المقالات

عمامة جدتي وقطرات المطر

420 17:55:00 2013-11-22

علي الغراوي

أود في بادء الحديث أن أعرف من هي جدتي؟ إمرأة ألأهوار، وبيئة الجمال الخلاب؛ فقدت جدي( رحمه الله) في سبعينات القرن العشرين؛ بيديها المتجعدتان صنعت رجالاً أوفياء؛ زاهدين بالدنيا راغبين في العلم والدين؛ عاصرت طفولتها ثورة العشرين ضد ألأنكليز( ألانكريز) بلسانها الفطري، ولازالت تنظر لأولاد أحفادها بنظرات الحنين الجنوبي، وتنقل لهم جمال لفظة( الجا) وتسرد عليهم قصصٍ أهوارية أجمل من خيال ألف ليلة وليلة؛ ويوم كنت جالساً معها تحت أجواء غائمة؛ قرعت قطرات المطر عِمامتها(العصابة) فأصطحبتها الذاكرة الى هطول ألأمطار على بيتها القصبي، وأرضها الملطخة بعرق جبينها الطاهر؛ كانت ترى من المطر مصدر أبتهاجاً للأرض والقصب والبردى، فتنغمرُ أنذاك بالسعادة رافعةً يديها الى السماء بدعاءٍ فطري خالص( لك الحمد ياصاحب السما) وعند صفاء السماء وبزوغ الشمس؛ يضفي ماء المطر لوناً أخضراً للزرع الوفير، وجمالاً للبيئة بجوِها الشاعري.تعلمت من جدتي تلك الإمرأة الحنوبية؛ بأن ماء المطر يفرح الكثير من الناس الذين يشعرون بقيمة أرضهم وقدسيتها، وحنينهم الجياش لها وهي تحملهم على سطحها؛ كما أستلهمت من أمرإة ألأهوار؛ أن مياه ألأمطار تطهر ألأرض من الشوائب الرذيلة التي يرتكبها بعض البشر على رقعتهم الجغرافية؛ أي عشقٍ متلبد في قلب هذه الإمرأة مع المطر؟ وأي حكمةٍ عظيمة من أُمية لا تجيد القراءة والكتابة تسطرها بين الماء والأرض في نسيج الفطرة؟ سد رمقنا برغيف الخبز، وأشباع البطون الجائعة؛ وسر حياتنا؛ كل ذلك من ألأرض وقطرات الماء المتناثرة عليها- لكن ظلمة المدينة، ودخانها ألأسود، وشوراعها الفوضوية المليئة بالضوضاء؛ جعل البعض من أهلها يفسر النعمة نقمة! فالمطر ربما يكون نعمةً بلسانهم- شراً في قلوبهم؛ لكن فيلسوفة( الجا- المامش- الشنهي) كانت العكس من ذلك تماماً، فرغم انتقالها من جمال الطبيعة الجنوبية الى فوضى المدينة وضبابيتها البشرية قسراً وظلماً وجوراً على يد ( هدام) وزمرته من الآفات الضاره- لكنها بقيت تحمل في كيانها ذلك العشق الجنوني مع المطر، وقطرات ماء السماء التى نزلت برفق على عِمامتها السوداء؛ تفسر العشق ألأبدي المتبادل بين الماء وإمرأة الجنوب، كعشقِ قيس وليلى، وروميو وجوليت، والعشق النبوي بين نبي الله يعقوب لأبنه النبي يوسف( عليهما السلام) فهنيئاً لها بمعشوقها الوفي.تلك القطرات؛ جعلت عينا جدتي ترقرق بالدموع، وسرعان ما لبثت وسالت على الخدود المتجدعة من ظلم الزمان. سلاماً على عاشقة المطر.لعنة الله على مجفف ألأهوار.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك