الذين اقتربوا من الشعب الإيراني، يعرفون أنه شعب طويل النفس، طويل الأناة، طويل الصبر.. ولذلك فإن الإيرانيين، مازالوا في طليعة من تبقى من الشعوب التي تحوك السجاد اليدوي، وربما ستكون آخر سجادة تحاك يدوياً في العالم، هي السجادة الإيرانية!.
في الأسواق الإيرانية ثمة مشهد معتاد، تجده في كل محل يعرض سلعاً وبضائع للبيع، إذ تجد زبائن كثيرين يتطلعون الى البضائع، يقلبونها، يقرأون ما مكتوب على أغلفتها، يعاينوها من فوق ومن تحت ومن جنب، ويعيدونها الى علبها، ثم يمضون من غير أن يشتروها، ودون أن يسبب مثل هذا التصرف إزعاجاً للبائع؛ فقد أعتاد هذا المشهد الممل، وهو يمارسه أيضا، فيما إذا أراد شراء سلعة لأسرته!
الإيراني يفعل ذلك لأسباب عدة، إذ أن في جيبه اعتبارات عدة، يتعين أن يضعها أمامه، حينما يريد شراء سلعة ما..وتتزاحم تلك الاعتبارات بعضها بعضا، لكنه بالنهاية لا يشتري إلا ما يناسبه تماما، تتقدم لديه الجودة، وأصالة السلعة، ومصدرها، ومكوناتها، وشكلها، وقياساتها..ومعظم السيدات الإيرانيات يحملن أشرطة قياس في حقائبهن اليدوية، للتأكد من مقاييس الملابس التي يزمعن شراءها، هذا إذا كن راغبات بشراء ملابس جاهزة، وإن كان ذلك أمراً نادراً!
هذه العقلية هي التي فاوضت الغرب، طيلة السنوات المنصرمة على ملف إيران النووي، فيما أشتهر باسم مفاوضات 5+1..ولاحظ 5+1 تعني خمسة مفاوضين قبالة مفاوض واحد، الخمسة أي مجلس الأمن وهم: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، والواحد هو الإيراني الذي وصفناه أعلاه.
وبدا منحنى المشهد خلال سنوات المفاوضات الطويلة؛ متذبذباً لدى مجموعة الخمسة، فمرات يتصاعد مواقف ثلاثة من هؤلاء الخمسة، الى أعلى حافات التوتر، طبعا الثلاثة هم: أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ويحابيهم في بعض الأحيان الاثنان الآخران: روسيا والصين، لكنهما لا يمضيان مع الثلاثة الى الذروة..في أثناء ذلك؛ كان الواحد الإيراني على موقفه الذي لم يتزحزح عنه قط، وفي رأسه الذي لم تهتز شعرة واحدة فيه، نقطتان لا مساومة عليهما: أن تخصيب اليورانيوم حق شرعي لبلاده، وأن لا تراجع عنه، وفي كل مرة يؤكد للخمسة، أنه لا يسعى إلى امتلاك سلاح نووي، لأنها يرفضه عقيدياً..وفي كل مرة أيضا، يخرج الجميع من جولة المفاوضات كما بدأوها، فلا المفاوض الإيراني يدير ظهره للخمسة، ولا يقطع الخيط معهم، ولا المفاوضون الآخرون ييأسون من سعيهم لترويض حائك السجاد، المعاند الذي يتقن فن استثمار الوقت، والصبر الطويل، دون أن يكل أو يمل!.
قبل أشهر عدة كان على العالم أن يحبس أنفاسه، فأوباما رئيس أكبر قوة في العالم، توجه نحو كونغرس بلاده، ليعطيه علماً بأنه سيشن حرباً على إيران، لكن الحائك كان يعرف أن الكلاب النابحة لا تعض، ولذلك أستمر بصبر مدهش يحوك سجادته، بنفس الأناة والصبر، الذي تعوده الخمسة، وفي مقدمتهم أوباما نفسه..
لقد روّض الحائك الخمسة، وجعلهم يقرون بما وقف عليه طيلة ثلاثة عقود من المفاوضات، وهم اليوم ينظرون بانبهار إلى سجادته التي أتمها !.
كلام قبل السلام: طيلة سنوات المفاوضات لم يضيّع الحائك وقته، لأنه يؤمن أن الوقت هو المادة التي صُنِعت منها الحياة !.
سلام..
https://telegram.me/buratha