الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
تعلمت من هذا الرجل عشق الحسين {ع} والإدمان في حبه ....منذ صغري كنت اسمع مقتل أبي مخنف , لم ترضاه نفسي, ولم أتعاطف مع النصوص التي يرويها .. بعد ثورة 14 تموز عام 1958 بعام واحد ظهر صوت من كربلاء المقدسة .. من جوار الصحن الشريف .. صوت هادر كأنه ينقل بالمباشر معركة كربلاء .. صوت تشعر فيه إيمان وتواضع ونبرات وذوبان في القصة وتعاطف وإتقان في اللغة وضبط النص .. كلها عوامل تجمعت في الشيخ عبد الزهراء الكعبي رحمه الله...تعودت أن اردد المقتل الحسيني بجهاز المسجل يوميا ولمدة سنتين بشكل شبه متواصل.. شعرت إني حفظته من الافتتاح إلى الدعاء , قررت أن التقي مع بلبل الحسين وممثله في يوم عاشوراء في ملحمة كربلاء.. ... جئت في زيارة الأربعين عام 1962 وحبي يجرفني أن أراه { فما قيمة أن تحب شخصا وأنت لم تراه وممكن أن تراه } كان لي كابي وأمي ودمي في عروقي .. أعيش لحظات سعيدة اردد كلامه وتنزل دموعي شوقا على صورته و صوته والمصيبة التي يرويها.. حين دخلت صحن الإمام{ع} سالت احد الخدم .. أين بيت الشيخ عبد الزهراء الكعبي .. كنت مصمما أن أزوره ولو كان بعيدا , أجابني انه الآن يقرأ مجلسا في ساحة الزهراء الساعة 8 ليلا .. انطلقت نحو المكان بسرعة, أزاحم الزوار بكتفي .. أتقرب نحو الساحة شيئا فشيئا .. سمعت صوته .. انه هو من أحب من ابحث عنه في قلبي .. هذا ممثل الحسين .. كانت الساحة مملوءة بجمهور المستمعين , مفروشة بحصران القصب{ بواري} وقفت آخر الناس انظر أليه .. هذا هو الشيخ الكعبي بلحمه ودمه .. كان صوته في قراءة المثكل وقصيدة دعبل الخزاعي ... مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات .. لآل رسول الله بالخيف من منى .. أغمض عيني حينا لأرى الإمام الرضا {ع} وهو يستمع لدعبل ويثني عليه.. بعد انتهاء المجلس انطلقت نحوه لألقاه وألامس يده الشريفة .. كان رجلا قصيرا في ظهره انحناء بسيط , عليه مسحة سمراء .. وصلت أليه مددت يدي لأصافحه, فوضع يده في يدي ,سحبتها بدون شعور رغم انه لم يوافق بالتقبيل ولكنه لم يستطع مقاومة رغبتي ومن شدة عصر اليد تألم وقال :" بني اترك يدي ألمتني" أجبته شيخنا أنا احبك.. قال نعم تحبني ولكن اترك يدي .. كم هو عظيم ذلك الرجل الذي يستحق هذا الحب طلبت مصاحبته للمجلس الآخر .. اصطحبني إلى مجلس البزازين في كربلاء .. حين كنت امشي معه وهو يمسك يدي سألني عن اسمي ومدينتي .. قلت أنا من الفاو وعندنا حسينية , واليوم اطلب منك أن تقرأ لي خطبة الإمام زين العابدين {ع} في الشام ..قال أنا ممنون وخادمك.. حين وصلنا مجلس البزازين كان المكان غاصا بالجمهور والشعارات والسواد يملأ المكان .. جدران المجلس مكتظة بالشخصيات والأرضية في وسطها نافورة ماء " كر" وقد خصصت قنفة لجلوس الشيخ .. فحظيت بجلسة معه .. جلست بجواره انظر إلى وجهه وفي نفسي أقول .."هذا الإنسان يعيش تفاصيل حب لا يراها غيره " انه مغرم بالحسين وموقفه .. جيْ له بقدح ماء لبلبي .. شرب منه وقدم لي الباقي قائلا.. اشرب واطلب حاجتك من الغريب ..هذا نص كلامه.. أخذت قدح الماء وقبل أن اشربه قلت له: أحب أكون مثلك ممن يحملون حب الحسين ويخدمونه" طاطا رأسه وقبلني ثم قال : الناس يشتغلون بمصالح شتى وأمور أرزاقهم متعددة .. وبما إني مدير أعمال الحسين{ع} قررت أن أقبلك خادما عند الحسين من هذه الليلة ..شعرت أن القضية أبرمت وتحقق حلمي .. وصار يحدثني عن أخلاقيات الخطيب وواجباته .. ثم سألني أنت تصلي .. قلت : لا .!! ضحك بصوت مرتفع وقال الحسين ما يقبل خادم ما يصلي .. قلت غدا سأصلي لأني أحب خدمة الحسين ... نعم هو الوسيلة إلى الله... ثم استأذن مني وارتقى المنبر .. وكان ضمن سياق كلامه رحمه الله وحشره مع الحسين {ع} قال:" بالمناسبة .. وأشار باتجاهي طلب مني هذا الغلام خطبة الإمام زين العابدين {ع} بالشام ولعله قبل أيام خطبها.. والتفت الناس كلهم نحوي .. وضعت يدي على وجهي خجلا .. ولكن روحي كانت عند حبيبي الشيخ عبد الزهراء .. حرصت أن لا تفوتني منه كلمة .. لن انسى نبراته وأنا جالس تحت منبره وهو يردد " أنا ابن مكة ومنى .. أنا ابن زمزم والصفا .. أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا ...نم قرير العين يا شيخنا .. أنت في كنف مولاك الحسين .يا خادم الحسين ومدير أعماله .... يا ليتنا نحسب من خدامهم ومحبيهم...
الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
https://telegram.me/buratha