حافظ آل بشارة
كلما اقترب موعد الانتخابات تصاعد الحديث عن التحالفات المحتملة بين القوى السياسية لخوض الانتخابات ، وهناك دائما توقعات مسبقة تستند الى طبيعة التخندق الاجتماعي في البلد والعناصر المؤثرة فيه ومنها العنصر المذهبي ، ومع ان التحالفات تمثل خضوعا للأمر الواقع الذي قد يكون سيئا في معطياته ومؤسفا ويتناقض مع طموحات الشعب ، كنا نتمنى ان نرى تحالفات انتخابية او برلمانية مبنية على اسس سياسية وليست مذهبية او قومية ، هذا النوع من الاصطفافات البدائية وغير المتحضرة ادى الى حدوث فرز مناطقي متأثر بالفرز المذهبي والقومي ، ومن مسلمات الامر الواقع القاهرة ان الدائرة المذهبية وحتى المناطقية تصنع بمرور الزمن تياراتها الثانوية الموزعة بين اليسار واليمين والاعتدال والتطرف والسلطة والمعارضة او القوة النخبوية والقوة التنظيمية ، وعلى اساس هذه المسلمات تدور التوقعات الحالية في الدائرة الشيعية على 3 قوى رئيسة هي المجلس الاعلى والتيار الصدري وحزب الدعوة مع حلفاءه ، يمكن باستبيان سريع قراءة انطباعات الناس كقوة انتخابية تجاه كل من هذه القوى بلا مجاملات ، فالدعوة مع حلفاءه يترك دائما انطباعا لدى الجمهور بأنه صاحب السلطة والقرار السياسي مع ان هناك من يتمسك بالقول انه مجرد طرف في حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع ، وهذا لا يمنع من اتهام الدعاة بأنهم المسؤول الاوحد عما يجري فاذا فشلت الحكومة لفحوهم بسياط النقد ، واذا نجحت نسبت النجاحات الى شركاءهم ! وهنا من حق الذين يدفعون الثمن ان يؤمنوا بمقولة الحظ السيء عند العرافين ! اما الفريق الآخر فهو التيار الصدري الذي يشترك في السلطة ويدير وزارات خدمية مهمة الا انه يتصرف تجاه الحكومة تصرف المعارضين وقد عبر عن مواقفه بوضوح في مناسبات عديدة مثل مشروع سحب الثقة من الحكومة ، وتفسيره لحادثة هروب السجناء ، وسعيه لكشف ملفات الفساد ، وموقفه من مشروع قانون البنى التحتية ، وموقفه من مشروع قانون الغاء تقاعد النواب وغير ذلك مما يعطي للتيار مظهرا اصلاحيا مؤثرا في اوساط جمهوره الذي يعاني من الفقر والحرمان ... أما المجلس الاعلى فهو الآخر كان طيلة ما مضى من الدورة الحالية أقرب الى اجواء الشريك المعارض خاصة وانه مشارك في الحكومة بمواقع ثانوية ، مع انه مثل غيره عضو نشيط في التحالف الوطني الحاكم ، الا ان المجلس الاعلى بدا منشغلا بالمواضيع ذات الطابع الاستراتيجي اكثر من انشغاله بالأمور الآنية ، ناظرا عبر أفق اوسع مما تمليه قيود السلطة او قيود المعارضة ، فكان صديقا لاهل السلطة وحلفاءهم ومعارضيهم وللمحايدين والغاضبين ايضا ، واسس خطابا معتدلا يجعل صاحبه مقبولا نسبيا لدى جميع الاطراف مع ان تلك الاطراف تبدو متناقضة حين تلتقي ، وقد ايجاز حالات التميز في المجلس الاعلى بالنقاط الآتية : 1. عدم وجوده في الحكومة انقذه من تحمل مسؤولية الفشل والتلكؤ ، وحفظ مصداقيته واتجاه الانظار اليه كبديل محتمل لحل المشاكل الكبرى كالارهاب والفساد والبطالة وضعف الخدمات .2. خطابه المعتدل وخبرته المتراكمة في الحوار وتنمية المشتركات جعلت منه تيارا يستقطب الناس بعفوية كاملة خاصة تلك الاوساط التي اصابها الملل من الصراعات السياسية ، لذا فهو أوسع من الأطر الحزبية في الحجم ، لكنه واكثر مركزية في التنظيم. 