واثق الجابري
لعل الإختبار الأصعب في حياة الأنسان، هو القدرة على ضبط النفس وكبح الأهواء والرغبات، وتحديد الحقوق الفردية دون تجاوزعلى الغير، فإذا تمكن الإنسان من تحقيق الهدف العظيم وإنتزاع الأنا، تحرك بإتجاه مصلحة المجتمع، متحصناً من الإنزلاق والخضوع والرغبات، تسبق هذا الفعل عوامل بناء الذات والإخلاص في العمل، يكون المنظور منه تحقيق الأفضل لخدمة الإنسانية والمجتمع قبل خدمة النفس والمقربين فيما يخص القضايا الجماعية، يقابل ذلك فكر منحرف منحط كان ولا يزال يؤمن بالفجور إماماً والحق عدواً .مدرسة عاشوراء وفي يوم تاسوعاء كانت المحك والإختبار الحقيقي، ونقطة الإفتراق بين الحياة والموت والحق والفجور، بين السعادة الدنيوية والسعادة الأبدية بين الخلود والعار، إختبار صعب بين من يعطي ومن يأخذ. الإطلاع على الأهداف التي سعى لها الإمام الحسين عليه السلام، والتبصر بها يجعل الانسان يؤمن بعظمتها، كونها مثلت ذروة الصراع المتراكم منذ بدأ الخليقة بين الحق والباطل الى يوم كربلاء، ويستمر تكرار المشهد في كل زمان ومكان، رفعت الحاجز بين الحاكم والمحكوم، متخذة شجاعة الموقف باب للحرية، رافضةً الطغيان الفردي والجماعي والفساد، مرتهنة النفس فداء للكرامة والإنسانية والقيم العظيمة، والمساواة والعدالة الإجتماعية، بدعوة صريحة للإصلاح والإنتفاض لتغيير مفاهيم تعميم الفساد ومنطق القوة والإنحطاط والرذيلة. المباديء التي إنطلق منها الإمام الحسين مباديء ثابتة لا يغيرها زمان او مكان، جسدت ثورة الحق المكبوت على الباطل الحاكم، مبتعدة عن الفردية لحق الجماعة، فسحت الطريق امام أنصار تمترسوا بقيم الحق، أمنياتهم العطاء الأبدي والخلود الدائم، مثلوا الإنطباع الحقيقي لصورة الحياة التي خلق الإنسان لأجلها.الإمام الحسين كان ولا يزال صوت يرعب الطغاة والأنظمة السياسية المنحرفة، وأعداء الإنسانية، رسم بدمه منار للسلام في ربوع الأرض برمتها، من قيمته الفكرية من الشجاعة والإباء والتضحية، مدرسة عاشوراء تجلت فيها قمة التجارب الإخلاقية والصبر والثبات على المباديء، ويوم تاسوعاء كان الإختبار والنقطة المفترق بين طريقين، وضعت النقاط على الحروف ورسم طريق لا غبار فيه، مخيّراً أصحابه بين الحياة والموت، بين الثبات على المباديء والإنهزام أمام الكفر والتكفير.قضية ونهضة الإمام الحسين أشعاع إنساني خالد، كثير من الحواجز والعراقيل وأنطمة الفساد تقف في طريق نشر ثقافتها ومنهجها، الذي يبعد الأمة عن الإنحراف، ومثلما يقتل أنصارها في كربلاء يفجر محبيها وفي كل يوم صار عاشوراء. عاشوراء قيمة فكرية وتاسوعاء يوم الإختبار، تجسد من خلال بث روح السلام والإنسجام بإتجاه الغاية النبيلة، وإحياء هذه الذكرى تجديد للبيعة، وتعظيم للمناسبة والسمو بالنفس للسير عن منهج مشع للإنسانية، ولا نعجب ان نجد الطغاة والمنحرفين من يدعي ان يزيد إمامه والحسين عدوه كما تشير (داعش) في أخر بياناتها، وكأن التاريخ يعيد نفسه بصورته البشعة . لكننا نقول ونردد دائما ( ياليتنا كنا معكم)، ومصداق هذا الكلام من إثبات البيعة والولاء والوفاء لتلك التضحيات الجسام، أن نكون في موقف الأنصار وبيعتهم في يوم التاسع من محرم، ونشر هذا الوعي في أنحاء المعمورة، لخلق حالة التوازن التي تحمل المفاهيم، ونقول ان الحق لا يهزم وإن خسر جولة والباطل لا يدوم وإن كسب خدعة، وان فكر الإمام الحسين (ع) متوقد لا يستطيع الظلام إخفاء شعاعه، وتاسوعاء يوم لإختبار ولائنا ووفائنا نقول فيه نحن حسينيون مابقينا.
https://telegram.me/buratha