خوف)).العراق في ظل حكومة المالكي تعرض ويتعرض لأكبر هزة أمنية لم يمر بها العراق طوال تاريخه الحديث وحتى القديم حيث ان البلد اصبح ليس فقط مكشوفا أمام العدوا الداخلي والخارجي وانما سلبت منه القدرة حتى على حماية امن الفرد وبيته ( ممتلكاته ) ورزقه وحتى امنه العبادي والفكري بحيث الواحد غدى يتعرض للتهديد بالقتل والابادة فيما لو مارس طقسا عباديا لا يروق للاخر المتربص وقد نشرت في الاونة الاخيرة مجاميع فوضوية وعابثة بالامن ومحسوبة على اجندات اجنبية بيانات تهدد كل من يمارس شعيرة دينية باستهدافه في حياته ورزقه وتدمير منزله وهذا يعني ان البلد يعيش ازمة امنية خطيرة يتحمل من يمسك بيده خيوط الوزارات الامنية وملفاتها المسؤولية الكاملة ويجب ان يحاسبه الشعب .فهل يعقل ان يستهدف الارهاب الاعمى والقتلة خلال دقائق معدودة بعشرة من السيارات المفخخة او اكثر مدينة كبغداد دون ان يوقف( رجال الامن ) واحدة منها ؟؟
لماذا الارهاب يصيب المواطن وبكثافة ولم نسمع عن مقتل مسؤول سياسي واحد منذ بدء الموجة الإرهابية الجديدة ؟
لماذا استطاع هؤلاء ممن يسمون انفسهم برجال الامن او حتى شخص المالكي منع وصول تلك المفخخات الى منطقة الخضراء ولم يستطع ايقافها في استهداف مناطق اخرى رغم كثرتها وتكرارها وبشكل شبه يومي ؟؟هناك ثمة خلل داخل جهاز الحاكم وآلية الحكم يبدأ بشخص المالكي وطاقم حكومته وهما المعنيان بالدرجة الأولى بأمر الامن .وفي ظل غياب الحل السياسي وتعنت الحاكم وحبه لولاية ثالثة و فقدان البلد لقيادات مخلصة وشجاعة فان اي برنامج سياسي يكون مصيره الفشل .ان عجز المؤسسات الأمنية عن القيام بدورها في حماية أرواح الناس وممتلكاتهم وفشلها في توفير الامن لدليل صارخ على فشل مشروع السياسي للمالكي وحزبه وانعكاس لعجزه عن تقديم اي برنامج سياسي ناجح يحظى بقبول كل الأطراف وشركاء الوطن .فهو ليس فقط عاجز عن احتواء السنة و تقديم حلول لوقف انزلاق هذه الشريحة نحو خسارة مستقبلهم السياسي في العراق والغرق في مستنقع التطرف والارتهان لأجندة القاعدة والدول الساعية لجعل السنة جسرا لها وإنما أيضاً فشل في لم الأطراف الشيعية ودق الاسفين بينها وخلق من الكثير منها أعداء له بفعل ممارسات خاطئة وسياسات رعناء لم تضع مصلحة العراق وشعبه وأمنه في سلم الأولويات .والحل لن يكون عبر ان يسعى لتجديد ولايته لفترة ثالثة و رابعة والتشبث بكرسي الرياسة وترك مصير الناس للمجهول يقوده الارهاب الأعمى والانهيارات المستمرة في الوضع الأمني ولا عبر تكريس أمن منطقة الخضراء وأمنه الشخصي فهذا لن يتم حيث من كان عاجزا عن توفير الامن للمجتمع وممتلكات الناس وارزاقهم وفاشل في وقف مسلسل القتل والإرهاب وإراقة الدماء فهو سوف يكون أعجز حتى في حماية نفسه والدائرة التي من حوله ..فالعراق في امس الحاجة للأمن والازدهار لا لصدام جديد ..
ان الحل لن يكون الا عبر مشروع سياسي يشترك في صياغته كل شركاء الوطن وهذا المشروع يجب ان يدعى اليه كل الأطراف والشرائح والأطياف دون إقصاء من خلال مؤتمر تمهيدي يكون طريقا لمؤتمر أوسع يضع خارطة طريق واضحة المعالم تعكس رغبات الشعب وتطلعاته في حياة يسودها الامن والاستقرار .اما استجداء الحلول من وراء البحار وتجاهل أساس المشكلة والمتمثلة في غياب المشروع السياسي الناجح الذي يحاكي الوضع العراقي فان مصيرها ليس فقط الفشل بل ضياع العراق او العودة إلى المربع الأول .
https://telegram.me/buratha