بسم الله الرحمن الرحيم
وجاء المحرم ....
بدموعه واهاته وحسراته وسواده وحزنه وعزاءه ومصيبته , مرت الليالي سريعاً ونحن ننتقل من وداع المدينة وقبر رسول الله ص الى شد الرحال واستشهاد مسلم وقحط الماء واستئذان الاوفياء واحد بعد اخر وتجرأ الشمر اللعين حتى ليلة اليوم التي اعلنت ترك شهداء الفضيلة والمكارم مجزرين على ارض كربلاء فلقد أُسر اصحاب العزاء وتركوا ابا الاحرار لغربة اخرى في فلوات الكرب والبلاء .
مرت عشر ليالي عشنا فيها بعداً وهو العبرة ( بفتح الباء ) فالنار تستعر في القلوب هذه الليالي ولا يطفئها الا العزاء بمختلف انواعه اللطم والبكاء والخدمة و..... فهي بالفعل عشر ليال دينامكية لايهدأ فيها الجسد ولا الروح فمن الروح تندفع قوة سرعان ما يترجمها جسدك الى ضربات عاشقة ومخلصة لامامنا المظلوم وكأننا نسمع لاول مرة بهذه المصيبة وهنا لا استطيع تفسير تأجج المشاعر بهذا الاندفاق القوي الا بكونه سر الهي واحد ثمار الطف التي اينعت في قلوب عشاقهم فالحسين قُتل في الماضي وعاش في المستقبل .
وجاء يوم العاشر وما ان نسمع المقتل حتى بيدأ بُعد اخر وهو العبرة ( بكسر الباء ) حيث ان معظم المؤمنين يؤدون العزاء لتسع ليالي ولتبلغ المشاعر اوجها في ليلة التاسع حتى مطلع فجر اليوم العاشر حيث تحصل حالة من السكون عند قراءة المقتل فكل شيء يهدأ ولا اقول يفتر بل يهدأ توقيرا ً لعظم المصيبة وهو امر ليس مسبق التخطيط فتحصل حالة من التسليم والسماع الى تسلسل المصيبة وهي تصطبغ بحمرار الدم الزكي تارة وتورق براعمها الخضراء تارة اخرى في العبارات التي تتلوها الشفاه الهاشمية والثلة الخيرة من الاصحاب وما ان ينتهي المقتل حتى تلتهب نار المصيبة في القلوب فتحرق الخيم وتنطلق ركضة طويريج المهيبة لتنتزع من الروح مابقي لها من القدرة على التحمل فتنهار سدود المشاعر ويعبر كل انسان بطريقته وكلنا مأجورون باذن الله .
ويبقى البعد الثالث الذي طالما اعتقدت انه زاد الاشهرالعشرة لما خلا محرم وصفر , وهو بعد التطبيق فكل يوم ينتهي يرى الانسان نفسه اما في معسكر الحسين عليه السلام أو في معسكر عمر ابن سعد لعنه الله , فأن مر يومه في عمل الخير والامر بالمعروف والاصلاح فأنه يبات في مخيم الايمان كله وان مر يومه في عمل المنكر وايذاء الناس فأن مقره في مخيم الشرك كله او بالاحرى الشرك المتأسلم .
منذ سنوات ودموع عمر ابن سعد لا اجد لها تفسيرا ً , تلك الدموع التي ذرفها حينما انبته السيدة زينب عليها السلام في تسائلها عن حال ابي عبد الله الحسين عليه السلام , فالرجل مجرم قاسي تجرأ على ابن بنت رسول الله ولم يرحم الرضيع عليه السلام ودفع حرمله ليفعل فعلته وليُسجل لكليهما قلة الرجولة والانسانية وقد سجلت كربلاء له كل ما هو مخزي فلما ذُرفت هذه الدموع فهل ندم !! وان ندم كيف يأمر الخيول بما يصعب ذكره بعد ذلك !! فما سر تلك الدموع ياترى ان لم تكن ندماً فهل تكون خجلا ً من جرىء ؟!
اشعر ان تلك الدموع هي دموع النزاع بين المعرفة والرغبة فالرجل يدرك من هو الحسين ع ! وليس ككلاب معاوية الجاهلة وفي نفس الوقت تدفعه الرغبة في حكم الري لان يفعل اي شيء وان عرف قدر المجني عليه وان دخل النار !.