3. يتزعمه عالم دين شاب لديه مواهب قيادية ويتمتع بجاذبية خاصة تعيد الى الاذهان ذكرى علماء سابقين لعبوا دورا محوريا في حياة بلدانهم مثل نواب صفوي في ايران وموسى الصدر في لبنان ومحمد باقر الصدر ومهدي الحكيم في العراق حيث اخذت الكاريزما الشخصية تؤطر الحركة السياسية وتندمج فيها .4. ارتباط المجلس الاعلى تأريخيا وحاضرا بالمرجعية الدينية التي تحظى باحترام جميع الاطراف ، وتعد قوة عابرة للحواجز الطائفية والقومية والمناطقية ، وهي ايضا قوة حاضرة في الساحة بشكل يومي وقد اكتسب المجلس الاعلى بعضا من شرعيتها ومصداقيتها وحضورها .5. عمله بآليات حديثة في هيكله القيادي التنظيمي المؤلف من نموذج هرمي يعتمد تعدد الدوائر والتخصص والعمل الجماعي والشورى في اتخاذ القرار ، ووجود شخصيات وطنية مهمة ضمن هيئته القيادية وامتداده التنظيمي الى ابعد مناطق العراق ، وممارسة العمل الاجتماعي والتبليغي ، والاستخدام الأمثل للاعلام في التوعية والتعبئة . 6. اطلاق قيادة المجلس مبادرات عديدة بشكل مشاريع حل شاملة للمشاكل الكبرى التي تواجه الشعب ودعوته للحكومة والقوى السياسية الى تنفيذ تلك المبادرات الامر الذي جعل الشارع يشعر بأنه أمام حركة سياسية تمثل تطلعاته ومطالبه .7. اعداده برنامجا انتخابيا واقعيا ومبوبا في الانتخابات العامة الماضية وفي انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة . للاسباب السبعة اعلاه وغيرها يبدو المجلس الاعلى قريبا من الجميع ، فهو مع حزب الدعوة في تأريخه وشهداءه وتضحياته وجهوده في ادارة الدولة ، ومع التيار الصدري في امتداده الجماهيري الواسع ونزعته الاصلاحية ، ومع الكرد والسنة (في تسميات الامر الواقع) في مطالبهم ورؤاهم المنسجمة مع الشراكة السياسية . في الخلاصة هو مع الوجه المشرق من كل طرف سياسي عراقي بما في ذلك الاقليات ، ويقف ايضا بالضد من اخطاءه الذاتية واخطاء الآخرين ... هناك توقعات بأن يخوض المجلس الاعلى والتيار الصدري انتخابات 2014 بقائمة واحدة ، وقد يعود ذلك الى التشابه التنظيمي بين التيارين والموقف الاصلاحي تجاه العملية السياسية وتطوراتها ، والتحالف الناجح نسبيا الذي ابرم بينهما في انتخابات مجالس المحافظات . بينما كان مشروع المجلس سابقا تشكيل تحالف وطني يضم جميع الاطراف في قائمة واحدة ... يعتقد المجلس الاعلى ان المراهنة يجب ان تكون على الحجم الجماهيري والقدرة على الاقناع والكسب والحشد على الأرض وعدم الاعتماد على دعم يأتي من خارج دائرة الشعب لاكتساب الشرعية السياسية ، يؤمن ايضا بأن التنمية الشاملة هي السبيل الوحيد الى خدمة الشعب وانقاذه من واقعه المتردي على جميع الاصعدة ، والتنمية لا تنجح الا عندما يكون الانسان وسيلتها وهدفها في آن واحد ، والتنظيم على الأرض هو الذي ينجح في زج الناس في مسيرة التنمية الشاملة .
https://telegram.me/buratha