ان دموع عمر ابن سعد نذرفها مثله ! هذه هي الحقيقة التي واجهت بها نفسي وايقنتها فكل يوم كربلاء ولك ان تبات في احدى المخيمين بعد انتهاء يومك فاما ظالم واوليائك الظالمون واما صالح واوليائك الصالحون ولا تقاطع بين الدائرتين ابدا ً فاما ... أو ففي الايام التي ارتكب فيها ذنبا ً واستيقن دخولي الى معسكر عمر ابن سعد اضج الى الله بطلب الغفران والسماح واخشى ان تنتهي الدنيا في تلك الليلة وانا هناك وانتظر الفجر بلهفة كي يأتي يوم جديد اركض فيه بعملي الى جهة الانصار وهكذا نحن بين كر وفر وهذا ما يجب ان يوضع له حد .
الى متى يا نفس تعشقي وتأذي المعشوق .
الى متى يا نفس ترتكبي وتأملي
الى متى يا نفس تكري وتفري
الى متى
بعد كل هذه التضحيات الا يحب ان نحفظ بصرنا من الكاسيات العاريات والمحرمات في شاشات التلفاز حباً وكرامة لعين ابي الفضل العباس عليه السلام التي اخترقها سهم الظلم الا يجب ان تمتد ايدينا بالخير للناس وفاءا لكفيه عليه السلام .
هل نصلح حبا ً لابي الاحرار وهل نضحي باليسير اقتداءاً بتضحيته العالية هل نؤثر وقد اثر قدوتنا اولاده واهله واصحابه وحياته ليصل لنا الاسلام . هل نرد عنه حبة رمل استقرت على جسده المثخن بالجراح وهل وهل .
مع كل محرم لابد لنا من عهد جديد بأن لا تطأ ارجلنا ذلك المعسكر المشؤوم الذي تجمعت فيه كل الرذائل وتعانقت لتبعث رائحة نتنة تجذب اصحاب النفوس الضعيفة في زمننا الحاضر لا زال عمر يحشد ويشتري الذمم ولا زال ابو الاحرار يطلب النصرة فهو لم يحشد ولم يأمر احدا ً فمعسكره معسكر الفضائل والشمائل الرائعة .
الا تستحق السيدة زينب عليها السلام منا ان نلتزم لها بعشرات العهود وهي من اعطت درسا ً مع كل رفعة قدم ومع كل حرف وكل رد فعل , كثيرا ً ما ننصدم لابسط الاشياء ونعتبر الصدمات مبررا ً للتراجع فتعال معي لنسلط الضوء على موقف شهدته بنت امير المؤمنين في ليلة الحادي عشر واسالها المعذرة لانني ولسنوات لم يخطر ببالي هذا الموقف ابدا .
فالقوم المتأسلمون قد صلوا الظهر في معسكرهم وقد صلى حجة الله في معسكره ايضا ولكن ماذا عن صلاة المغرب يا مولاتي , هل أذن مؤذنهم ؟! وهل شهدوا لجدك بانه رسول الله ؟ ماذا حل يقلبك الصابر في تلك اللحظة يا سيدتي اخشى انك قد التفت الى الاجساد الزاكية وهي مقطعة بسيوف المصلين ! والى خيام اولاد رسول وهي محترقة والى بنات الرسالة وهن مروعات , لم ولن نفقه ما حدث في ذلك اليوم يا مولاتي فالتفاصيل في قلبك الحزين المتربص به الى يومنا هذا فالايذاء لا يزال وسيستمر حتى يأذن الله بالفرج سيدتي كم تمنيت ان يفتح الماضي باب في يوم العاشر لشباب ركضة الطويرج كي ينصروا الحسين وانتي تنظريه من المخيم وتطمئني سيد الاحرار بان التلبية قد حصلت وها هم العشاق قادمون .
ليس لثورة الامام الحسين عليه السلام ابعاد محدودة و معدودة فثورة الامام عليه السلام كما الخط المستقيم يمكن ان يمر فيه عدد غير منتهي من المستويات ذات الابعاد الثنائية ومهما عنونا له مستويات وابعاد فهو قطره في بحر لكن مع كل عنوان جديد هناك معنى من اننا نسير في درب المعرفة وهنيئا لمن سبق في هذا الدرب .
"اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك , اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني "
اللهم احسن عواقبنا ولا تخرجنا من معسكر الحسين عليه السلام حتى الرمق الاخير , اللهم ارزق رجالنا زوجات كما زوجة زهير ابن القين وارزق بناتنا ازواج كاصحاب الحسين عليه السلام .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الغر الميامين
بغداد
https://telegram.me/buratha